الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إشكالية الإحتراف والولاء

حيدر السلامي

2017 / 5 / 7
كتابات ساخرة


قلما يجتمع الإخلاص والولاء مع الكفاءة والاحتراف، ولذا تجد العمل في المؤسسات والأحزاب الدينية ـ على الأغلب ـ متخلفاً والأداء ضعيفاً جداً. وتبدو العلاقة عكسية بين الإبداع والانتماء. فكلما ظهر الولاء المؤسسي أو الحزبي، توارى عن الأنظار الإتقان والبراعة، وكلما لاحت المهارة والإجادة، برز على مسرح العمل الإخفاق والإهمال والاستعجال، ومن ثم هدر الطاقات وفوت الأوقات وتلف الأموال.
ربما هي قاعدة غير مضطردة ـ كما يقال ـ ولكني خبرتها وعشتها على مدى ربع قرن، فما حسبتها تخلفت إلا نادراً.
ولو اطلعت على واقع مؤسساتنا اليوم لوجدت العمل فيها يقوم على أكتاف عدد قليل من المحترفين ممن لم يمحضوا الإيمان محضاً برؤيتها ورسالتها وقيمها وأهدافها.. غاية ما في الأمر أنهم وجدوا فيها فرصة لكسب لقمة العيش الحلال في زمن لا يمنح الفرص لكل أحد، بل لا ينالها إلا من أتى السلطان بقلب سقيم.
الاحتراف يدفع عادة إلى الاعتداد بالنفس والثقة العالية بقدراتها فلا يُحتاج آنئذٍ إلى التودد والتزلف والتملق والتصاغر أمام رب المؤسسة أملاً في كسب ثقته ورضائه. المحترف يحترم ذاته ويقدرها كثيراً ولا يزايد على مهنيته مهما كلفه الأمر. المهنيّ لا يخلط بين العمل والعلاقات الشخصية، فلا يتعكزُ على جاهٍ أو وجهٍ، وإنما يفرض وجوده على المؤسسة بما يمتلكه من مواهب وخبرات ومؤهلات علمية أو عملية أو كليهما معاً.
الصورة معكوسة تماماً بالنسبة لمدعي المهنية، فهو لا يأبى ولا يتردد عن فعل كل ما ذكر، لأنه ضرورة وحتم بنظره، بل إنه كل ما يملك وغاية ما يحسن فعله، لخلو نفسه من الاعتداد والاعتبار والثقة بما لديه لسبب بسيط، هو أنه فاقد للمهنية أو الأهلية، لكنه بالنهاية صاحب الامتياز في المؤسسة والفرص أمامه متاحة والظروف دائما مؤاتية، لذا تجده يتسنم المناصب ويحتل المراتب بسهولة جداً ومتى ارتفع فإنه لا يهبط بعدها مطلقاً.
لا يسقط على رأسه، من كان يرتدي الأقنعة ويغير جلده مع كل طقس وينتهز كل شاردة وواردة ولا يتورع عن ارتكاب المظالم وتزوير الحقائق وتبرير الأخطاء وتنميق الكلام وتزويقه بحسب اشتهاء المسؤول. مثل هذا لا تخف عليه ـ كما يقول العوام ـ لأنه ببساطة شديدة لا يكاد يخسر شيئاً ذا قيمة ولا يني يبيع كل شيء مقابل الوصول إلى مبتغاه، حتى لو دفعه ذلك إلى استعمال الطرق الملتوية والأساليب غير الشريفة وفي مقدمتها التسقيط والقذف والتشهير.
ويندر أن يحتل المحترف موقعاً قيادياً في مؤسسة ما، كبرى أو صغرى، وما عليه إلا أن يعمل بجد واجتهاد، يكدح ويجهد، يتعب ويعرق، ينجح ولا يحدث نفسه بفشل قط. ليس له غير ذلك بتاتاً. أما الناتج والحاصل والامتياز والمكافأة و(العافرم)، فهي عليه حرام أبداً. فما هو من المقربين ولا من أصحاب اليمين ولا من فئة العاملين عليها.
التردي والتدهور في كياناتنا ومؤسساتنا يعود إلى أسباب عدة، أولها شعور المحترفين الأكفاء الماهرين بالإحباط المستمر وإحساسهم بأنهم طارئون على المشروع وليسوا أصلاء فيه ولا يمثلون جزءاً منه بحال من الأحوال. وفي قبال ذلك شعور الأميين المخلصين المتزلفين الموالين بأنهم أرباب العمل والرؤساء أولو العزم. وأنهم المالكون والوارثون والقائمون ما دامت السماوات والأرضون.
وهكذا ستبقى هذه الإشكالية قائمة في مؤسساتنا ما لم ننتبه لمغبتها ونواجه أنفسنا بما لها وما عليها ونتقبل النقد والرآي الآخر ونعيد حساباتنا ونتعامل مع الأشياء بموضوعية، بعيداً عن التشنجات والحساسيات المفرطة التي جعلناها القاعدة والاستثناء، وأسبغنا على شخوصها ـ بعلم أو بجهل ـ هالات من القداسة حتى أصبح الغبي نبياً يجوز له ما لا يجوز لغيره من السلف والخلف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا