الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأنتخابات التشريعية العراقية: فضيحة أم كارثة؟

سعد الشديدي

2006 / 1 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


علينا ان نعترف بأننا جميعاً اصبنا بالصدمة حين سماعنا النتائج الأولية للانتخابات العراقية الأخيرة. فالذي حدث لم يكن ليخطر على بال ولا على خاطر حتى اولئك الذين اكتسحوا الأنتخابات وفازوا فيها محققين انتصاراً لم يستطع احدٌ، حتى الكومبيوترات العملاقة لمعاهد البحوث والدراسات الأمريكية والغربية، ان تتوقعه رغم الأمكانيات المعلوماتية الهائلة التي تمتلكها تلك المعاهد والجامعات. ذلك ان ما حدثَ في تلك الأنتخابات يثير الدهشة حقاً. فشعبنا العراقي كشف اوراقه كاملةً عندما ذهب ليحدد توجهات الحكومة التي ستقوده لأربعةِ أعوامٍ قادمة. وكذلك مضمون الهوية التي يريد العراقيون ان يحملوها امام انفسهم وبقية شعوب المنطقةِ والعالم.
فصوتت اغلبية شيعية للتشيع ومن يعتقدون انهم يمثلون خط التشيّع. والسنية لرموز سنية واضحة الأنتماء وذات مطالب اعلنت عنها مراراً وتكراراً و تتركز على الأغلب على مشاركة فاعلة لعناصر سنية في الحكومة وأجهزة الدولة. وفي اتجاهٍ لا يبعد كثيراً عن ذلك صوّت المواطن العراقي الكردي لمن يمثل قوميته الكردية وآماله في اقامة دولته المستقلة.
ولم تحزْ الأحزاب التي تمثل الأنتماء الوطني المتجاوز لدوائر الأنتماء الطائفي أو القومي إلا على اقل من القليل.
بصراحة تامة. لا يمكن ان ننظر الى ذلك إلا على انه فضيحة تاريخية ومن الطراز المخزي ايضاً. فهاهو وطن ما زال حتى هذه اللحظة يقبع تحت احتلال قوات أجنبية، ويعاني من مخاطر التقسيم الطائفي والعرقي، ومن حالة فلتان امني لم تحدث حتى في اقسى ايام الحرب الأهلية اللبنانية أو غيرها من الحروب الأهلية في التاريخ مروراً بالحرب الأهلية الأمريكية التي أسست الولايات المتحدة الحالية. ويعاني من انعدام ابسط الخدمات التي لا يمكن للمواطن في المجتمعات الحديثة ان يحيا بدونها. بل ويعاني من أزمةٍ حادة في مصداقية انتمائه الوطني، تلك التي انتزعتها منه الأنظمة الشمولية الديكتاتورية انتزاعاً وأحلت محلها هوية كاذبة تستند على الأنتماء الى وطن افتراضي يكبر ويصغر تبعاً لعدد اعضاء جامعة الدول العربية. وأولويات مفتعلة فُرضَت عليه فرضاً وبقوة اجهزة القمع والمخابرات اولها تحرير فلسطين وآخرها تحرير عبادان والكويت. وبعد فترة من الحروب والمواجهات العسكرية امتدت منذ بداية الحرب العراقية – الأيرانية ولم تنتهِ إلا بسقوط النظام قدّم فيها شعب العراق اعداداً من الضحايا لا يمكن ان تتناسب ابداً مع تعداده الذي لا يتجاوز الـ 22 مليون مواطن.
بعد كلّ هذا تصوّت نسبة 80 % من المنتخبين العراقيين لمشاريع طائفية وقومية عنصرية.
فلا يمكننا، بأي حال من الأحوال، ان ننظر للأحزاب التي فازت في الأنتخابات التشريعية الأخيرة الا على انها حالات مشبعة بالطائفية والعنصرية ولا تريد، بل لا تكلف نفسها حتى عناء نكران ذلك.
