الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تاريخ الصوت

عماد حياوي المبارك
(Emad Hayawi)

2017 / 5 / 9
الادب والفن


تاريخ الصوت
ليس من شك بأن ما ساعد بالماضي القريب ويساعد بيومنا هذا على ديمومة أنتشار الأغاني وبقاءها على قيد الحياة هو أساليب التسجيل الأستوديوي الحديثة والتوزيع الموسيقي وغيرها، أمور لم تكن بهذا المتطور قبل خمسون عاماً أو أكثر. لو نعود لأكثر من مائة عام نجد أن السينما قد بدأت بتكنلوجيا الصورة وبدون صوت وقد أطلق عليها السينما الصامتة وهو ما يفسر لنا بأن الصورة وطرق تسجيلها والأحتفاظ بها لأجيال لأحقة هي أسهل من التسجيل الصوتي الذي تقوم اليوم به (أستوديوهات) وكوادر متخصصة ليخرج لمسامعنا نقياً من الشوائب تخلده الأيام والأعوام.
ولو نعود لعدة قرون أي قبل التسجيل الصوتي بمئات السنين ونلاحظ أن طرق الحفاظ على الألحان كان يتم بأوربا بكتابة (النوتة) الموسيقية للفرق السمفونية التي كانت تعزفتها على المسارح بشكل يصل مباشرة لأذن المتابع الذي كان جاداً في ألتقاطها والتمتع بها، وهذا الأمر هو الذي أوصل لنا غالبية الأعمال الموسيقية الراقية لموسيقاري القرون الوسطى، أما في بلدان أخرى فقد حافظت الألحان الخالدة على ديمومتها من خلال حفظها وعزفها وترديدها من جيل لآخر وهي قليلة وقليلة جداً... لماذا، هل لأن الناس ما كانوا يهتمون بالموسيقى والغناء؟ لا أظن ذلك لأن الموسيقى كانت مهمة وترافقهم حتى في ساحات الوغى وكانت تشغل فراغاً بحياتهم أكبر مما نجده متاحاً لنا بهذه الأيام والذي أختزلته مشاغل حياتنا وملأته تكنلوجيتها الصاعدة. الناس كانت تقبل بكثرة لسماع الأغاني والموسيقى، لكن أين هي هذه النتاجات؟ هل طوت الأيام المطربين وأغانيهم، تلك التي غنوها قبل خمسمائة عام أو ألف؟ لم تصلنا أسماءاً كثيرة عن مطربون عاشوا قبل قرون في بلداننا أو في غيرها مع أن الغناء مهنة قد أمتهنها كثير من الناس وأسترزقوا منها*، ربما لو تكنلوجيا الصوت كانت آنذاك لوصلتنا اليوم أغانٍ وكلمات كانت تعبر بصدق عن تاريخ أمم، عن أفراح وأتراح ومعاناة شعوب، ولكتب الفنانون تاريخهم ألحاناً وكلماتاً حية وليس كما يكتبه السياسيون صامتاً اسوداً بلون الحبر على ورق.
قد يقول قائل بأن أطواراً وموشحاتاَ وألحاناً قد وصلتنا ولا نعلم تاريخها وهذا كلام صحيح، لكن كمية ما وصل منها ومن أسماء مؤديها قليل جداً الأمر الذي ربما يفسرة شيء آخر بأن يد التكنولوجيا هي التي ساعدت فن الموسيقى والغناء الحديث على التوسع أكثر بكثير من تأثيرها بالفنون الجميلة الأخرى كالرسم والنحت مثلاً.
لو لم يتوصل العلم لطرق التسجيل المعروفة اليوم والتي كانت خطواتها الأولى منذ عشرات السنين فقط، ما أنتشرت أغاني (أم كلثوم) الجميلة وما أن وصل صوتها المميز لمسامعنا بحيث خلدها الزمن، ولكنا قد قرأنا فقط عن بريق كوكبها وأدائها أحلى الكلام دون أن يتوج ذلك فعلياً بسماعها، أنها واحدة من عشرات المطربين العرب وألوف غيرهم حول العالم مدينون اليوم هم والجمهور العريض من حولهم للتطور العلمي ورواده الخالدون...
× × ×
الغناء والنشيد مصاحب للإنسان منذ القدم في المراعي والمروج والجبال وبين البيوت وأزقة المدن. العامل يغني والفلاح ينشد والراعي يهزج الكل بطريقته على أيقاع دوران المكائن أو صدى الصوت العائد من الجبل أو أيقاع حركة الدواب بمسيرها، أحياناً كان يصاحب أصواتهم آلة إما أن تكون وترية أو أيقاعية، وقد أستلهم الإنسان وأستعار أنغامه من الطبيعة ومن التنوع الحياتي المحيط به.
لقد عرف العرب الغناء منذ عصور قديمة، ولم يساعد ظهور الإسلام على تطوره لأسباب تتعلق بفلسفة الدين شأنه شأن بقية الأديان التي تؤمن بالروحانيات وتؤمن بغذاء الروح وتهذيبها لكنها لا تسمح بأمتاعها وجدانياً. وقد عرف العرب الغناء وأسموه (الحداء) وكان على ثلاث أنواع... النصب وهو غناء الفتيان، والهزج وهي أغانٍ خفيفة تسمح بالرقص على أيقاعها، والغناء الثقيل الذي يحتاج لصوت متمكن وهدوء وتركيز وسلطنة المستمع. وقد سجل العرب قبل وبعد الإسلام صفحات غنية بالموسيقى والطرب، وقد كان قريضهم حتى بدون مصاحبة الآلات الموسيقية هو أغنية بحد ذاته لأن الوزن والتقطيع الشعري يكون مراعيا للإيقاع والرتم اللحني.
كان منبع الغناء العربي بالجزيرة العربية هو اليمن متمتعة بالمزيج العربي الهندي الأفريقي، وكان المغنون يسافرون لبلاد ما بين النهرين والشام ومصر فيتأثرون ويأثرون ويشعرون ويغنون، وقد أستمر هذا النسق بالتاريخ الإسلامي لكن بعد حين فكان وادي العقيق قرب المدينة وبطن النعمان في مكة مسرحا للنشيد والغناء والشعر العاطفي الرقيق. أشد ما أثر بالغناء العربي في مراحله المتقدمة الموسيقى الأغريقية التي وصلته من أوربا عبر حدوده الشمالية.
× × ×
إن موسيقى الغناء قبل مئات السنين ليست كمثيلتها اليوم فقد كانت كما هو الشعر القديم تعتمد على الأوزان وتنحصر بمقاطع تعتمد عادة على وحدات من النغمات المتصلة طويلة كانت أم قصيرة وعلى نمط تقسيم الجمل الكلامية تقسيما منتظماً.من يقرأ كتبا تاريخية مثل الأغاني للأصفهاني والعقد الفريد لابن عبد ربه يجد مئات الحكايات والأغاني ترد مرفقة بكيفية غنائها. وقد لعبت المرأة دوراً أساسياً في أنتشار الموسيقى العربية خصوصاً قبل الإسلام، إذ كانت نساء القبائل يشتركن في موسيقى الأعياد العائلية أو القبلية بآلاتهن، كما تواجَدن فتيات في كل البقاع التي عاش فيها العرب كشبه الجزيرة والعراق والشام مهنتهن العزف والغناء يسمّين (بالقنيان)، كان يمكن أستملاكهن ومقايضتهن فظهرن في قصور الملوك وبيوت الأثرياء ورؤساء القبائل وكان اقتناؤهن مدعاة لفخر الأعرابي، وكان هناك نساء ممن أمتهن العزف والغناء والعمل في الحانات وفي مضارب الخيام وقد عملن لحسابهن الخاص وأمتلكن فرقاً من المنشدين والعازفين من كلا الجنسين. أختلفت بعض العادات في صدر الأسلام لكن الغناء أستمر وظهر بشكل آخر، فقد كانت (هند بنت عتبة) تنشد على رأس بعض النسوة للحرب بمعارك المسلمين وتصدح بأغانيها بينما يضربن بقية النساء الدفوف بإيقاعات مختلفة الغاية منها شد أزر المقاتلين أو رثاء قتلاهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
× تعتبر تكنلوجيا التسجيل الصوتي من أعظم الأختراعات التي قام بها الإنسان وهو عملية يراد بها الأحتفاظ بالصوت ثم أعادته على مسامعنا بما هو عليه، وهما بالواقع عمليتين متعاكستين الأولى كتابة الصوت ألكترونياً للأحتفاظ به والثانية بثه لأحيائه من جديد. التسجيل يعتمد على الموجات الصوتية الصادرة من مصدر كأن يكون آلة موسيقية أو حنجرة، وهنا فالعملية ببدايتها ميكانيكية بحتة وهي نفسها لم تتغير لكن الأستشعار بها هو الذي يتغير بتطور التكنولوجيا. بنهاية القرن التاسع عشر بدأت البحوث الجادة لتسجيل الصوت وفي 1906 أختُرع الصمام الإلكتروني الذي كان يمكنه تضخيم الإشارات الكهربائية الضعيفة جداً، عام 1915 أستخدم بدوائر الهاتف وسماع المحادثات بين طرفين، عام 1917 سجلت أول براءة أختراع لمسجل كهرومغناطيسي كانت النسخ المعدلة منه حينها أساس جميع أنظمة التسجيل الصوتي. أثناء الحرب العالمية الأولى تم أجراء تجارب ناجحة في أمريكا وبريطانيا لتسجيل صوت غواصة ألمانية وأعادة بثه. أول تسجيلات بالهواء الطلق كان لقداس جنازة بلندن عام 1920 وكان الصوت المعاد أنتاجه ضعيفاً مشوشاً. بعد ذلك مول العديد من المخترعون لأجراء تجارب على معدات وتقنيات التسجيل، في عام 1924 تم تسويق أول (غرامافون) وبدأ التنافس بين شركات التسجيل الصوتي على تطوير الجهاز يشتد بدعم مادي وبشري كبير. ضلت الأسطوانة سيدة التسجل حتى جاء الشريط الممغنط بأشكال وحجوم مختلفة ثم عادت الأسطوانة لكن بطرق مبتكرة وكتابة ألكترونية أي تختلف عن سابقتها بحيث يمكن مسحها وأعادة الكتابة عليها عدة مرات، ثم جاء الخزن الألكتروني على الرقائق والذي هو بحد بذاته عالم واسع ومجنون. بكل تأكيد فأن الأيام القادمة ستكون حُبلى بالأختراعات التي لا يمكن تخيلها والتي سيمكنها ألتقاط حتى أصواتاً مرت عليها عدة قرون من الزمان لأنها طاقة لاتزال تسبح بالأثير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط




.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية


.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس




.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل