الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- هل خانتك اللغة يوما ووجدت أن الفكرة أعقد وأكبر من أن تسعها اللغة؟ - من -دهشة فعل التفلسف كعقلنة - في الحلقة الخامسة من حوارنا مع البروفيسورة خديجة زتيلي في -بؤرة ضوء-

فاطمة الفلاحي
(Fatima Alfalahi)

2017 / 5 / 11
مقابلات و حوارات


" هل خانتك اللغة يوما ووجدت أن الفكرة أعقد وأكبر من أن تسعها اللغة؟ " من "دهشة فعل التفلسف كعقلنة " في الحلقة الخامسة من حوارنا مع البروفيسورة خديجة زتيلي في "بؤرة ضوء"

https://i58.servimg.com/u/f58/19/60/38/08/5510.jpg


كلماتنا في الحبّ تقتل حبّنا * * إنّ الحروف تموت حين تقال.
" نزار قباني "

4 ــ هل خانتك اللغة يوما ووجدت أن الفكرة أعقد وأكبر من أن تسعها اللغة؟
د. خديجة زتيلي:
تحاول اللغة جاهدة التعبير عن الفكر بوصفه يسبقها، وتكمن أهميّة اللغة بالنسبة إلى تطوّر الحضارة عند الفيلسوف الألماني نيتشه في كتابه ((إنساني ومفرط في إنسانيته)) في أنّ الإنسان أودع فيها عالما خاصّا به، إلى جانب العالم الآخر، وهو موقف اعتبره من المتانة بما يكفي حتى يكتشف أسرار العالم ويُنصّب نفسه سيّدا عليه، ولكن الإنسان الحديث سرعان ما اكتشف تهافت الطرح القائل بأنّ الأسماء والمفاهيم قد تكون خالدة، وأنّ الأمر لا يعدو كونه مجرّد إسناد تسميات للأشياء وحسب. ويذهب اللغوي دو سوسير في كتابه ((محاضرات في الألسنيّة العامّة)) إلى أنّ العلاقة التي تربط الدال بالمدلول اعتباطيّة وأنّ الدليل اللساني اعتباطيّ، فاللغة هي أخطر النعم حسب توصيف هايدجر لها في كتابه ((هلدرلن وماهية الشعر)) وتكمن خطورتها حسبه في التهديد الذي يمارسه الموجود ضدّ الموجود فيتكشّف الإنسان أمام المخاطر والمآسي، إنّ أخطر النعم التي هي اللغة ملك للإنسان يستعملها وفق مقتضياته وحسب معيشته وكيفما شاء لكي يُعبّر بها عن أفكاره وعواطفه ومشاعره. ولكنّ اللغة فضلاً عن كونها تعبّر عن حياة الإنسان وهي وسيلته للفهم فإنّها ضمانة للوجود في الموجود المنكشف وضمانة للتاريخ أيضاً، فوجود العالم في نهاية المطاف يرتبط أساسا بحضور اللغة، لقد شكلت قضّية اللغة عند نيتشه وهايدجر أهميّة بالغة في نصوصهما، علاوة على طرحهما للصعوبات التي تفضي إليها اللغة من حيث معناها ووظيفتها ودلالاتها.

وفي حقيقة الأمر فإنّ الاتّجاه نحو التركيز على هذه المسألة لم يكن وليد الفكر المعاصر، بل إنّ هذا الطرح قديم وقد تبوأ منزلة كبيرة في محاورة أفلاطون الموسومة بــ ((كراتيلوس)) التي تناولت أصل اللغة أو أصل الأسماء بفرادة ملفتة للانتباه. فماهي وظيفة اللغة وما الذي ننتظره منها وهل بالإمكان أن نصل بها ومعها وفيها إلى حقيقة الوجود؟ إنّ نظرية المحاكاة الطبيعية لأفلاطون تعتبر ذلك غير ممكن وأنّ هذا الطرح قاصر وفجّ ولا يمت إلى الحقيقة بصلة، فالاسم ليس بالضرورة هو المسمى فقد يحدث الشبه والتشارك ولكن ليس بالإمكان أن يحصل التطابق والتماهي بينهما، وقد أبان أفلاطون عن رأيه في هذا الموضوع بصريح العبارة. وأجدني أستأنف كلامي من حيث انتهى أفلاطون ردّا على سؤالك: ((هل خانتك اللغة يوما ووجدت أن الفكرة أعقد وأكبر من أن تتسعها اللغة؟)). لا مناص أنّ اللغة تخونني وتخون أكبر الأدباء والشعراء والمبدعين والفنانين والفلاسفة بصدد مفاهيم مثل: الحريّة، الديمقراطيّة، حقوق الإنسان، المساواة، العدالة، الحبّ، الحوار، العيش المشترك، التسامح، الإنسانيّة وغيرها من المفاهيم، ورغم الجهود المعرفيّة والفكريّة الحثيثة والمضنية التي تبدل في سبيل شرحها وتعريفها وتعميقها فإنّ عطشنا للوصول إلى كنه الأشياء وحقيقتها سيظلّ قائما ولا نهاية له.

ولا يعني هذا أنني أحيل إلى العدميّة وإلى اللاجدوى بقدر ما هو اعتراف بصعوبة المهمّة وقصور اللغة عن التعبير مهما بلغ الإنسان والمفكّر والمبدع من علو وعبقريّة، إنّ محاولاتنا الإنسانيّة الحثيثة ستظل مساهمات من أجل تعميق الفهم الإنساني وإضافات يُعتد بها لكنّها ستظل دائما قابلة للدحض والتجاوز. فما اللغة في نهاية المطاف إلاّ جملة من القوالب والقواعد النحويّة الصرفة التي تضمّ بين جنباتها روح ينبض ولا يستكين أبدا، ولا شكّ أنّ الشاعر الكبير نزار قباني قد أدرك هذه الحقيقة حين قال بكثير من المرارة:

كلماتنا في الحبّ تقتل حبّنا * * إنّ الحروف تموت حين تقال.

ويمكنني أن أتصورّ في السياق نفسه كم تخون اللغة جماعة المتصوّفة حين لا تتّسع اللغة لما في أفئدتهم من عشق وشوق إلى الله، وفي تراثنا العربي عشرات القصص عن تلك التجارب الإنسانيّة التي سأستدعي منها تجربتي رابعة العدويّة ومحيي الدين ابن عربي، وفي حقيقة الأمر لا يخلو التراث الإنساني عامّة وفي جميع الثقافات من أمثلة من هذا القبيل. إنّ اللّغة والإنسان حكاية مدّ وجزر لا تنتهي، يتولّد منها كل يوم توق شديدة وعميق لفكّ المزيد من الألغاز في محاولة لتقريب الدال بالمدلول والاسم بالمسمى.

انتظروا قادمنا من "دهشة فعل التفلسف كعقلنة " في الحلقة السادسة من حوارنا مع البروفيسورة خديجة زتيلي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يسعى لتخطي صعوبات حملته الانتخابية بعد أدائه -الكارثي-


.. أوربان يجري محادثات مع بوتين بموسكو ندد بها واحتج عليها الات




.. القناةُ الثانيةَ عشْرةَ الإسرائيلية: أحد ضباط الوحدة 8200 أر


.. تعديلات حماس لتحريك المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي عبر الوسط




.. عبارات على جدران مركز ثقافي بريطاني في تونس تندد بالحرب الإس