الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديمقراطية بين المشروع والاستشعار

محمد الحاج ابراهيم

2006 / 1 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


ياسين الحافظ،برهان غليون وغيرهم كُثر ممن طرحوا المسألة الديمقراطية حلا لأزمات المجتمع العربي، بغاية تقديم الكوادر ذات المهنية العالية لتُقدّم إمكاناتها لتحقيق رفع سوية المشروع العربي بمقوماته كاملة، وذلك لخلق البنيتان التحتية والفوقية الصحيحتان وليس المُرقّعتان، فصحّتهما تُنتجان القوة في مجتمعات تعاني من أزمات التخلف والتنمية بمستوياتهما المُختلفة، وتُعاني من أزمة العقل العربي في جوانبه الثقافية والفكرية والسياسية.
عندما نسمع ونقرأ من جعفر النميري في السودان وعلي ناصر محمد في اليمن ورفعت الأسد وعبد الحليم خدام في سوريا/بغض النظر عن الفروق/ دعوتهما للديمقراطية نضع هذه الدعوة على المشرحة ونُحلّل هذا الخطاب الجديد لأركان أساسيية من أنظمة حاكمة لفترة زمنية غير قليلة يوم كانوا يقفون في وجه الديمقراطية عندما كانوا في السلطة، وذلك حين كان كبار مُثقفينا وسياسيينا يطرحوها كضرورة من ضرورات التقدم، ويسأل المرء كيف صار هذا التحول وما خلفياته وكيف استشعر هؤلاء الحاجة لها الآن ولم يستشعرونها يوم كانوا أصحاب قرار في السلطة؟.
هذا التحول يدفع نحو دراسة السلطة كحلقة ذات مواصفات خاصة ،وذلك بسبب توجُّه الخارجين على السلطة قسرا أم طوعا غالبا نحو طرح الديمقراطية كبديل طبيعي للاستبداد ،وكأنهم لم يُدركوا ضرورتها يوم كانوا أصحاب قرار يستطيعون تحقيقها ولو نسبيا.
ماهي السلطة وماهي خصائصها ومقوماتها وأركانها،ولماذا تمنع تحقيق الديمقراطية في مُجتمعنا العربي، وكيف يتحول السلطوي إلى طارح للديمقراطية بعد خروجه منها،ولماذا لم يُفكَّر بها في تلك الأثناء،وهل الأزمة في السلطة كحلقة خاصة،أم في السلطويين،أم في المجتمع مُنتج الحالتين ؟
للسلطة في المُجتمع النامي هدف واحد وهو السيطرة على أشكال الحياة فيه وتسييره حسب برنامج هذا الحزب أو تلك الجماعة عبر أعضاء من كل حدب وصوب/أو من حدب وصوب واحد/ قادرين على السيطرة على مؤسسات الدولة ومقاليد الأمور حسب التعبير التقليدي الدارج دعما للنظام الجديد.
للسلطة ارتباطها بمنظومة دولية تُحدّد طبيعة العلاقة مع هذه المنظومة شاءت أم أبت،ولها ارتباطها المزدوج بمن تحكمهم وهذا مايُحدد العلاقة الداخلية على قاعدة الاستبداد أو الديمقراطية،فعندما يكون الاستبداد يكون الفساد لأنه توأمه ومُفرّخ كل حالات الخلل الأخلاقي والسياسي والاقتصادي وأخيرا الاجتماعي ،لكن عندما تكون الديمقراطية يكون الازدهار والرخاء والمُشاركة التي تختزل الفساد(لأنه طبيعة إنسانية سلبيه) بأفراد يخضعون للقانون للبراءة أم الإدانة،وتُقدّم كل حالة صحيحة إلى الأمام لتأخذ دورها في عملية البناء بشتّى أشكاله .
((متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمّهاتهم أحرارا)) هذا التعبير لم يأت من فراغ،بل من حالة حقوقية مُتداخلة مع الديمقراطية بمعانيها المُتعددة السياسية والاجتماعية والاقتصادية ويكون الصواب في أداء الحاكم عندما يُقدّس الحرية للمواطن ويمنع سلبها له وحرمانه منها لأنها طريق المُنافسة لتقديم الأكفأ للمجتمع وأخذ القدرات مكانها الطبيعي لكن يبقى السؤال الأهم وهو:لماذا لا تتجه الأنظمة المُتسلّطة نحو الديمقراطية،هل عشقا بالكرسي كما يُشاع،أم التزاما بنهج الجماعة الحاكمة التي أنتجت هذه السلطة،أم القراءة القاصرة للحاكم حين يحكم على أبناء شعبه أنه غير مؤهّل لها، أم ماذا يُمكن أن تكون الأسباب المُعيقة لتحقيقها؟.
السلطة تقبع في دائرة من الأصولية(قبلية،حزبية،عائلية) تحكمها الرغبة وتعيش فوق القانون، بينما الحكومة تخدم في مناخ دستوري سقفها القانون،لأن الفارق بين الاثنتين أن الأولى من نتاج الانقلاب وتبعاته،بينما الثانية نتاج الانتخاب،أي أن الوصول إلى السلطة يمر عبر طريقين أحدهما الاستيلاء والثاني الاقتراع،في الأول تغيب الرقابة على أداء الحكومة كون المُستَولين على السلطة يفتقدون إلى الشرعية القانونية والاجتماعية،بينما الثانية تحت الرقابة ويُمكن حجب الثقة عنها،وما أن يكون الاحتجاج هذا على السلطة حتى تمتلىء السجون بالخونة حسب تعبير السلطويين وتصنيفهم لهم ولكل ناقد لأي خلل يصنعه هؤلاء على كافة الأصعدة.
تمتاز السلطة القادمة عبر الانقلاب على خوف نوعي بسب الاستيلاء وليس الاقتراع الطبيعي،ويحمل الحاكم هذا شعورا باللاأحقية فيلجأ إلى العديد من الأساليب التي تبرر وجوده، كأن يستجلب نماذج انتهازية همها الكسب والمنصب، وهذه الشريحة حاضرة في كل الأوساط الثقافية والسياسية والدينية عبر التاريخ، وهذه الشريحة تفتي للحاكم بحقه في عملية الاغتصاب هذه،وهذا يؤكد دور المجتمع في تعزيز الكاريزما لدى الحاكم وأكثرهم فقهاء السلاطين في المنطقة العربية كلها.
أتساءل…هل يحرم الحاكم شعبه من الحرية قاصدا الحرمان، أي هل يُقرّر فعلا أن يقوم بهذا الجرم، أم أن له تصورات يفترضها صحيحة؟فمثلا عندما يسجن الحاكم مواطنا لخلافه معه في الرأي هل يفقد الحاكم إنسانيته بافتراضه أنه يقوم بإجراء صحيح،أم أن الدافع له حرصه على المقام الأول في المجتمع، وهذا مايجعل معيار الحق ضبابيا دون العودة إلى الجمهور الذي يختار حاكمه ويُقرّر مسؤوليه وهذا هو التمترس مع دوافعه،إذاً مُقومات الاستبداد تكمن في نزوع الفرد نحو السلطة من جانب ومُباركة الفقهاء(دينيين وسياسيين) الذين يُعززون الكاريزما لدى هذا الفرد وعلى هذه الأسس يمكن أن نصل إلى أن النزوع الفردي هذا لابد من لجمه عبر السياسة كحالة مطلبية والقانون الذي يحمي السياسة كشكل حقوقي.
أتساءل…على اعتبار أن الخارجين عن السلطة يتوجهون غالبا لطرح المسألة الديمقراطية بعد الخروج،كيف يُمكن لهذا المشروع الدخول إلى دائرة السلطة والسلطويين وهم فيها، أي ماهو الطريق لتغيير وعي الحاكم من التمترس إلى الانفتاح؟،وباعتقادي أنه السؤال الصعب الذي يعجز بالإجابة عليه الحاكم والمُعارض،لأن الإجابة عليه تستدعي التاريخ الذي يُجيب عن هذه الأسئلة على الشكل التالي(كيفما تكونوا يُولّى عليكم)و(متى استعبدتم الناس وقد ولّدتهم أُمهاتهم أحرارا)وللوهلة الأولى يخال المرء تناقضا بين العبارتين لكنهما مُكملتان لبعضهما البعض وهو إنتاج السلطة من القاع المُغيّب اليوم،وهذا يستدعي المُشاركة العامة المحمية بالقانون الذي يسمح بتشكيل المؤسسات السياسية خارج إطار السلطة الحاكمة فتتكون أُطر سياسية فاعلة وليست شكلية كالتي تُنتجها هذه الأنظمة بغاية المُباركة للحاكم وسحق المحكوم.
التسلط وحرمان المجتمع من حقوقه بأشكالها المُختلفة جرم أخلاقي تُحاسب عليه الشريعة ويُحاسب عليه القانون أيضا وهذا يُحدد معيار الارتباط بالحقوق التي يتحدث عنها الحاكم في كل مناسباته لكن لايُمارس إجراء عمليا واحد بهذا الخصوص وهو المُنطلق نحو المحسوبيات والتمييز بين المواطنين الذي يحكمهم.
المُشكلة تكمن في أن الحاكم المُستولي لايملك مشروعا يعتمد البحث العلمي ليس الأكاديمي بل السبري الميداني إنما يعتمد مبدأ إشباع الغرور أو تعويض النقص المُتراكم عبر سيرورته وتشكُّله النفسي والاجتماعي وحتى التحصيل العلمي الذي يُمكن أن يُعزّز دونية بنيوية ذات خصال ترتبط إلى حد ما بسيرورة التراكم هذه فيكون جل اهتمامه بمعالجة أو تعويض هذه الحالة فيقع المُجتمع ضحية له ولما يؤسسه في المجتمع من مؤسسات أفرادها قادمين من نفس البنية له فتقضي على مُكوّن المُجتمع وتُفتته عبر تناحرات مصنوعة بغاية البقاء لأن الديكتاتورية أسهل على الُمتسلّط من الديمقراطية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل - حماس: أبرز نقاط الخلاف التي تحول دون التوصل لاتفاق


.. فرنسا: لا هواتف قبل سن الـ11 ولا أجهزة ذكية قبل الـ13.. ما ر




.. مقترح فرنسي لإيجاد تسوية بين إسرائيل ولبنان لتهدئة التوتر


.. بلينكن اقترح على إسرائيل «حلولاً أفضل» لتجنب هجوم رفح.. ما ا




.. تصاعد مخاوف سكان قطاع غزة من عملية اجتياح رفح قبل أي هدنة