لماذا حدث ما حدث؟ واين كان يختبئ ذلك الجني الطائفي – العنصري وفي اي مصباحٍ سحري؟ لن يستطيع اي منّا ان ينفي ان ذلك قد حدثَ بالفعل وأن مناطق كاملة صوتت تحت تأثير انتمائها المذهبي أو القومي الذي لم يعد منذ اليوم مذهبياً أو قومياً محايداً بل تحوّل الى مشاعر مليئة بالعداء الطائفي والعنصري والذي علينا ان نتقبل وجوده في واقعنا العراقي الجديد لأنه اصبح تحصيل حاصل لا يمكن تجاهله ومحاصرة تأثيراته في الحياة السياسية. فبروز احزاب اسلامية شيعية عراقية وقيادتها أجهزة الدولة يعني ان تلك الأحزاب ستعمل لمصلحة العراقيين الشيعة أولاً ثم تنظر في مصلحة الطوائف والمجموعات الدينية والعرقية الأخرى. وإلا فلماذا شكلّت هذه الأحزاب حالات سياسية تحت يافطات شيعية وليس تحت اية مسميات أخرى؟ والواضح ان وفاء هذه الأحزاب، وهي في قمة هرم السلطة، لأهدافها "المذهبية" يعني وبشكل مباشر تفضيلها مصالح الجماهير الشيعية على غيرها. وتنكرّها لأهدافها ذات الطابع " المذهبي" سيعني خيانةً لتلك الجماهير. فهي أذن في مأزق حقيقي سواء نفذت برامجها المعلنة ام لم تنفذّها.
ولا يختلف الأمر حينما يتعلق بسلّم الأولويات لدى ما يسمى بالأحزاب الأسلامية السنية وكذلك الكردية. الأمر الذي سيؤدي في فترة زمنية لن تطول الى بروز احتقانات طائفية وعنصرية لن يحتملها الجسد العراقي الذي انهكته الحروب وعنتريات ديكتاتور وسفاح العراق في العصر الحديث صدام حسين.
السؤال الذي يدور في ضمائر الحريصين على العراق هو لماذا لم يصوّت العراقيون لوحدة العراق ألا قلة ضئيلة منهم؟ وهل صحيح ان العراقي يحترم انتماءه لطائفته وعشيرته وقوميته اكثر مما يحترم انتماءه الوطني العراقي؟ وهل صحيح ان صوت العراق الذي تكاثرت عليه السكاكين من كل جهة قد ذهب ادراج الرياح ولم يسمعه العراقيون؟ وهل صحيح ان المواطن العراقي الشيعي يريد دولة يقودها الشيعة سواءاً وفرت له الماء والكهرباء والعناية الصحية والتعليم ام لم توفر ولا يهمه ان كان القادة و المسؤولون في تلك الحكومة من اللصوص أو شذاذ الآفاق وانصاف المتعلمين؟
وهل صحيح ان العراقي السنيّ يريد لأبناء طائفته ان يستولوا على السلطة بأي ثمن كان، وكائناً ما كانت مصداقية ووطنية أولئك الذين سيأتون له بالسلطة على طبق من ذهب فيه رأس اخيهم المواطن العراقي الشيعي؟
وهل صحيح ان الأكراد صوتوا لقيادات عشائرية يعرفون جيداً مقدار التزامها أو عدم التزامها بالقضية القومية الكردية؟ وأنهم صوتوا لها لأنها كردية فقط؟
اذا كان كل ذلك صحيحاً، ونتمنى ان لا يكون كذلك، فأن ما افرزته الأنتخابات العراقية الأخيرة كان فضيحة حقيقية. سيسجلها التاريخ مشيراً الينا كشعب فضّل في لحظةٍ تاريخية مليئة بالتعقيد والخطورة انتماءه الطائفي والعنصري على انتمائه الوطني الذي كنّا ومازلنا نتبجح به حتى هذه اللحظة.
فهل نحن هكذا حقا؟ً أم أن نتائج الأنتخابات التشريعية الأخيرة كانت مجرد غلطة مطبعية في كتاب تاريخ العراق الحديث الذي كثرت فيه الأخطاء والخطايا والهنات حتى لم يعد بأمكاننا حصرها؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الهدنة في غزة: ماذا بعد تعقّد المفاوضات؟ • فرانس 24


.. هل تكمل قطر دور الوساطة بين حماس وإسرائيل؟ • فرانس 24




.. 4 قتلى وعدة إصابات بغارة إسرائيلية استهدفت بلدة -ميس الجبل-


.. القوات الجوية الأوكرانية تعلن أنها دمرت 23 طائرة روسية موجّه




.. حماس وإسرائيل تتمسكان بشروطهما.. والضبابية تحيط بمصير محادثا