الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النقد العربي القديم

أيوب الحمزاوي

2017 / 5 / 6
الادب والفن


لعل دارس الأدب العربي، يرى أن ظهور النقد كان في مرحلة متقدمة من الزمن، فالنقد أمر فطري في الإنسان، إذ به يستطيع معرفة الرديء من الكلام و جيده في النص الأدبي.
إذ تعد أواخر القرن الثاني للهجرة، الفترة التي بدأ فيها التأليف في النقد، و أصبح النقد مستقلا، و ظهر الناقد المختص ليأخذ النقد مجراه الصحيح، فابن سلام الجمحي ألف كتاب "طبقات فحول الشعراء" فالفحولة تعني القوة و الغلبة، و الفعل عند الأصمعي يعنى جودة السبك و براعة المعنى ووفرة الشعر و هذا الأخير مهم في عمود الشعر. و معيار الفحالة عند ابن سلام الجمحي هو أن نجد نظم الشعر في جميع أغراضه لغزارة الإبداع. إذ برزت قضية اللفظ و المعنى التي سنتناولها في السطور الأخيرة من ورقتنا هذه إن شاء الله، وقضية المصنوع و الصنعة. التي تعد من قضايا النقد القديم، فالشعر المطبوع عند العرب هو الذي يأتي سجية بشكل عفوي. فالطبع مقياس نقدي احتكم إليه العلماء في قبول لغة الشعر أو رفضها فجعلوا الصنعة موطن الطعن. كما أن الوضع أو الانتحال فالمنتحل هو الذي أدى الشعر لغيره، و إن كان لا يقول الشعر فهو مدع بتضعيف حرف الدال، و هذا من بين معايير احتكام النقاد، علاوة على مقياس مكاني جغرافي. فالبداوة مقابل الحضرة، فالعلماء راهنوا في هذه الفترة على أخذ الشعر من أهل البادية لمثانته و غرابته. و قد جاء على لسان أبو عمر بن العلاء " لم أر بدويا أقام في الحضر إلا فسد لسانه" ولا يحتج بشعره. لهذا السبب حرص مجموعة من الشعراء على الذهاب إلى البادية و المكوث بها لأخذ الشعر الفصيح و المتين. كما قال الأصمعي "ذو الرمة حجة لأنه بدوي"، فالعلماء شددوا على أخذ الشعر شفاهة بمفهوم السماع، لأنه لا يؤخذ إلا بما سمع فقط.
بدأ النقد بنقد الشعر ثم انتقل إلى نقد السند أي اسناد الأشعار أو الشعر لغير أهله، و من هذا المنطلق دعا ابن سلام الجمحي إلى مبدأ الاختصاص، فعلى الناقد قبل أن يمارس عمله النقدي أن يتأكد بأن هذا المتن صحيح أم لا، لتفادي الانتحال و الوضع قال الجمحي : "فلما راجعت العرب رواية الشعر...وكان قوم قلت وقائعهم و أشعارهم، فأرادوا أن يلحقوا بمن له الوقائع و الأشعار، فقالوا على ألسنة شعرائهم". فالجمحي هو من انتبه الى هذه القضية في عصره الذي عرف ازدهار حركة التدوين. و يقدم مثال على هذا نقده للمتن الشعري من خلال مروية ابن اسحاق أنمودجا أو حماد الراوية. وكذا ينتقد اسناد الأشعار لغير أهلها،
و على سبيل المثال لا الحصر الحاق أشعار لثمود و عاد.
كما سبقت الإشارة الى أن ابن سلام هو الذي طرح قضية الناقد المختص في مقدمة كتابه السالف الذكر، و ازاء هذا نكون أمام نقد تطبيقي و ليس نظري، و لعل فضل إشاعة مصطلح نقد الشعر يرجع إلى قدامة تحديدا فهو لم يقتصر على جعل هذا المصطلح "نقد الشعر" عنوان كتابه، بل إنه أول من عبر بشكل منظم عن ضرورة فصل نقد الشعر عن باقي العلوم التي اتخذت الشعر موضوعا لها. فهو من دافع عن فكرة التخصص داخل التخصص، إذ يرى أنه حان الأوآن لتحديد مسألة نقد الشعر جيده من رديئه، فعلم الشعر هو الكل و علم جيد الشعر من رديئه أي نقد الشعر هو الجزء.
