الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اميركا ضعفها في قوتها

جورج حداد

2017 / 5 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


في زمن مضى بلا عودة، حينما كانت "المارونية السياسية" تهيمن على النظام الطائفي اللبناني، كان الشيخ بيار الجميل (الجد) مؤسس حزب الكتائب، رحمهما الله، يردد مقولة "لبنان قوته في ضعفه". وجاء التاريخ ليثبت كم كانت هذه المقولة قصيرة النظر. واليوم فإن كل فسيفساء "المارونية السياسية"، من الرئيس ميشال عون الى الدكتور سمير جعجع الى الشيخ سامي امين الجميل، تطالب بإلحاح الكتلة الغربية واصدقاءها "العرب" بتقوية وتسليح الجيش الوطني اللبناني، وفي الوقت ذاته ترفض سرا وجهرا العروض الروسية والايرانية غير المشروطة لتسليح هذا الجيش الذي اثبت انه جدير بلاطائفيته ووطنيته وروحه الكفاحية العالية بوجه اسرائيل وبوجه الطاعون الارهابي ـ التكفيري (من "فتح الاسلام" الى "داعش" واخواتهما).
وهذا الخطأ الستراتيجي الفادح للمارونية السياسية في لبنان هو درس تاريخي لجميع شعوب ودول العالم، حتى اعظمها.
ويعطينا التاريخ الان مثالا آخر للخطأ الستراتيجي للقوى السياسية. وهذه المرة يأتي هذا المثال من الدولة العظمى اميركا، التي ينطبق عليها شعار معاكس تماما لشعار الشيخ بيار الجميل يقول: "اميركا ضعفها في قوتها!".
فلا يوجد سياسي او عسكري او محلل ستراتيجي، في العالم، ينكر القوة الطاغية لاميركا في جميع المجالات، ولا سيما في المجال العسكري. والمفارقة الكبرى هي ان القوة الطاغية التي تتمتع بها اميركا تصبح هي نقطة ضعفها الكبرى.
فهذه القوة الطاغية توهم القادة الاميركيين ان اميركا، بقوتها التي لا مثيل لها، قادرة على ان تفعل اي شيء، في اي وقت، ضد اي كان، وفي كل مكان.
بهذه الروح العدمية (Nihilism)، وباعتدادها بقوتها الطاغية، وضعت اميركا نفسها، ومن ورائها العالم باسره، في موضع الضعف الكلي امام موجة الارهاب التي تضرب العالم. ولنتبع خيط "منطق القوة الطاغية" لاميركا في بعض مظاهره:
ـ1ـ في 25 كانون الاول 1979 دخل الجيش الاحمر (السوفياتي) افغانستان. وكانت اميركا تعاني ما يسمى "عقدة فيتنام". وكانت تعتبر ان عدوها الاكبر هو الاتحاد السوفياتي وقلبه روسيا. فحركت ـ اي اميركا ـ قوتها ونفوذها وصنعت بيديها حركة طالبان، وحركة "المجاهيدن العرب"، واخيرا تنظيم "القاعدة"، وحولت افغانستان الى فيتنام "اسلاموية" ضد السوفيات وروسيا. واجبرت القوات السوفياتية على الانسحاب من افغانستان في 2 شباط 1989. وكانت القيادة الاميركية تعتقد انها بفركة واحدة لـ"مصباح علاء الدين" يمكنها ان تطلق المارد الاسلاموي لسحق الاتحاد السوفياتي وروسيا من داخلهما والتخلص منهما الى الابد. ومن ثم تتفرغ اميركا لسحق العالم الاسلامي المتخلف ثم سحق الصين والهند واوروبا، وتحقيق السيادة الاميركية على العالم لالاف السنين، بالتعاون الوثيق مع اليهودية العالمية.
ولكن الثقة المفرطة لاميركا بقوتها، وبقدرتها على اختراق حجب المستقبل القريب والبعيد، للبشرية، منعتها من ان ترى الوقائع على الارض، وان ترى ان الحركة الارهابية الاسلاموية التي ولدت في الرحم الاميركي، لها هي ايضا "مشروعها الخاص" لتحقيق "سيادتها العالمية". وان هذا "المشروع الاسلاموي" يقتضي اولا تحطيم القوة الاميركية، وتطويعها، بالتعاون مع اليهودية العالمية ذاتها، الحليف الستراتيجي لاميركا.
وهكذا، فوجئت القيادة الاميركية، على ارفع المستويات، بأحداث 11 ايلول 2001، التي هزت اميركا والعالم بأسره، واجمع المحللون الدوليون على ان العالم بعد 11 ايلول 2001 سيكون غيره ما قبله. وحتى الان لم تكشف بعد اسرار هذا الحدث الارهابي الهائل الذي لم يسبق له مثيل. لقد مضت ألوف السنين على وجود و"اكتشاف" وجود الاهرام المصرية. ومع ذلك فإنه لم يتم بعد اكتشاف كل اسرارها. وان اميركا تتبجح ـ ولها كل الحق ـ ان اقمارها الاصطناعية تستطيع ان تكشف وتعلن عن تعطل مصعد كهربائي في احد الطوابق في احدى ناطحات السحاب الاميركية. ولكنه من المؤكد انه ستمضي ألوف السنين، ولن تستطيع اميركا ان تكشف اسرار احداث 11 ايلول 2001، ومن ثم تحول الارهاب الاسلاموي الى غول يهدد العالم بأسره وفي الطليعة منه "قابلته القانونية" اميركا ذاتها.
وبعد ان سحقت اميركا افغانستان واعادتها الى العصر الحجري، اثبتت للعالم بأسره انها، بكل قوتها المفرطة وغناها و"حضارتها" و"دمقراطيتها"، لم تستطع سوى تحويل افغانستان الى امارة لطالبان ومزرعة للخشخاش وجحيما للمرأة الافغانية البائسة ومدجنة لتفريخ الارهابيين وتوزيعهم في كل ارجاء العالم.
ـ2ـ بعد فشلها الذريع في افغانستان، اتجهت اميركا نحو ضرب نظام صدام حسين الدكتاتوري في العراق لاستعادة هيبتها الدولية المفقودة. وكانت بحاجة الى ذريعة مقبولة دوليا لاجل شن الحرب على العراق. وكانت الولايات المتحدة فيما سبق قد زودت نظام صدام حسين بالاسلحة الكيماوية لاستخدامها ضد ايران والاكراد العراقيين الذين كانوا يقاتلون الى جانب ايران في الحرب العراقية ـ الايرانية (1980 ـ 1988). ولكن لكون الولايات المتحدة الاميركية كانت تدعم العراق حينذاك، فإن الشكاوى الايرانية والكردية الى الامم المتحدة حول استخدام العراق للاسلحة الكيماوية لم يلق الاذن الصاغية في هيئة الامم المتحدة. وبعد نهاية الحرب مع ايران في 1988، وتجنبا لاي تحقيق تقوم به هيئة الامم المتحدة بفعل الشكاوى الايرانية والكردية المتلاحقة، قام نظام صدام حسين باتلاف ما تبقى لديه من اسلحة كيماوية، بدون ان يبلغ حلفاءه الاميركيين بذلك.
وقد ادعت اميركا امام هيئة الامم المتحدة ان النظام العراقي يملك اسلحة للدمار الشامل كما انه يؤوي عناصر تنظيم القاعدة الذي شارك في احداث 11 ايلول 2001. وبسبب قوة اميركا كان على العالم ان يصدق ما تقوله ولو لم تقدم اي دليل على صحة ما تقول.
وفي 5 شباط 2003 وقف الجنرال كولن باول بكل طلته البهية امام اعضاء مجلس الامن حاملا عصا الجنرالية يشير بها على اللوحة الالكترونية امامه اين هي اسلحة الدمار الشامل العراقية ولسان حاله يقول: "انا اكذب، واعرف انكم تعرفون انني اكذب، ومع ذلك عليكم ان"تصدقوا" ما اقول، وان تصادقوا على القرار الدولي الذي نطلبه لاضفاء الشرعية على حربنا ضد العراق، لاننا الدولة الاقوى، وارادتنا هي الشرعية الدولية".
وفي ايار 2012 اصدر الجنرال كولن باول كتابه "البست سيليرز" المعنون "دروس في القيادة والحياة"، ويعترف فيه، كرجل يحترم نفسه، ان يوم "5 شباط 2003" كان أسوأ يوم في حياته.
وفيما بعد شنت اميركا حربها الظالمة ضد العراق وسحقته، وقتلت اكثر من مليون انسان بريء في بضعة ايام، وسممت الهواء والماء والتربة باسلحة اليورانيوم المنضب الذي يدوم مفعوله السام في المياه الجوفية والتربة والنبات والحيوان والانسان مئات آلاف السنين واستخدمت سجن ابوغريب وغيره وكان جنودها يتفننون في تعذيب واذلال وقتل العراقيين.
ونترك للتاريخ ان يجيب ما هي النتائج الى توصلت الى تحقيقها "القوة العظمى" اميركا في العراق.
ـ3ـ وفي 7 نيسان الماضي مساء قامت البوارج الحربية الاميركية في شرقي المتوسط بقصف مطار الشعيرات السوري قرب مدينة حمص بتسعة وخمسين من الصواريخ المجنحة طوماهوك. وشنت القيادة الاميركية هذا العدوان المكشوف بدون اي مستند شرعي، بل فقط بالادعاء من طرف واحد ان الطيران السوري، هو الذي قصف "خان شيخون" في ريف ادلب بالسلاح الكيماوي، وان مطار الشعيرات يحتوي مستودعا للسلاح الكيماوي، وذلك بدون اي تحقيق دولي يثبت هذه الادعاءات التي لا قيمة لها اكثر من قيمة ادعاء اميركا في حينه بامتلاك العراق لاسلحة الدمار الشامل.
والقيادة الاميركية، من الرئيس ترامب فما دون، تعلم علم اليقين ان القيادات الميدانية لروسيا وايران وسوريا وحزب الله تعمل بتنسيق كامل فيما بينها في الساحة السورية، وانها كانت قادرة ـ لو شاءت ـ على اسقاط جميع الصواريخ المجنحة الاميركية وجميع مصادر النيران الاميركية من اينما جاءت، وان دينامية الرد والرد المضاد بين اميركا وحلفائها من جهة، وروسيا وحلفائها من جهة ثانية، كان يمكن ان تكون له نتيحة واحدة لا ثانية لها وهي: محو اميركا وجميع حلفائها من الوجود، بالسلاح النووي، الجاهز للانطلاق لا في دقيقة او اثنتين بل في ثانية واحدة او ثانيتين. وهذا القرار يمكن ان يتخذه لا ضباط قاعدة حميميم الروسية وحسب، بل وكابتن اي قاذفة نووية ستراتيجية روسية او اي آمر وحدة صواريخ باليستية نووية روسية، او اميرال اي غواصة روسية مزودة بالصواريخ النووية، و"نائمة" قرب الشواطئ الاميركية، بالرجوع او بدون الرجوع الى القيادة العليا الروسية. وهذا يعني شيئا واحدا فقط وهو: ان القيادة الاميركية، بقرارها ضرب مطار الشعيرات بهذا الشكل العدواني المكشوف وضعت نفسها (ومصير بلادها وجميع حلفائها) في مستوى وتحت رحمة ضبط النفس الذي ابداه لا الضباط الروس في قاعدة حميميم وحسب، بل وجميع الضباط الاشاوس لسوريا وايران وحزب الله في الساحة السورية، الذين كان بامكان كل واحد من هؤلاء الرجال الابطال والحكماء ان يكبس الزر الاحمر على الشاشة الالكترونية امامه.
ولكن ليسمح لنا الرئيس ترامب بأن نتلو على مسامعه هذا المثل الشعبي القروي اللبناني: مش كل مرة بتسلم الجرة!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المدرجات تُمطر كؤوس بيرة في يورو ألمانيا.. مدرب النمسا يُحرج


.. لبنان يعيش واقعين.. الحرب في الجنوب وحياة طبيعية لا تخلو من




.. السهم الأحمر.. سلاح حماس الجديد لمواجهة دبابات إسرائيل #الق


.. تصريح روسي مقلق.. خطر وقوع صدام نووي أصبح مرتفعا! | #منصات




.. حلف شمال الأطلسي.. أمين عام جديد للناتو في مرحلة حرجة | #الت