الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صعود اليمين الأوروبي المتطرف, أسبابه وأهدافه, وأثر تداعياته في السلم العالمي

هيثم الحلي الحسيني

2017 / 5 / 6
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


صعود اليمين الأوروبي المتطرف, أسبابه وأهدافه, وأثر تداعياته في السلم العالمي
دهيثم الحلي الحسيني.. باحث في الدراسات الإستراتيجية
جرى التطرق في الحلقة الأولى من هذه الورقة, الى توقعات إستطلاع الرأي, في حصول مرشحة حزب الجبهة الوطنية, أقصى اليمين الفرنسي, ماريان لوبان, على نتيجة متقدمة, تؤهلها لخوض الجولة الثانية من الإنتخابات, وقد جرى التأسيس على هذه الجزئية, كونها نموذج لصعود نجم اليمين الأوروبي المتطرف, وقد أثبتت المقدمات مصداقيتها, وفق سياق نتائج هذه الإنتخابات, بما يلقي الضوء على أهلية الكتابة, في هذه الحلقة من ورقة البحث, في مقاربة أسباب ظاهرة اليمين الأوروبي, وتبيان ماهو عليه وما هو علينا, في هذه الأسباب ودالاتها.
ومع أن حشد الكيانات السياسية الفرنسية, بما فيها اليمين التقليدي, أو يمين الوسط, لصالح مرشح الوسط, الذي سبق أن شغل حقيبة وزارة الإقتصاد في حكومة اليسار الإشتراكي الحاكم, وفي الضد من نجاح مرشحة اليمين المتطرف في الجولة الثانية, والذي يعكس إرتياب الساسة والشارع الفرنسي والأوربي, سيجعل فرص تولي اليمين المتطرف, لسدة الرئاسة الفرنسية ضعيفة, مع عدم تغييب إحتمال المفاجأة, كشكل "مفاجأة" الإنتخابات الرئاسية الأمريكية.
وعليه فمهما كانت النتائج في جولة الحسم, فإن وصول اليمين الى هذا الموقع المتقدم من سباق الرئاسة, ولأول مرة في تأريخه, إن لم يكن في تأريخ اليمين الأوربي المتطرف عموما, يؤكد الحاجة لدراسة هذه الظاهرة, وتبيان أسبابها وأهدافها, وبالتالي أثرها في السلم العالمي, ومستقبل الحقوق المشروعة للشعوب.
جرت الإشارة الى أن الصراع القديم التقليدي, بين اليمين الأوروبي المتطرف, الذي كان يوصف بالفاشية والشوفينية والشعبوية, فضلا عن إعتباره "معاديا للسامية", وبين الصهيونية العالمية, التي يمثلها اللوبي الإسرائلي الصهيويني, المتمدد في أوروبا وأمريكا, قد جرى تقزيمه, ثم تغليب المصالح البينية لكليهما, ليتحول الى تفاهم وتحالف معلن, وغير معلن أحيانا بينهما, ضمن خطاب نوعي ونمطي, يستهدف التحشيد لصالح الصهيونية العالمية, وجعل المناهضين لها, المطالبين بحقوقهم المشروعة, أعداء تقليديين للحضارة والرقي, ودعاة للتخلف والإرهاب, وبالتالي جعلت العالم معارضا وطاردا لهم, نيابة عنها, لتمارس عليهم دون رادع, أشكال القمع والإبادة, والإستهداف لإنسانيتهم.
وقد تبين أيضا, أن النموذج الأمثل لهذا التفاهم والتماهي, بين اليمين والصهيونية, هو ما حصل في الأزمة الأوكرانية, من إصطفاف وتحالف بينهما, لازال قائما, في رسم توجهات السياسة الأوكرانية, بإتجاه الإنبطاح للشروط الأوربية للإندماج في الإتحاد, ومعادة الشقيق الروسي, والنيل من مصالحه الإستراتيحية, بهدف تضييق مجاله الحيوي الأوربي, ومنعه من ممارسة دوره وحضوره العالمي, وإستحقاقه القيادي في السياسة الدولية, ومن ثم تكبيل أوكراينيا, كصديق داعم لقضايا الشعوب, ومساند لحقوقها المشروعة, وممانع للصلف الإسرائلي الصهيوني.
ولغرض مقاربة موضوع اليمين الأوربي المتطرف, من مجمل زواياه ومقترباته, يبدو إن الطرف الأول من القضية, يتعلق بشعور الكثير من المغتربين والمهاجرين, بالكراهية من الآخر الأوروبي أو الغربي عموما, وبالتالي الشعور بالدونية في مجتمع الإغتراب, مما ينتج عدم الإنخراط فيه, وممارسة المواطنة بصورتها اللائقة, في مجتمعات تأوي هذا الكم الكبير من العرب والمسلمين, من الذين قصدوها, ليعوضوا ما فقدوه من الرعاية في أوطانهم الأم.
وللموضوعية والإنصاف, فالجانب الأخر من القضية, وإستذكارا لكلمة الإمام علي "إن وطنك من يحملك", يتبين أنه كان الأولى على الكثير من المهاجرين أيضا, تقديرهم لتلك الأوطان التي حملتهم, بدلا من عقوق البعض منهم لها, والنأي بعيدا عن كل مظاهر الإساءة لتلك المجتمعات, في ثقافاتها ومثلها وتقاليدها وقيمها وعقائدها وخصوصياتها, وبالنهاية فإن كان المهاجر راغبا, بممارسة ما يتقاطع مع متبنيات المجتمع الذي يستضيفه, فعليه أن يتركه لآخر, يتماهى ومعتقداته وسلوكه, أو يتقبله بالرضا والقناعة والإمتنان, فهو في النتيجة خياره.
فهذه التجاوزات غير المقبولة, تشكل إستفزازا واضحا للمجتمع المضيف, خاصة لجهة ميل أبناء الجالية العربية أو المسلمة, في المجتمعات الأوربية, الى التواجد والتحرك, بشكل تجمعات ملفتة للنظر, مبدية ما يتقاطع والأعراف والقيم المجتمعية فيها, خاصة قضية النزوع في المجتمعات الغربية, الى التحرر والإنعتاق, شكلا وموضوعا, فكرا وسلوكا, كشكل صارخ لرفض الإندماج والإنخراط الإيجابي في المجتمع, ومن ذلك مثلا لا حصرا, إصرار بعض النساء على التنقب, وإستخدام الأزياء الملفتة للريبة, من الرجال والنساء عموما, والتي بمجملها لا تتبع تعاليم الشريعة, وإنما هي نتاج عادات إجتماعية بالية ومكتسبة.
وقد نشطت مراكز بحثية متخصصة, في إستطلاع أراء الأكاديمين المهتمين بقضايا الهجرة, والخبراء المجتمعيين, لتقديم مفهوم موضوعي للإندماج, فخلصت أنه إضافة لقيم جديدة, وإثراء للقيم الكلية للمجتمع, وهو عمل مزدوج يحتاج جهد الفرد إضافة إلى جهد مؤسسات الدولة, وبعكسه ستكون التجمعات السكنية النوعية, دالة للتطرف ورفض الإندماج, ويشتمل أيضا على احترام القانون وتقاليد وثقافة الآخر, وكذا اتقان اللغة وفهم الثقافة وحتى الفكاهة, والانخراط في الأنشطة الاجتماعية والثقافية والسياسية, والتصرف على أنه يعيش في بلده وموطنه, وقديما قالت العرب, "يا غريب كن أديب".
وعليه فإدراكه لا يعني الفهم السطحي للإندماج, في الدعوة لنبذ التقاليد والأعراف والمعتقدات, والقيم والمتبنيات الإيجابية, التي نشأ وتربى المهاجر عليها في بلده الأم, فهو ليس مدعو لتقليد المجتمع المضيف دون وعي, وفي إكتساب التقاليد والسلوكيات غير الأخلاقية, التي يرفض جلها عين النخب المجتمعية في بلد الهجرة, فهم ذاتهم يدعون الى تهذيب تلك السلوكيات, والمفاهيم التي فرضتها ثورات المعلوماتية والفضاء المفتوح.
فهذه المقاربة الواعية, تفترض ولوج مجتمع الإغتراب من نسيجه الإيجابي, وتفهم الجوانب المشرقة والحضارية فيه, ومن ثم الإنخراط فيها والتفاعل معها, والمشاركة في البناء والعمل والإبداع فيها, ليكون المهاجر عنصرا منتجا, وبالتالي يقدم الصورة المشرقة, لوطنه الأم, وتقاليده وقيمه الإنسانية, وهو نموذج حاضر بقوة في مجتمعات الهجرة, ويشهد له الكثير من ذوي الإهتمام في تلك البلدان, غير أن الآخر المرفوض, يكون صوته عاليا.
وفي مقدمة السلوكيات المرفوضة, ما يقوم به بعض الخطباء في المراكز الثقافية للمغتربين والمهاجرين, وخاصة الدينية منها, وفي منابر خطب الجمعة أو المناسبات الدينية, التي تنسجم وما يعرف بفكر الإسلام السياسي, أو السلفي المتطرف, بفرعه المتشدد المنسوب الى الفكر القطبي, والذي يناهض الإنسانية والفكر الحضاري عموما, ضمن أدوات العنف والتحريض, بما يشتمل العداء أيضا, لثقل الفكر الإسلامي العقلاني المعتدل, وعقائده المذهبية التقليدية, وحتى للسلفية الفكرية نفسها.
فكان من شأنه التحريض على نبذ الإختلاط والإنسجام في المجتمع المضيف, والذي يوجب تحصن الجيل الثاني أو الثالث من جميع لأشكال الإندماج, كونه مجلبة لأمراض مجتمعية وأخلاقية, وفي جلها دعوات مغرضة, ليس بهدف التحصين الإيجابي المشروع, وإنما تستبطن في غاياتها, إشاعة الجقد والكراهية, وتقديم المجتمعات المضيفة, وكأنها مفرغة من القيم الإنسانية النبيلة.
