الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هربنا من الدب ، فوقعنا في الجب .

يوسف حمك

2017 / 5 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


هربنا من الدب ، فوقعنا في الجب .

القضية الكردية من أكبر القضايا في شرقنا المنبوذ ، و أكثرها أهميةً و أعظمها نيلاً في التجاهل إقليمياً و دولياً .
قضية أمةٍ تعد من أكثر الأمم التي طالها الاضطهاد و الغبن عبر التاريخ ، و ذاق شعبها الويلات من أنظمةٍ أُغتصبت حقه ، و أُلحقت به كل صنوف المآسي و كافة أنواع القهر و الإبادة الجماعية و التهجير القسري .
شعبٌ واصل نضاله رغم القتل و التنكيل و التجويع و الرعب بلا هوادةٍ . و قدم تضحياتٍ جسيمةً في الأرواح و الأجساد لنيل حقوقه القومية و الوطنية و الديموقراطية ، و من منطلق ( حق الشعوب في تقرير مصيرها ) .

ذلك الحق الذي لم يتأزم إلا مع الكرد ، ولم يتمرد إلا عليهم
حق ٌ لبى نداء كافة الشعوب على وجه البسيطة باستثناء الكرد فخذلهم وأدار ظهره عليهم .

أنظمةٌ تهددهم : إما ان نحكمكم أو نقتلكم ، وتحذرهم من التفكير في الذات على اعتبار أن الشعور بالتوازي مع الغير أسوةً بالآخرين محظورٌ عليهم والسيادة لا تليق بهم .
عقولٌ شوفينيةٌ سوداء بغيضةٌ عمياء كغولٍ لو استطلع ابتلاع الشعب الكردي بأكمله لفعل مبتهجاً ، ورمى بنفسه في سحيق أعماق البحار . ليغرقهم فيغرق هو أيضاً راضياً تطبيقاً للمثل القائل : ( علي وعلى أعدائي ).
حتى في هذا المثل هم مخطئوون . فالكرد ليسوا بأعداءٍ لهم إلا في مخيلتهم ، ولا غرابة في ذلك فعقولهم مجبولةٌ بطينٍ إسلاميٍ عروبيٍ. وها هو مؤسس البعث الغارق في الشوفينية حتى الثمالة يقول بالحرف : (( عندما أقول عروبةٌ تعرفون أنني أقول الإسلام أيضاً ، لا بل الإسلام أولاً . العروبة وجدت قبل الإسلام لكنه هو الذي أنضج عروبتنا و أوصلها إلى الكمال إلى العظمة والخلود ، هو الذي جعل القبائل العربية أمةًعربيةًعظيمةًحضاريةً. فالإسلام كان وهو الآن روح العروبة وسيبقى ، هو قيمها الإنسانية والأخلاقية والاجتماعية . هذا هو الإخلاص للشعب ، هذا هو حب الشعب ، وهذه هي الحقيقة )).

قد لا نكترث بمواقف تصدر ممن تشرب من هكذا ثقافةٍ إقصائيةٍ لا ترى الكمال إلا في العروبة والإسلام – كون الإسلام دين العرب – وترى الحقيقة ناقصةً إلا بهذين المفهومين .
وباعتبار أن الكرد ليسوا عرباً وتخلو عن دينهم ، فأعتنقوا الإسلام عنوةً فلا يحق لهم السيادة والحرية ، ولن يبلغوا الكمال يوماً ، أما المطالبة بحقوقهم المسلوبة فخيانةٌعظمى ، وخطٌ أحمرٌ لا يجوز تجاوزه .

لكن عتابنا على المواقف الصادمة للباحثين والمفكرين العلمانيين والديمقراطيين حتى اليساريين منهم ، فقلوبهم دفينة بالحقد والكراهية تجاه الكرد .
أهي الثقافة الوراثية ، أم الفكر المتحجر ؟! أم إرضاءٌ للذين يغدقونهم بالأموال واستعارة حناجرهم لإلقاء خطبٍ تفوح منها روائح التعصب الكريهة ؟!
لم يكتفوا بهذا بل ذهب البعضُ منهم إلى أبعد من ذلك كقول الحقوقي العجوز هيثم المالح : - العدو اللدود للعقل والمنطق - في تصريحٍ له :(الأكراد عربٌ نسوا انتمائهم القومي عبر التاريخ ) .
أي حقدٍ يكنه للكرد ، وأية كراهية ٍ أعمت بصيرته إلى درجة اللاوعي والهذيان ؟! ، أم هو صدىً لأصواتٍ ضاقت بها ذرعاً بإلغاء أدوارها وإسنادها للمقاتلين الكرد في دحر الإرهاب ؟! .
عبارةٌ قالها القذافي يوماً حينما كان يعتلي العرش بهامة ٍ مرفوعة ٍ :( اتفقنا على ألا نتفق ) .
نعم العرب والكثير غيرهم مختلفون في كل الأمور ، لكنهم لمعاداة القضية الكردية متفقون . فتلك هي مصيبة الكرد ، وتعاسة حظهم .

