الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خيانة المثقفين

الهيموت عبدالسلام

2017 / 5 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


1) الخيانة هي التوصيف الذي يليق بمعظم المثقفين المغاربة، وهي ليست كباقي الخيانات بل إنها الخيانة الأصلية أو أم الخيانات ،إنها الخيانة التي تتسبب في مصير ومستقبل بلد بكامله ، إن المثقف في الغالب الأعم أكثر مصداقية من السياسي لكونه القادر على قول الحقيقة ،ولكونه الناطق باسم هموم وتطلعات شعبه، والمُعبر عن روح بسطاء هذا الشعب بعيدا عن السلطة الزائفة والمجد المصطنع وعن اللهاث وراء المال والمقاعد ،إن المثقف هو من يصنع عظمة ومكانة وطنه بين الأوطان ،إن نضاله كان قصة أو رواية ،نثرا أو شعرا ،رسما أو موسيقى ،فيلما أو تشكيلا ، مقالا أوفكرا ، لا تحكمه في إبداعاته هذه مقتضيات اللحظة وضغطها وملحاحيتها بل يشتغل المثقف على تغيير الرؤى والتصورات وعلى تحرير العقل والسمو بالذوق ونشر ثقافة الاختلاف وحب الحياة وفتح الأعين على المحيط والعالم ، ونفض الغبار عن طبقات الجهل والشعوذة اللذين هما عماد الاستبداد لإطالة عمره وإبقاء الشعب غارقا في أحضان البؤس الفكري وشظف العيش.

2) المثقفون أكبر وأحذق من يٌجيد التبريرات فهم حين يعجزون عن الانخراط في النضال السياسي يبرِّرون عجزَهم بتبعية الثقافي للسياسي ،وحين يَهبّ الشعب في حركات كما حصل مع حركة 20 فبراير تجد المثقفين يجيبونك بأن هذه الحركة تقودنا للمجهول ، وحين يغرق الشعب في الأمية والفوضى والضجر فإن المثقف بدل ممارسة التوعية لفئات الشعب وترجمة همومه ودلِّهم على أسباب فقرهم وجهلهم فإن يعتبر هذا الشعب يعاني من التخلف التاريخي ، فهل اشتكى أيها المثقفون يوما "علال الفاسي" و"عبدالله إبراهيم" و"أبراهام السرفاتي" و"عمر بن جلون" و"محمد عابد الجابري" و"عبدالله العروي" من تبعية المثقف للسياسي ؟ هل اختبأ هؤلاء وراء مقولات التأخر والمجهول وغيرها من المقولات؟ ، هؤلاء المثقفون قبل أن يكتبوا في مجالات الفكر والإبداع والفلسفة والتنوير والتجديد الديني والقضية الفلسطينية والطبقة العاملة كانوا مناضلين حزبيين استرشدت بتنظيراتهم الحركات والأحزاب التي كان يناضلون فيها.

3) على المثقفين اليوم –كما يقول تشومسكي- أن يثبثوا وجودهم الفكري والحضاري وليس الوجود المادي الذي أصبح هو الشغل للأغلبية الساحقة من هؤلاء المثقفين ، على المثقفين أن يعوا الدور المنوط بهم حتى لا يتحولوا لمجرد فضلات المجتمع وبشكل صريح كما يقول "رولان بارث" إلى زوائد مجتمعية . إن عصر النهضة الفنية والإصلاح الديني وعصر الأنوار والموسوعيون والعقلانية والحداثة وما بعد الحداثة في أوربا تحققت بفضل مثقفيها وبإبداعاتهم وتضحياتهم تعيش أوربا مجدها اليوم ،والمعتزلة والفلاسفة المسلمين والشعراء الكبار مثل "أبي الطيب المتنبي" و"أبو العلاء المعري" و"محمود درويش" وحركات الزنوج والقرامطة والبابكيين وغيرها من شكلوا منارات مضيئة في التاريخ العربي الإسلامي ،إن الثورات السياسية كل الثوراث فإن المثقفين من كان وراءها والبعض منهم مثل جون "بول سارتر" و"ميشيل فوكو" وغيرهم لم يكونوا وراء هذه الثورات فقط بل في مقدمتها كما هو الشأن في الثورة الطلابية التي هزت أوربا 1968.

4) ليس كل المثقفين مارسوا الهروب من الواقع ومن مواجهة مشاكله الحارقة وليس كلهم يعانون من النرجسية حتى أصبح يٌخيَّل للمثقف أن قصيدته أو مقاله أو قصته هي آخر ما لم يستطع الإتيان به الأوائل، وكأن خربشاتهم الغارقة في المازوشية هي نصوص لديستوفسكي التي أجابت بلغة الأدب الرفيع طبعا عن أسئلة كبرى كالحب والأخلاق والجريمة والجنون... ، الحديث هو عن مثقفين مرضى بذواتهم ويحسبون كل صيحة عليهم ،مثقفين دخلتهم "سوسة الفلوس" كما يقول الشاعر "عبداللطيف اللعبي"،المثقفون الذي نتحدث عنهم وهم السواد الأعظم هم من فقدوا سمة التواضع ويعانون من العجرفة المرضية،هم الغارقون في الإخوانيات والمجاملات والمروريات والهروب من النقد والتفاعل الفكري ، في الزمن البعيد كان تقاس مكانة المثقف بالمناظرات وجها لوجه أما الآن فالنسخ واللصق والسرقة الفكرية لمجهود الأخر ين أصبح فكرا وثقافة ، فبدل المقارعة الفكرية والاجتهاد والبصمة الشخصية والحفر المعرفي طغى قاموس أصبح للمتتبع أن يحسب عدد مفرداته وهي بالمناسبة كلها إشادة بالاستبداد ونيل رضى وعطف الحاكمين أملا في ديوان أو سفارة أو مؤسسة من مؤسسات الدولة ، إنه منتهى البؤس أن يصبح المثقفون مثل معظم السياسين مجرد جواري وخدم وحشم يتنافسون ويتصارعون من أجل أن يحظوا بعطف وعطايا الأسياد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سرّ الأحذية البرونزية على قناة مالمو المائية | #مراسلو_سكاي


.. أزمة أوكرانيا.. صاروخ أتاكمس | #التاسعة




.. مراسل الجزيرة يرصد التطورات الميدانية في قطاع غزة


.. الجيش الإسرائيلي يكثف هجماته على مخيمات وسط غزة ويستهدف مبنى




.. اعتداء عنيف من الشرطة الأمريكية على طالب متضامن مع غزة بجامع