وبذا قد تناست مقولة الشيخ محمد عبدة الخالدة, التي قالها عند عودته من غربته في فرنسا, أنه "وجد مسلمين ولم يجد إسلاما", وفي ذلك معان إيجابية واضحة, ترتبط بما تحمله تلك المجتمعات من سلوكيات ومثل وقيم إنسانية, والحال على الدعاة والوعاظ, أن يبينوا الحاجة لإنتقاء البيئة الصالحة في تلك المجتمعات, وليس معاداتها ورفض الإنخراط فيها.
وعليه تولدت مخرجات غير مقبولة وتداعيات خطيرة, بنتيجة إشاعة ذلك النموذج من الخطاب في أوساط الشباب العربي والسلم, كانت نتيجتها إنخراط البعض منهم في التنظيمات المشبوهة, التي شكلت مشاريع إرهابية مستقبلية, كون تلك الخطابات اسست لبيئة خصبة وجاذبة, يتحرك فيها الفكر المعادي, في ثنائية اليمين والصهيونية, وهي ما يعبر عنها بالإجراءات الساندة المعلوماتية, ISM, Information Support Measures.
وبذلك فقد أنتجت فضاءً رحبا, لإستجلاب أدوات الاعلام المضاد, ونشاط الإعلام المقابل, والذي يتخذ من الإجراءات المعلوماتية المضادة, ICM, Information Counter Measures , والإجراءات المعلوماتية المضادة للمضادة ICCM, Information Counter Counter Measures, وبذلك فقد إكتملت الأضلاع الثلاث للحرب المعلوماتية, التي يعتمدها اليمين المتطرف ونافذته الصهيونية, سلاحا ماضيا لتحقيق أهدافهما المشاركة, فجرى تضخيم دعاوي الرعب من الإسلام, "أو ما يدعوه بالإسلاموفوبيا", وبما ينفذ غاياتهما وأغراضهما, مستخدمة السلاح اللين, soft weapons, وهو يشكل ذراعا رئيسا, لما يعرف بالقوة الناعمة, بجانبها ومعناها السلبي, التي تستهدف الضحية, دون التعرض المباشر لها.
وعليه فإن هذا الواقع, قد شكّل بيئة خصبة, لتنامي ظاهرة اليمين الأوروبي المتطرف, القديمة الجديدة, القديمة في تأصيل جذورها, بأعماق المجتمعات الغربية, ولكنها جديدة في تحصيلها على مواطئ أقدام لها, وتحالفها مع اللوبي الإسرائيلي, في العديد من الساحات السياسية والمجتمعية الغربية, حتى باتت في الكثير منها, على أعتاب النجاح في تحصيلها على أغلبيات سياسية, تسمح لها بيسر, أن تشكل حكومات يمينية متعصبة, تقوم على مبادئ رفض الآخر, ونشر الكراهية في مجتمعاتها, على أساس الأعراق والأصول, بما في ذلك المجتمعات المتعددة في أصولها وأعراقها.
وذلك يتطلب دراسة معمقة لهذه الظاهرة الطموحة, ضمن استقراء موضوعي ومنطقي, لبيان أهدافها وأدوافعها الحقيقية, وبالتالي للتداعيات التي تنذر عنها, أو بعبارة أخرى, التي باتت إستقراءات الرأي في الكثير من الساحات الإنتخابية الغربية, تفصح عنها, وتتوقع عن أزمات معمّقة, قد تجتاح المجتمع العلمي والأكاديمي لاحقا, من خلال انسياقه وانقياده لأصوات التشدد, والدعوة للكراهية.
إن هذه الدعوات للكراهية ورفض الأخر, تقوم عادة على أساس المعتقد والعرق, أو بدواعي الجغرافية والتاريخ, والتي أضرمت جذوتها, الخطابات المتطرفة, أمثال مدركات الباحث الأكاديمي الأمريكي "صموئيل هنغتون", في موضوعة "صراع الحضارات" The Clash of Civilizations, والتي عنى بها بشكل أدق, الى "صدام" الحضارات, في حين إن الإنسانية كانت ولا تزال, في حاجة ماسة الى البديل لهذا الخطاب, متمثلا بالدعوة الى "حوار الحضارات", وتفاعلها وإنصهارها, في الوحدة الإنسانية.
وذلك ما ستنصرف اليه الحلقة القادمة من ورقة البحث, التي تقارب بزوغ ظاهرة اليمين الأوربي المتطرف, من خلال النافذة المشرعة لحليفته الصهيونية فكرا, والإسرائلية سياسة.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرات الطلاب الأمريكيين ضد الحرب في غزة تلهم الطلاب في فرن


.. -البطل الخارق- غريندايزر في باريس! • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بلينكن في الصين.. مهمة صعبة وشائكة • فرانس 24 / FRANCE 24


.. بلينكن يصل إسرائيل الثلاثاء المقبل في زيارة هي السابعة له من




.. مسؤولون مصريون: وفد مصري رفيع المستوى توجه لإسرائيل مع رؤية