وحكايتهم مع الأنظمة الديكتاتورية والشمولية أهون بكثير ٍ مقارنةً بمعارضاتها التي تنادي بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان . مما ينطبق عليهم هذه الحكمة :( هربوا من الدب ، فوقعوا في الجب ) .

أصواتٌ تتعالى ضد البؤس والشقاء والظلم ، لكنها تملأ الآفاق صراخاً وصدىً لفرض الطغيان وإقصاء الآخر.
أيعقل أن تهرب من العبودية وتستنجد بصانعها ، أو تستقوي بمن يفرخ الطغيان والقهر ؟! .
والأشد أسفاً و يأساً أن تتأمل خيراً ممن تراه كبير القامة ، ولك مسانداً وعوناً وإذ به و بموقفٍ واحدٍ يكشف ما كان يضمره ، ويسقط قناعه فتنكسر قامته ويخرهابطاً ، فيسقط من عينيك بعد أن كان في علوٍ شاهقٍ .

حروبٌ على مدى مئات السنين لم تحسم ، ومعاركٌ لم ولن تبيد شعباً متجذراً بأرضه منذ فجر التاريخ .
عقولٌ متكلسةٌ لم تتأثر بروح العصر ، ولا طالتها مرونة التنوير ، أو استضاءت بنور الحداثة .

وثبت بالدليل القاطع أنه : لا الماركسي كان ماركسياً ، ولا المدني كان مدنياً ولا الديمقراطي كان ديمقراطياً ومثلهما الحقوقي .
الجميع كانوا يقولون ما لا يبطنون ، ويجهرون بما لا يؤمنون .
وحده القومجي كان غارقاً في تعصبه بصدقٍ وما زال متقوقعاً ، ومثله الإسلامي الملتحي ظل وفياً لأسياده في دحرجة الرؤوس وضرب الأعناق ، وقطع الأيادي ونكاح السبايا كما كان يفعله السلف الصالح ( رضوان الله عليهم) .جمعنا الله وإياهم في مستقر رحمته .

عطبٌ في الفكر من هاجس ولادة دولةٍ كرديةٍ ، واضطرابٌ نفسيٌ لا مبرر له من قرار استفتاءٍ اتخذه شعبٌ لتحديد مصيره ، فيحق له ما لغيره .
الناس جميعاً سواسيةٌ في الحقوق والواجبات ( ولم ينبت على رأس أحدٍ ريشٌ أو قرونٌ ).
الجميع يعملون كخلية النحل من أجل الحفاظ على أمنهم القومي المزعوم ، شريطة إسكات صوت الكرد ، و أن ذكر كلمة الكرد أو كردستان ذنبٌ عظيمٌ ، و إفكٌ مبينٌ .
فها هو أردوغان الإسلاموي القومجي الطوراني يفقد توازنه ويهدد : إما تدمير الكرد ، وإما إنه سيفقد فحولته .
أليس أولى به الاعتراف بالحقوق القومية للكرد داخل بلاده قبل الخارج ، وإيجاد حلٍ لهذه القضية التي لن تنعم تركية وبلدان الشرق كلها بالأمان والسلام إلا بحلها ؟! .
إلى متى يعي أردوغان أن ربط القضية الكردية بالإرهاب سفسطةٌ وهراءٌ لن ينطلي على الصغير قبل الكبير ؟! .
إن كنت تقصد إرهاب حزب العمال الكردستاني ، وبهذه الذريعة تحارب قوات الكريلا وقوات سورية الديمقراطية فماذا تقول بحق حكوماتك المتعاقبة التي حاربت كل الثورات الكردية التي أشعلها الكرد قبل تأسيس هذا الحزب ، فَقُمِعَتْ جميعها بالحديد والنار ؟! ولم هدَدْتَ حكومة الإقليم إذاً حينما رُفِعَ العلم الكردي في سماء كركوك ؟! .
إن كانت المطالبة بالحقوق المشروعة إرهاباً ، فللكرد شرفٌ عظيمٌ بنيل هذا اللقب .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مناظرة تبادل الاتهامات بين بايدن وترامب | الأخبار


.. انقطاع الكهرباء في مصر: السيسي بين غضب الشعب وأزمة الطاقة ال




.. ثمن نهائي كأس أوروبا: ألمانيا ضد الدنمارك وامتحان سويسري صعب


.. الإيرانيون ينتخبون خلفا لرئيسهم الراحل إبراهيم رئيسي




.. موريتانيا تنتخب رئيساً جديداً من بين 7 مرشحين • فرانس 24