الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


rabatليالي االأنس في

فاطمة بوزيان

2006 / 1 / 27
الادب والفن


لاأنتبه للمكان كثيرا اذا لم يكن موغلا في التمايز عن أمكنة أخرى جغرافيا أو عمرانيا، حتى في قصصي لم أهتم يوما بتسمية شارع أو مدينة، ماهمني أسماء الشوارع ولاأسماء الشخوص، ملامحهم ولا سحناتهم، كان السرد دائما عندي سفر في الأعماق اقتناص للمفارقات، محاولة للقبض على أموراحسها منفلتة و زئبقية ، وفي واقعي قد أعيش مع كائنات كثيرة ، بعد عمر أنتبه اني لم ألحظ شكل قسماتها ولاملامحها من هنا لاأتذكرمن الوجوه الا انبطاعي العام عنها : مريحة أو مزعجة، جميلة أو ذميمة، وديعة أو وقحة، هكذا أيضا مع المدن أقول عن الحسيمة انها مدينة الهدوء والناظور سوق كبير، وافران حديقة أروبية، والصويرة رياح لواقح تخصب في قلبي أزهار الفرح ومراكش سحر مغربي وو.. لكني أحار في وصف الرباط ،انها المدينة التي عرفتها قبل أن أراها ولم أعرفها حين أصبحت ساكنتها، وعلاقتي بها ملتبسة، قدرألفتها قدرغرابتها، قدرماهي متاحة هي عصية أيضا ، ربما علاقتي بها تشترك في بعض تفاصيلها مع علاقة كل المغاربة على الأرجح كل قادم من مدينة صغيرة ، مفتوحة على الفرح والحزن علىالأمل والخيبة، كل من استعصى علاجه عليه الذهاب الى الرباط ،وكل من أراد الهجرة أوالحصول على وثائق ادارية عليه الذهاب الى الرباط، وكل من أراد ان يعمق تعليمه عليه أن يقصد الرباط، كل المشاكل تحل في الرباط أو تتعقد فيها أكثر، وأصبحت الرباط في متخيلي مدينة المتناقضات : الشفاء التام أو الموت ، الشقاء او السعادة، الامن أوالخوف..كلما مرض أحد أفراد الأسرة أو العائلة والتحق بالرباط أتوقع ان يعود من مستشيفات الرباط معافى أو جثة، نادرا ما كان من حولي يقصد الرباط من اجل السياحة ورؤية صومعة حسان والضريح والاوداية وشالة...كانت أمي تزور الرباط من اجل العلاج وكنت أترقب عودتها بقلق شاسع ثمة ثقة في أطباء الرباط،لكن ثمة خوف من أن تموت هناك كما مات الكثير من الاهل والمعارف...اليوم الذي تعود فيه أمي كان عرسا حقيقيا يزورنا فيه كل الأهل لمباركة عودتها، حين ينفض الجمع، كنت أتسلل اليها وأظل قربها استطلع منها تفاصيل المدينة ..أ مي ساردة بارعة تشبه بلزاك في وصفها لتفاصيل كل مكان بدقة مجهرية، عرفت ذلك حين جئت الرباط ،أكتشفتني أعرف الكثير من الأمكنة أعرف الضريح هو تماما كما وصفته أمي،أعرف شارع محمد الخامس وباليما وقاعة الفن السابع وفندق العاصمة وسوق الأحد وباب الرواح وبلاص بيتري ... أحبت أمي الرباط لان الوالد حررته شاسعة المدينة من تلك الرقابة القبلية فحرر أمي من لثامها وأجلسها معها في المقاهي والمطاعم وأدخلها الأسواق والمتاجر الكبرى كما لم تفعل أبدا في الحسيمة...كنت أحس الدفء في كلام أ مي عن الرباط كأنها هناك فقط اكتشفت انها أنثى وهناك فقط اكتشفت أبي رجلا وليس زوجا فحسب..وأنا كنت أتسلل الى كلام أمي وأمشي معه في شوارع الرباط وأسواقها، كنت أتخيلني جالسة في مقهى بالميا أوأ تجول في السويقة أ وألحس الآيس كريم في شارع محمد الخامس أ وأجر عربة أطوف بهابين الرفوف في المرجان، أو أتتبع مهارات الحرف التقليدية في الولجة أو أنظر الى نهر أبي رقراق والقنطرة التي تربط سلا والرباط ...تفاصيل شهية، تمنحني اجنحة للطيران في سماء الافتتان و البهجة فأحلم أن أعيشها وألمسها بحواسي وحماسي ...كانت أمي بخبرتها تعرف ما يدور في ذهني وأنا استرق السمع لحديثها عن الرباط ،لهذا ثمة تواطؤ نبت بيننا، كلما أوغلت في طاعتها وعدتني بالتوسط لدى الوالد كي يرسلني لزيارة الرباط وكان انتظاري طويلا، لم يكن سفري يتجاوز دائما الناظور موطني، أو مليلية من اجل اقتناء حاجياتنا من السلع الاسبانية ، ثمة نافذة سأطل من خلالها على رباط آخر هي صديقتي لينا، لينا جا ءت ذات صيف الى الحسيمة التقينا في شاطىء كلايريس ووطن الرمل والبحر صداقتنا، كانت تقيم في اكدال وكانت تحدثني عن زميلاتها في فرقة الباليه واخر عرض سينمائي شاهدته في قاعة السينما وأخر عرض شاهدته بمسرح محمد الخامس وانا اتنهد حسرة، كان الدخول الى السينما الكبير بالحسيمة- المعلمة الاسبانية الجميلة -غير مسموح به للبنات لهذا لم ادخلها ابدا، ويوم شاهدت عصابات المضاربات العقارية تهدم السينما الكبير شعرت ان حلم التعرف الى جمال القاعة وأسرارها العمرانية الباذخة أصبح تحت الانقاض، وتخيلت أن الحياة المرحة والحرية لاتوجد الا في سماء الرباط، ذات صيف جئت الرباط لحضور مناسبة عائلية في منزل أحد أعمامي ، بعد عودتي حدست أمي أن شيئا من هوى الرباط قد وقع في فؤادي لهذا ظلت دائما تتمنى لي العيش في الرباط وكنت أتشاغب وأقول لها :
كيف أعيش في الرباط وأبي يصر على البقاء بالحسيمة؟
تفطن أمي الى خبثي فتربت على ظهري وبابتسامة خفيفة تقول لي:
وهل ستظلين تعيشين معنا الى الأبد ذات يوم ستتزوجين وتعيشين في الرباط
تواطأ القدر معنا وجئت الرباط فاكتشفت فيها اكثر من رباط ، رباط الفقراء في الكورة ودوار الحاجة ، رباط الأغنياء في اكدال وحي الرياض رباط الانتظاروالاحتجاج أمام البرلمان، رباط الموصلات الرديئة، رباط اللصوص الصغار والكبار، رباط الموظفات المتعبات ،.... وسكنني الحنين الى المدن الصغرى بالتحديد الى الحسيمة،هكذا أصبحت أرى في مياه المحيط زرقة المتوسط وأتذكر في السويقة سوق ميرادور،وأقف في الاوداية أتامل الشمس وهي تهوي كبرتقالة في البحر وكأني واقفة أرقب الغروب على هضبة كيمادوا، وفي شرفات أسواق السلام استعيد مقهى قصر ميرادور، لا أرتاح لشيء في الرباط الا لأنه شبيه بشيء آخر في
الحسيمة أو يرسمه لي الحنين كذلك، هكذا كانت الرباط تسكنني في الحسيمة وأصبحت الحسيمة تسكنني وأنا في الرباط.
احالات
الرباط عاصمة المغرب، تطل على المحيط الاطلسي
الحسيمة مدينة صغيرة تقع شمال المغرب، تطل على البحر الابيض المتوسط








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص


.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض




.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة