الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة قصيرة - طفولة في مخيم

عمر سلام
(Omar Sallam)

2017 / 5 / 12
الادب والفن


طفولة في مخيم
عندما كنت صغيرا، كنا نعيش في مخيم اليرموك، قرب دمشق. كان فقر الحال لا يعتبر ميزة ولا معيبا لاحد، لان كل الاسر كانت تعيش بمستوى واحد تقريبا، فهم أخرجوا من ديارهم في فلسطين بمتاع بسيط فقط، او بدون متاع وبدأت معاناتهم الجديدة في الحصول على لقمة العيش للبقاء على قيد الحياة، وكان يجمع الناس الحنين الى الوطن والفقر والبساطة والامل.
كانت العطلة الصيفية المدرسية فرصة لنا نحن الأطفال لنعمل، ونقضي الثلاثة أشهر وهي فترة العطلة الصيفية في العمل. لم يكن أحد يعرف شيئا عن قوانين العمل او القوانين الضابطة لعمل الأطفال. ونحن كأطفال ببراءتنا كانت تغرينا بعض النقود التي نتقاضاها من عملنا.
وتجد قسم من الاطفال يعملون كمساعدين في نجارة (البطون) او مساعد معماري او صبي ميكانيكي او مساعد طيان. وقسم منهم يعمل في بيع الكاتو او (الهيلطية) التي هي حلاوة السميد وقسم يبيع (العنبر) وهو عبارة عن تفاح صغير مغطس بمادة حلوة قاسية، او بيع الترمس او العرق سوس او يبيع (البليلة) وهي الحمص المسلوق ...الخ من الاعمال قسم منها معروف وقسم من ابداع اهل المخيم.
ومنظر الأطفال في العمل كان طبيعيا جدا ومألوفا. بل أحيانا كان مصدر فخر للاب والام.
انا كان نصيبي بان جربت بيع الكاتود وال (هيلطية) والترمس.
وكنت محظوظا عندما حصلت على عمل صيفي في معمل بلاط كان يعمل به عمي.
كنت اذهب مع عمي أبو سليم الى العمل في الصباح الباكر واخذ الزوادة المكونة من خيارة و (زر) بندورة بصورة دائمة يترافق معها سندويشة جبنة بيضاء او سندويشة زعتر او سندويشة لبنة.
وكان العمل مجهدا بالنسبة لي. وما ان يأتي اخر الدوام حتى أجد جسدي يكاد يتمزق الى عدة أطراف من التعب، فأحس ان يداي ليست يداي وقدماي ليست قدماي وظهري عبارة عن أكثر من ظهر.
وعندما اتقاضى اجري اخر الأسبوع أسرع الى البيت بفخر. اما ما هو مصدر فخري بالضبط لم أكن اعرف. ولكن كانت السعادة تغمرني وانا احمل النقود وكأنني رجل صغير.
بعد عدة أسابيع بدأت اشعر ان الاجر لا يكفيني. لم أكن اعرف ما هو الاستغلال ولم أكن اعلم بأنني ابيع قوة عملي لرأسمالي صغير اتقاضى مقابله اجرا في نهاية الأسبوع. ولكنني كنت اشعر انه يجب ان اتقاضى اجرا اعلى.
واخذ شعور غامض بالامتعاض يتكون لدي لان الاجر الذي اتقاضاه قليل. واخذ هذا الشعور ينمو بداخلي وبدأت أحس بالظلم. وتغيرت نظرتي ليوم الخميس وهو يوم اخذ الاجر الاسبوعي، وأصبح الشعور بالفخر الذي كنت اشعر به في بداية عملي عند وضع النقود في جيبي اخذ يتناقص.
وتشكلت بداخلي حالة كره معينة لشيء ما خفي لم اعرف ما هو بالضبط ولم أستطع تحديده.
واحد الاعمال التي كنت أقوم بها هي المشاركة في تحميل سيارة البلاط. وحدث ذات يوم ان طلب منا ان نحمل السيارة باخر الدوام. وبدأت انا وزملائي الاطفال بتحميل السيارة بامتعاض لأننا كنا منهكين.
وكنت أرى البلاطة عشرة من شدة الاعياء، والعشر بلاطات التي كنت احملها في الصباح بجد أصبح وزنها الان عشرة اضعاف. فما كان من الحمل الذي احمله الا ان وقع على الأرض وتكسرت البلاطات.
شعرت بالرعب اذ ان ثمنهم يعادل ما اتقاضاه عن أسبوع كامل. وكدت على وشك البكاء لولا تدخل عمي وخفف على الامر وقال لي بانه ممكن ان يحصل وتنكسر بعض البلاطات.
هنا استعدت قواي بعد ان تأكدت انه ليس هناك عواقب للأمر. واكملت عملي حتى انتهت حمولة السيارة.
وانا في طريقي الى البيت ذلك اليوم اخذت احسب وانا واقف بالباص كم خسر صاحب المعمل من البلاط الذي كسرته وشعرت ينشوه خفيفة وابتسمت.
بعد هذه الحادثة اخذت بين الفترة والأخرى اكسر عن عمد عددا من البلاطات. واخذ شعور الامتعاض من قساوة العمل وقلة الاجر يخف رويدا رويدا.
الى ان أصبحت اذهب الى العمل سعيدا واعود سعيدا. وبقي العمل مجهدا وبقي اجري كما هو. الى ان انتهت العطلة الصيفية، وافتتحت المدارس. عندها تركت العمل وعدت تلميذا مرة اخرى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بالدموع .. بنت ونيس الفنانة ريم أحمد تستقبل عزاء والدتها وأش


.. انهيار ريم أحمد بالدموع في عزاء والدتها بحضور عدد من الفنان




.. فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي


.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح




.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص