الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما بعد الاستفتاء التركي: أولى إجراءات أردوغان التسريع في تصفية خصومه

لطفي الهمامي
كاتب

2017 / 5 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


ما بعد الاستفتاء التركي:
أولى إجراءات أردوغان التسريع في تصفية خصومه
على اثر فوز أردوغان بالاستفتاء يوم 16 افريل 2017 بنسبة ضعيفة اندلعت عدة احتجاجات بتركيا وخارجها منددة بذلك، ومقابل تلك الاحتجاجات مرّ النظام إلى تصعيد جديد ضد قطاعات واسعة من المجتمع التركي تمثلت في حملات اعتقال طالت حوالي 13 ولاية خلال بداية شهر افريل الجاري وهي متواصلة إلى اليوم واستهدفت أساسا الصحفيين وعناصر من الأمن والنشطاء بالمجتمع المدني التركي.ارتفاع درجة شراسة اردوغان في اتجاه القمع الأمني الموجه ضد خصومه يهدف إلى فرض مناخ اجتماعي وسياسي جديد والدخول إلى مرحلة جديدة عنوانها الحكم الفردي بامتياز.لكن ما يطرح عدة تساؤلات حول سياسة الحكم التركي هي أوضاعه الداخلية والإقليمية وعلاقاته الدولية المتوترة على كافة الأصعدة. نحن من جهتنا في تونس لدينا مصلحة ملحة في تتبع الأوضاع في تركيا لخصوصية العلاقة السياسية والاقتصادية وكذلك دور تركيا المتنامي في بلادنا عبر وكيلها السياسي في تونس واقصد حركة النهضة.
مناخ اجتماعي وسياسي منقسم بين مقاومة القمع والخضوع إليه
شهد المجتمع التركي خلال السنوات الأخيرة أي بعد فترة من حكم حزب العدالة والتنمية ذوا التوجه الاسلاموي انقساما حادا بين أنصار التمسك بالحريات والتعددية والنظام الديمقراطي من جهة وأنصار الحزب الحاكم اللذين يرغبون في تغيير القيم الغالبة على المجتمع نحو الاسلمة من وجهة نظر الشريعة كما يراها حزب العدالة والتنمية ذوا المرجعية الاخوانية.لكن هذا الانقسام بدأ يتسع تأثيره بمرور الحزب الحاكم إلى فرض تلك التغييرات وأهمها الاستفتاء الذي تحولت بمقتضاه تركيا من نظام برلماني تعددي إلى نظام رئاسوى يكرس ازدواجية حكم الدولة والحزب الاغلبي.لقد فوجأ حزب الحكم منذ سنوات بقيادة اردوغان بقوة الرفض والمعارضة لهم من قطاعات واسعة من المجتمع وتعبيراته السياسية،فالأكراد بصفة عامة وحزب العمال الكردستاني بصفة خاصة يواجهون النعرة الشوفينية لحزب العدالة والتنمية القائلة بالأمة التركية المسلمة متجاوزين الخصوصية القومية والعرقية لشعب تركيا منذ القدم. إضافة إلى الأكراد توسع خصوم النظام ليشمل الحزب الجمهوري ذوا الخلفية الاتاتوركية المتمسكة بمدنية وعلمانية الدولة.وخلال السنوات الأخيرة نشب خلاف وتحول إلى صراع سياسي محموم بين اردوغان وحليفه فتح الله جولن ذوا الخلفية الاسلاموية وتحول ذلك الصراع إلى تصفية أمنية من قبل اردوغان ضد فتح الله. من جهة القوى النقابية العمالية والمجتمع المدني والحافة المستقلة، فان حزب العدالة والتنمية لم يتمكن من إقامة حوار مدني سلمي معهم بل طغى أسلوب الترهيب والمواجهة. كلما طرح ملف من ملفات انتهاك حقوق الإنسان أو اعتقال صحفيين أو تصفية أمنية أو اغتيال إلا وتمسك النظام إما بالإنكار أو تلفيق التهمة تارة إلى حزب الشعوب التركية أو حزب العمال الكردستاني أو جماعة فتح الله غول أو أعداء تركيا بالإطلاق. مقابل ذلك ترك النظام حرية النشاط والتنظيم والحركة بكافة المواقع للقوى الإسلامية بما فيها القوى السلفية بدعوى حرية العمل السياسي والجمعياتى. لقد تمكن النظام من تقسيم المجتمع بطريقة فضة قائمة على البعد القومي والعرقي والعقائدي. أما من الناحية الاقتصادية فان تركيا على خلاف الدعاية الرسمية تشهد تراجع خطير للنمو الاقتصادي مع ارتفاع نسبة التضخم وبلوغ نسبة البطالة 12 بالمائة.
من الواضح أن النظام التركي خطط من اجل تمرير الاستفتاء وبتعلة محاولة الانقلاب نفذ حملة تصفية غير مسبوقة لا يمكن أن تكون بحجم محاولة الانقلاب لتوسعها وشموليتها إلى درجة أنها طالت حوالي 50 ألف إضافة إلى العدد الهائل من المعتقلين بالسجون التركية من مختلف الاتجاهات قبل محاولة الانقلاب فان النظام تمكن من اعتقال حوالي 6038 عسكري من رتب مختلفة و118 جنرال وادميرالد، و650 مدني.أما في مجال الإقالات فقد عزل 8777 موظف من وزارة التربية و15800 مدرس و1577 عميد كلية. وقام بعملية تطهير شمل المؤسسة الأمنية والإدارات العمومية ووسائل الإعلام بمختلف اختصاصاتها. بعد ذلك مرّ إلى التعديل الدستوري ثم العودة إلى الاعتقالات بعد حوالي عشرة أيام فقط من الاستفتاء حيث اعتقل عناصر من الشرطة ومن الصحفيين وغيرهم وبلغ عددهم إلى حد الآن حوالي 803شخص.
هناك سؤال لابد من طرحه، وهو، إذا كان النظام يعتقل ويعزل بالآلاف من الموظفين وأعوان الدولة بصفة عامة هل هو بصدد تعويضهم أم لا؟. إن الجواب عن السؤال لا يحتمل التخمين وإنما يتطلب معطيات، وهذه المعطيات التي أكدها عدد هام من المنظمات إن النظام قام بتعويض المعتقلين بأنصاره ومريديه قصد الاستيلاء على أجهزة الدولة برمتها. هذا الأسلوب يؤكد أن حزب العدالة والتنمية قد اعتمد سياسة التدرج أو"التقية" لتنفيذ مخططه.لقد انطلق في البداية بقبوله النظام الديمقراطي ألتعددي وبالحريات العامة والخاصة وعبر عن تبنيه الحداثة بما هي، أنّ الشعب هو المرجعية ولا غير ذلك ثم اخذ بصفة تدريجية في تركيز مناخ سياسي وثقافي لصالح أفكاره، ونظرا للتحولات الإقليمية والدولية والخوف من الانتخابات القادمة فانه أسرع في الاستيلاء على الحكم وتحويله إلى حكم فردي. التركيز على هذه الفكرة لها أهميتها لأنها مثال دقيق على تطور الحركات الاسلاموية في العالم وفي المجتمعات العربية وفي تونس وكيفية تعاطيها مع الحكم. فالموقف القائل أن الإسلام السياسي قد تصالح مع الفكر الديمقراطي وتحول إلى لبرالي هو موقف واهم لان هذه الحركات تبنت اللبرالية السياسية حتى تتمكن من كسر العزلة صلب المجتمعات ومن ثمة تشارك في الحياة السياسية والتقدم نحو الحكم.فالتجربة التركية هي الضوء الأحمر لمن يعتقد في إمكانية تحولها إلى قوة ديمقراطية ذات مرجعية اسلاموية. ف"التقية "هي جوهر المنهجية لديهم.
هل نحن بمعزل عما يجري في تركيا اليوم؟
أولا، ما يجري في تركيا يعنينا بصفة عامة مثلما يعنينا الوضع بكافة دول العالم، فنحن متضامنون مع الشعوب التواقة إلى الحرية. كما أن كل دولة ديمقراطية تحدث بها انتكاسة في اتجاه عودة الدكتاتورية مهما كانت مبرراتها فإننا نعتبرها خسارة كبيرة في ظل عالم لا يزال الظلم والقهر والنهب والاعتداء والسجن والملاحقة والحروب الداخلية والإقليمية والجهورية هي السمة العامة المسيطرة. لذلك فإننا نطوق إلى سيادة السلم والتضامن بين الشعوب وإشاعة الديمقراطية بما هي تكريس للحريات العامة والخاصة. ثانيا لان ما يربطنا بتركيا في المشهد الاقتصادي والسياسي والدبلوماسي والأمني اليوم يعنينا بشكل مباشر لما يحدث من تطورات سلبية بها وبالمنطقة بصفة العامة.اخطر ملف بين تونس وتركيا يتعلق بالجانب الأمني لتونس. لقد كانت ولا تزال تركيا بوابة عبور لعناصر التنظيمات الإرهابية وهي التي تتحمل المسؤولية الأمنية والسياسية لعبور الآلاف من الشباب التونسي للقتال في سوريا.خطورة هذا الملف تتجاوز مرحلة العبور إلى مناطق القتال لأنها تتعلق اليوم بملف العودة، أي عودة عناصر مجرمة إلى بلادنا عن طريق سوريا أو تمركزهم في سوريا منتظرين اللحظة المناسبة للعودة دون مراقبة أو عقاب.علما وان تطور نظام الحكم يسير في اتجاه لصالح تلك القوى مما يعنى إمكانية تحصن العديد من أفرادها بتركيا.تونس كذلك لابد أن تحسم أمر تجارتها واتفاقياتها مع تركيا على قاعدة علاقة حزبية بين العدالة والتنمية وحركة النهضة وليس على قاعدة العلاقة بين دولتين. كما لا بد من الانتباه إلى دور تركيا في تونس من خلال حكم حركة النهضة وسيرها على نهج الإسلاميين الاردوغانيين الأتراك. ليس لنا تناقض مع الشعب التركي بل انه شعب شقيق نتمنى له كل الحرية لذلك نحن اليوم نقف معه ضد العنجهية الاردوغانية ولكن تناقضنا مع الدكتاتوريات التي لا تحترم إرادة شعوبها، فلينتصر الشعب التركي على أعداءه ولينهض دفاعا على مكتسباته ومستقبله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رفح: اجتياح وشيك أم صفقة جديدة مع حماس؟ | المسائية


.. تصاعد التوتر بين الطلاب المؤيدين للفلسطينيين في الجامعات الأ




.. احتجاجات الجامعات المؤيدة للفلسطينيين في أمريكا تنتشر بجميع


.. انطلاق ملتقى الفجيرة الإعلامي بمشاركة أكثر من 200 عامل ومختص




.. زعيم جماعة الحوثي: العمليات العسكرية البحرية على مستوى جبهة