الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا للتخوين : حراك الريف المغربي ضد الاستبداد وليس دعوة للانفصال

طارق ليساوي

2017 / 5 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


لا للتخوين: حراك الريف المغربي الاستبداد وليس دعوة للانفصال...
د.طارق ليساوي
تصور معي أيها القارئ الكريم لو أن الأنظمة العربية الحاكمة قررت في لحظة مكاشفة وصفاء، التخلي عن سلطاتها و جبروتها طوعا للجيل الصاعد، من دون شك هذا ضرب من الخيال، لكن لو افترضنا جدلا أنه محتمل الحدوث، لكان ذلك بحق خسارة لمصدر أساسي للسخرية والعبث ومادة دسمة لكتاب الرأي و المحللين السياسيين وحتى لرواد وسائط التواصل الاجتماعي، فتخلي هؤلاء الحكام عن سلطانهم و تراجعهم للظل، سيقود إلى انقراض ظاهرة صحية و هي السخرية أو النكتة السياسية...
هذه المقدمة أخي القارئ ليس الغرض منها تقمص الكتابة السياسية الساخرة، فذلك اختصاص له أهله و رواده، لكن من المؤكد أن الحكام العرب نموذج حي لما سبق و قلناه فقراراتهم ومواقفهم و نتاجهم السياسي ككل يصعب إخضاعه للمنطق أو التحليل العلمي. وحتى لا يكون كلامي عاما سأعطي نموذجا عن هذا الصنف من الممارسات و المخرجات السياسية...
لقد تابعنا جميعا منذ حوالي 7أشهر ونيف حدث طحن المواطن" محسن فكري " في شاحنة نقل أزبال ، و ما أعقب ذلك من احتجاجات سلمية و حضارية–دون أدنى شك- بمدينة الحسيمة خاصة، و منطقة الريف عامة (شمال المملكة المغربية) .وطوال الفترة لم تتوقف هذه الاحتجاجات بشكل عام، و إن كانت وثيرتها تنخفض و ترتفع من أسبوع لأخر. وبينما المنطقة على هذا الحال تتبنى الدولة بمؤسساتها السياسية والأمنية والقضائية قرارات تصعد وثيرة التوتر ، فعلى سبيل المثال تم إصدار أحكام قضائية لا تتناسب مع حجم المأساة -و إن كنا لا نريد أن نعلق على أحكام القضاء- لكن الطبيعة السياسية والإنسانية لهذه القضية تتجاوز كل الأعراف القضائية...
أن يطحن شخص في انتهاك صارخ للكرامة الإنسانية، فذلك حدث جلل يقتضي في البلدان التي تحترم مواطنيها تقديم الدولة لاعتذار رسمي، و القيام بتعديلات دستورية و قانونية لمنع تكرار المأساة، هذا مع تنحي مسئولي الصف الأول عن السلطة السياسية ثم محاسبة كل الجناة قضائيا، و محاسبة الجناة الحقيقيين و ليس تقديم جناة زور لامتصاص غضب الناس، فالجريمة بحق جريمة سياسية أبعادها متشعبة، جناتها النظام السياسي الفاسد و السلطوي الذي حكم البلاد منذ عقود، فكانت آلية اشتغاله تنمية الفقر و التهميش و السلطوية...
لكن عكس كل ذلك هناك إصرار على اتهام نشطاء الحراك الشعبي بالريف، بأوصاف تفرق أكثر مما تجمع، من المِؤكد أن هؤلاء الشباب و الشيب و النساء و الرجال ليسوا بدعاة فتنة أو انفصال، فمطالبهم هي مطالب مشروعة، وجزء كبير من شعاراتهم حملها حراك 20فبراير 2011 ، و الذي لم يكن حكرا على أهل الريف، فميادين المدن الكبرى بالمملكة قد امتلأت على أخرها بالمحتجين، و ارتفعت الأصوات المطالبة بالحرية والديمقراطية والكرامة و العدالة الاجتماعية، و مكافحة الفساد ومنع زواج السلطان بالتجارة...
للأسف تم الالتفاف على هذه المطالب بجملة من الوعود الزائفة من قبل السلطة، و هاهي اليوم تستمر في نفس أخطائها ، فالبلاد تغلي و كل المؤشرات الكمية أو الجزئية توحي بأن ما تعيشه باقي جهات المملكة هو عبارة عن استقرار هش و ظرفي، فإذا كان طحن "محسن فكري" الشرارة التي أشعلت حراك الريف فباقي المناطق مؤهلة بما فيه الكفاية لرسم ملحمتها النضالية ...
نود بكل صدق تجنيب البلاد الدخول في نفق مسدود، و نستطيع التأكيد على أن مستقبل البلاد وفق التوجه السياسي الحالي لن تتجه إلا باتجاه هذا النفق المسدود، و إذا كانت السلطة في 2011 قد وجدت من تحاوره ، فان تجربة ما بعد 2011 و ما صاحبها من انتكاسات حقوقية وديمقراطية و الالتفاف على شركاء الأمس، جعلت من أي وعد تقدمه الدولة لا يحظى بالمصداقية، بل إن الإصرار على تجريف ما تبقي من الأحزاب سياسية الوطنية –بالرغم من عجزها و ضعف فعاليتها– و تقزيم هيئات المجتمع المدني لن يقود إلا لمواجهة مباشرة بين الدولة و الشارع ...
وارتباطا بمقدمة هذا المقال حول السخرية السياسية، فإن الحراك الشعبي بالريف حرص على حمل "الطناجر" الفارغة، و ربما ساسة البلاد لم يدركوا فحوى هذا السلوك الاحتجاجي، فلعنا جميعا نتذكر المظاهرات التي خرجت في بلدان أمريكا اللاتينية في مطلع القرن 21 و حمل فيها المحتجون حلل الطبخ، و هو ما أقدم عليه المحتجين في فنزويلا مؤخرا ، فالمحتجين المغاربة ليسوا براغبين في تقليد إخوانهم في فنزويلا، و لكن يريدون تمرير رسالة للدولة المغربية و تحديدا للقصر...
و الرسالة عنوانها الأكبر اهتموا بالريف و بالداخل المغربي، بدل الحرص على متابعة أحداث فنزويلا بترقب، و تقديم النصح لبلاد رغم ما تعانيه من اضطراب إلا أنها دون شك، تتقدم على المغرب في مختلف مؤشرات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وحتى في جانب حقوق الإنسان و فعالية الحكم و مستوى الحريات السياسية والمدنية...
"فمن كان بيته من زجاج لا يقذف بيوت الغير بالطوب"، وهذا للأسف حال الشعوب العربية مع حكامها الذين جل ما يستطيعون فعله هو تفقير شعوبهم و كبث حرياتها و نهب ثرواتها، مع أن هذه الشعوب تمد يدها في كل حين لحكامها، و حتى مطالبها تظل جد عقلانية فكل ما تتمناه هو العيش الكريم في وطن كريم فهل ذلك بالأمر العسير...؟
لكن دون شك سيظل أمرا عسيرا، مادام هناك استمرار للمراهقة السياسية في صناعة القرار واستمرار للاستبداد السياسي و احتكار السلطة وصم الأذان عن مطالب الإصلاح و التغيير، و الحرص كل الحرص على تكميم الأفواه و تخوين الأحرار..و هذا ليس وصف لحال المغرب فحسب، بل هو القاسم المشترك بين باقي البلاد العربية ...و الله غالب على أمره .
*إعلامي مغربي و أكاديمي متخصص في الاقتصاد الصيني و الشرق آسيوي .










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قيادي بحماس: لن نقبل بهدنة لا تحقق هذا المطلب


.. انتهاء جولة المفاوضات في القاهرة السبت من دون تقدم




.. مظاهرة في جامعة تورنتو الكندية تطالب بوقف حرب غزة ودعما للطل


.. فيضانات مدمرة اجتاحت جنوبي البرازيل وخلفت عشرات القتلى




.. إدارة بايدن وإيران.. استمرار التساهل وتقديم التنازلات | #غرف