الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماريونيت

شيرين يوسف

2006 / 1 / 28
الادب والفن


قفزتين في السماء و يبلغ القمر منامه ، و يأتي الفجر ليوقظ المدينة ، النافذة مغلقة يتخللها صمت الليل الموحش، شاردة عيونها معلقة بسقف الغرفة المنخفض ، لا تتحرك و لا تتنفس لكنها تحلم تتمنى تتأمل ، تتمنى أن لا يستيقظ صاحبها و يصطحبها معه في تجواله اليومي عبر أزقة المدينة و حاراتها الضيقة ، يضحكون عليها ، يسبونها ، تتشابك الخيوط في معصمها ، تنظر إليها بشماتة ، تتعمد في بعض الأحيان مشاكسة حركة الخيوط لتتقطع و تسترح من هم الطواف عبر معاقل الأطفال المشردين ، انكسرت ساقها ذات يوم لكنه تمكن من تجبيرها ببعض الصمغ رديء الصنع ، كل رفاقها صاروا غير صالحين للعب دور المهرج ، تهتكت أقدامهم و هرمت أذرعهم و شاخت حكاياتهم بقيت هي وحيدة في مضمار السخرية ، تتحكم فيها بعض خيوط غبية ، و حكايات سخيفة يضحك عليها الأطفال تارة و يقذفونها بحبات الطماطم و البيض الفاسد تارة أخرى ،فهي اليوم ترقص على خشبه مسرح و غدا ً تلعب دور الملكة و بعد غد شيء أخر ، ثوبها المرقط بالثقوب و رقع القماش المتسخة ليس كافيا ً لإماطة كف الغبار عنها ،وجنتاها صارتا بلون الوحل ، يصفف شعرها البلاستيكي الأشقر أحيانا و الحالك السواد أحيانا أخرى ، القصير قليلا و المائل للطول أحيانا أخرى كما يشاء فكفاها بلا أصابع ،استيقظ الآن غسل وجهه و احتسى كوباً من الشاي ، افترس قطعة خبز يابسة كانت فوق المنضدة ، اقترب منها تأملها قليلا ً ، أعاد ترتيب خصلاتها المتناثرة ،أحكم حبكة الخيوط حول معصميها و خصرها و قدميها و هو يطلق صفيرا ً سمجا ً ممسوخاً كحكاياته المملة و يدندن " دميتي .. صغيرتي .. حبيبتي الغبية "، و رغم كل ذلك فتظل تردد تلك الحكايات كل يوم دون كلل ، حملها بين يديه و اتجه إلى باب الغرفة ، تمكنت من رؤية من سبقوها و أشلائهم ملقاة أسفل المنضدة ، لم يعودوا صالحين لإكمال الدور و أداء المزيد من الانتحار تحرروا من الخيوط ، تمنت لو أنها تهرم كما هرموا ، تتحرر من سطوة الخيوط الحمقاء التي تشدها كما يشاء ، و قبل أن يتجاوز بها باب الغرفة حدقت إلى رفاقها الممددين تحت المنضدة قائلة "إلى أن تجمعنا حماقة هذا الرجل ، لكم منى السلام "..
أجابوها بأصوات باهتة توحدت على وتر واحد من الحزن " ننتظرك" ..
، بينما كان يتنقل ما بين مقاعد الحديقة الخشبية ، تعثرت قدمه في حجر كبير، سقطت من بين يديه ، تكسرت عظامها ، رأسها تدحرج ككتلة ثلج تجرى فوق منحدر من البياض ،تأمل أشلاءها لبعض الوقت ، ركلها بقدمه فما عادت تصلح لشيء بعد الآن ، تركها و انصرف يلعن الحظ و الحجر وكل من يقابله ،أمطرت السماء في تلك اللحظة ، جاء الغيث بقطراته إلى رأسها الخشبي ،غمر وجهها ، بدت و كأنها تبكي ، و إن كان بكاء فهو بكاء الفرحة ،الذي يحكي يوم خلاص دمية " الماريونيت" من الخيوط الحمقاء ، إلا أنها لم تدفن في مقبرته الجماعية و أشلاء رفاقها ، انتشل عامل النظافة أشلاءها و إذا بها مودعة صندوق القمامة ، تزاحم الأوراق القذرة و العلب الفارغة ، فضاء هذا الصندوق المغلق ، يأتي المساء من جديد ، يقارب القمر على النوم ، تحملق في سقف الصندوق ، إنه غطاء لا نافذة به تسمح بتسلق أي شعاع للفجر ، الآن فقط أدركت معنى الحرية و رحب الأرض حتى و إن كانت مكبلة بالخيوط..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمين علي | اللقاء


.. بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء خاص مع الفنان




.. كلمة أخيرة - فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمي


.. كلمة أخيرة - بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء




.. كلمة أخيرة - ياسمين علي بتغني من سن 8 سنين.. وباباها كان بيس