و في المضمار نفسه، يرى الجاحظ أن الناقد الحقيقي للشعر يجب أن يكون مبدعا ملما بطرق القول الشعري، و ذا قدرة على التذوق الشعري مع سعة المعارف و الإحاطة بالعلوم حينئذ تكون له القدرة على التميز و النقد.
و نجد الأصفهاني هو الأخر يؤكد على ضرورة التحقيق و يستعمل مصطلح التحصيل
و يسمى العالم الموثق المحصن، و قد ورد هذا القول على أحد الرواة في كتابه "الأغاني" و ليس قوله مما يحصن لأنه لا يعتمد على رواية ولا دراية، و أول نص يشير فيه إلى الناقد المختص. "ولشعر صناعة و ثقافة يعرفها أهل العلم كسائر أصناف العلم...و لا يوجد وأضعها مزيدا على هذه الصفة".ص65.ج1.
أما مسألة اللفظ و المعنى فتعد من المسائل الكبيرة التي شغلت النقاد القدماء. فقد قام جدال بينهم في تحديد مصطلح كل منهما في إعطاء النص الأدبي قيمته الفنية، ومن أجل تقديم شخصية كل منهما في الريادة و الأسبقية.
يعد الجاحظ أول من شعل شرارة هذا الجدال، وتعصبا للفظ و هو يضع الأناقة
و الجودة و الجمال في الألفاظ، فالمقياس عنده للقيمة الأدبية، إنما تكمن في جزالة اللفظ
و جودة السبك لأن "المعاني مطروحة في الطريق يعرفها العجمي و القروي و البدوي، إنما الشأن في إقامة الوزن، و تميز اللفظ و سهولة المخرج، و في صحة الطبع وجودة السبك".
و تابعه في هذا الرأي أبوهلال العسكري، وسلك منهجه حتى تقاربت الألفاظ و تشابهات العبارات، اذ يقول في كتابه الصناعتين: "المعاني مشتركة بين العقلاء فربما وقع المعنى الجيد للسوقي و النبطي و الزنجي، و إنما تتفاضل الناس في الألفاظ و رصفها و تأليفها
و نظمها". و بالتالي فمعيار سلامة الكلام عنده تنحصر في سلامة اللفظ و سهولته
و نصاعته. وفي الاتجاه نفسه يدلي ابن خلدون بدلوه إذ يقول في القرن الثامن: "إن صناعة الكلام نظما و نثرا إنما هي في الألفاظ لا في المعاني".
و لعل من ذهب إلى الجمع بين اللفظ و المعنى جماعة من النقاد، و من بينهم ابن قتيبة الذي يرى أن الجمع بين اللفظ و المعنى مقياسا في البلاغة و ميزانا للقيمة الفنية. فهما يتعرضان معا حسبه للجودة و القبح. و لا مزية لأحدهما على الأخر. و لا صدارة لأحدهما على الأخر، فقد صار على نهجه قدامة بن جعفر في كتابه نقد الشعر فتحدث عن اللفظ و المعنى و جعلهما قسمين في تحمل مظاهر القبح و ملامح الجودة. تماشيا مع هذا فابن رشيق و بعده عبد القاهر الجرجاني قد أنكر أي فصل بين اللفظ و المعنى، و كانت قيمة الشعر عندهم ترجع إلى اتحاد الشكل و المضمون اتحادا عضويا فنيا. إذ يقول ابن رشيق "اللفظ جسم و روحه المعنى، و ارتباطه كارتباط الروح بالجسد".
و قد أبدى أيضا شوقي ضيف اهتماما كبيرا لهذه المسألة في كتابه(النقد الأدبي) و توصل إلى أن الفصل بين اللفظ و المعنى، أو الشكل و المضمون أمر مستحيل...بل هما شيء واحد.
أيوب الحمزاوي
حرر بمراكش يوم4 أبريل2017








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | بمشاركة نجوم عالميين.. زرقاء اليمامة: أول أوب


.. -صباح العربية- يلتقي فنانة الأوبرا السعودية سوسن البهيتي




.. الممثل الأميركي مارك هامل يروي موقفا طريفا أثناء زيارته لمكت


.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري




.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض