الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية تحت عنوان تيتريت، نبت السماء الفصل الأول

محمد شودان

2017 / 5 / 10
الادب والفن


قراء الحوار المتمدن تحيتكم طيبة،
هذه الرواية تحاول ملامسة أوضاع المثليات في أوطاننا الشرقية، سأنشرها على حلقات متتابعة وأرجو أن تنال إعجابكم.


تيتريت
نبت السماء
تقديم:
اسمحوا لي أن أعرفكم على نفسي رجاء، اسمي كما هو مدون في الوثائق الإدارية، زهرة، وهذا هو الاسم الذي اختاره لي أهلي وتعبوا لأجله كما غنت فيروز، أما أنا فلم يرقني يوما هذا الاسم المبهم الأجوف؛ فهو لا يمثل شخصيتي ولا غير ذلك، بل ولا أرى فيه قيمة يستحق بها ذلك الكبش الذي ذبحوه لأجله، ولم آكل منه طبعا؛ لأنه نكرة أولا، وعامٌّ أجوف ثانيا وأخيرا، وهذا وحده كفيل لأنفر منه؛ وأشمئز منه، بل وأتشاءم كل ما سمعته.
زهرة، هو اسم عام يشمل كل وردة، مهما كانت فصيلتها أو رائحتها؛ من الورود العطرية إلى زهور الأشجار، وإن كانت زهرة شجرة مرة، كشجرة دفلى ضائعة على أطراف واد عميق، وأرى أن أي اسم آخر أفضل منه، خاصة إن كان اسما لزهرة ما بعينها، دون غيرها، كنرجس وسوسن وغيرهما، وقد استحييت من ذكر اسمي لما التقيت يوما فتاة قدمت لي نفسها باسم جلنار، فأين هذا من ذاك؟.
ولذلك غالبا ما ينتابني إحساس بالدونية والقهر إن التقيت بفتاة اسمها مخصص لزهرة بذاتها، وغالبا ما كنت أحتج على هذا الاسم فيقابلني كبار العائلة بغبائهم المعتاد، فأضطر لالتزام الصمت أمام هرطقتهم التي تطرق طبلة أذني فتكاد تفجرها:
ــ يجب أن تفتخري باسمك يا بنية، فقد سماك جدك رحمه الله لإحياء ذكرى أمه، رحمهما الله والمسلمين جميعا، يا لضياع الأيام! كانت منارة للبؤساء، رقيقة المشاعر، أم الجميع، أما أنت! يا الله، لا تخلف النار إلا الرماد!
وهذا هو الذي يجعلني أقدم نفسي للجميع باسمي العائلي فقط، وأفضل أن يدعوني أهلي باسم الصلة الدموية التي تربطني بهم؛ كبنتي وأختي وبنت عمي وهلم جرا، على أن أختي وأخي هو اللفظ الطاغي والأكثر شيوعا بين أفراد عائلة مولاي يعقوب(جدي لأبي)، حتى بين أبناء العمومة؛ فنحن جميعا إخوة، هكذا تربينا، ومن عادات العائلة ألا تزوج أبناءها وبناتها إلا من خارج دائرة العائلة، وحتى وإن لم يكن زواج أبناء العم ممنوعا بنص أو دعوة شر، إلا أنه جار مجرى العادة من الجذور العميقة للعائلة.
قلت دعوة شر؛ لأنها من بين الوسائل التي تسن بها القواعد في البيت الكبير، ومن ذلك ما حصل في زواجي الأول؛ إذ رغم تحفظ أبي على العريس وسلوكياته المعروفة للعادي والبادي، ورغم رفض أمي التي بكت ليلة الزفاف ولم تعرف معنى البسمة بعدها أبدا، رغم ذلك كله، جاء كلام المرحوم جدي فاصلا وحاسما وغير قابل للنقاش:
"ها دعوة الشر وها دعوة الخير"
وحسم الأمر.
ولزواج الأجانب ــ وخاصة عائلة زوجي ــ حجيته المختصرة في توطيد العلاقات مع العوائل الأخرى من داخل القبيلة، وكذا تحسين دم الخلف.
أما عموم الناس فأفضل لهم وأريح لي أن يدعوني بكنيتي"الفاطمي"، وهو الاسم الافتراضي الذي اخترته لصفحاتي على مواقع التواصل الاجتماعي كلها، بعدما فصلته ووزعه بين الاسم والنسب؛ فال التعريف لِلّقب، وفاطم بدون ياء النسب لاسم العلم، ولأني كتبته باللاتينية فإن البعض يدعوني فاتيم أو فاتي، ولا أجد في ذلك حرجا، أما الصورة فأضع زهرة ذابلة للدلالة على نفسيتي المحبطة، وكإحالة على اسمي الإداري، مع أن كلمة إداري تثير في النفس ما يشبه الرغبة في الضحك والبكاء معا.
أنحدر من عائلة محافظة، محافظة جدا إلى درجة أنهم لا يزالون مجتمعين في بيت واحد كبير؛ يضم الجدة، وهي امرأة طاعنة في السن، لا تفارق سجادتها المصنوعة من جلد خروف أحد الأعياد الذي لم يكن لي فيه وجود، وبيدها سبحة، وقربها إبريق من الأعشاب.
لا يمكن أن تميز ما إن كانت تسبح أو تخاطب الأموات، في صغري غالبا ما كنت أجلس قربها مساء، في زمرة إخوتي، لتحكي لنا حكايات الغول واليتامى السبع، أو لونجة ذات السالف الحريري.
ثم الآباء الذكور؛ أبي وأعمامي؛ أبناء مولاي يعقوب، أما العمات فيغادرن البيت لاحتضان أسرهن الجديدة، فلا يزرن الدار إلا في الأعياد والمناسبات.
وفي آخر الترتيب يأتي الأحفاد، وأنا واحدة من سبعة عشر سبطا، ولو تم ترتيبنا حسب العمر لكنت واسطة العقد.
بعد شهادة الباكلوريا أو كما نفضل اختصارها في أحرفها الأولى "باك"، والتي يدعوها إخواننا المشارقة بكالوريوس، حصلت على شهادة الإجازة في الآداب فالدراسات المعمقة في الإشهار ودلالة الصورة بعد ست سنوات من الدراسة الجامعية، وأشغل الآن منصب وكيلة إعلامية في صحيفة إلكترونية بأجر مقبول، وآمل أن تتاح لي الفرصة للارتقاء بوضعيتي المادية فيما بعد، خاصة بعد التقرير الذي نشرته مؤخرا في عمودي الخاص فأوقد شعلة الصحيفة وضاعف عدد قرائها، والذي يضم عصارات الحكاية التي سأسرد عليكم أحداثها.
وكبشارة أولية زادت من آمالي، فقد حصلت على وعد من أحد الدكاترة الجامعيين بأن يدعم ملفي إن تقدمت بطلب التسجيل في سلك الدكتوراه بالجامعة نفسها التي درست بها، وقد أبدى ــ مشكورا ــ إعجابه بالتقرير وبأسلوبي الخاص فيه. ذلك ما أنا عازمة على فعله، وقد بدأت بإعداد تقرير حول بحث الماجستير الخاص بي.
والحكاية التي سأسرد عليكم تفاصيلها في هذه الأوراق قد بدأت أحداثها فعليا قبل ست سنوات بالنسبة لي، وربما أكثر بالنسبة لتيتريت.

يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فاكرين القصيدة دى من فيلم عسكر في المعسكر؟ سليمان عيد حكال


.. حديث السوشال | 1.6 مليون شخص.. مادونا تحيي أضخم حفل في مسيرت




.. لم أعتزل والفوازير حياتي.. -صباح العربية- يلتقي الفنانة المص


.. صباح العربية | في مصر: إيرادات خيالية في السينما خلال يوم..




.. لم أعتزل والفوازير حياتي.. -صباح العربية- يلتقي الفنانة المص