الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السيف والنار في فتح السودان

ناجح شاهين

2003 / 2 / 20
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


 


رام الله – فلسطين المحتلة

منذ زمن لا أستطيع أن أتذكره قرأت كتاباً بالعنوان الذي تحمله هذه المقالة. وليس بإمكاني الآن تذكر اسم المؤلف. لكنه ينتهي بباشا أو شيء من هذا القبيل. وفي كتابه _الذي قد يكون فقد من الأسواق_ ينوه الكاتب المصري بجهود مولاه الخديوي في إعداد العدة لغزو السودان والسيطرة عليه بكافة الوسائل التي اشتملت فيما اشتملت: الحرب باستعمال الأسلحة النارية التي كانت قد انتشرت بما فيه الكفاية في القرن التاسع عشر، وكذلك استعمال ما تبقى من فنون السيوف والفروسية، ناهيك عن الخديعة والحيلة وأساليب الاستخبارات والرشاوى وكل ما إليه.

الأمر الوحيد الذي لم أفهمه عند قراءتي الكتاب _ وذلك لصغر سني من بين أمور أخرى_ هو ما الذي كان يفعله الإنجليز في مصر والسودان. والواقع أن الكاتب في خضم مناقشته لما جرى يستخدم دائماً صيغ من نوع الجيش الأنجلومصري_ وهو ما يذكر من بعيد بالأنجلو ساكسون المعاصرين وتحالفهم الوثيق على جانبي الأطلسي_ أو قوات التحالف المصري البريطاني. وقد فشلت طبعاً أثناء قراءتي الكتاب بسبب من براعة الكاتب في تقديم الحرب على أنها حرب مصرية في الأساس، والدور الإنجليزي فيها دور المؤازرة ضد شياطين السودان الذين أزعجوا مصر والدنيا بطريقة تذكر بفعلة القرصان الذي أمسك به الاسكندر وهو يتجرأ على إزعاج البحر والمعمورة بسفينته الفقيرة، فشلت في ملاحظة الدور الإنجليزي على وجه الدقة. الحقيقة أنني لم أتنبه مطلقاً لوجود الإنجليز في مصر أو أنهم كانوا يلحقون السودان بمصر ليصبح الملحق والملحق به جميعاً من ملحقات وممتلكات التاج الأعظم. ذلك زمن قضى وانقضى فيما يخص مصر والسودان. أما السيف والنار فإنها ما قضت وما انقضت وتعود لتقوم بدورها المتكرر في الزمن العربي الدائري الذي ينتقل من البداوة إلى الحضارة ثم البداوة ثم الحضارة هكذا إلى ما لانهاية، كما كان قد لاحظ جدنا عبد الرحمن بن خالد _ الشهير بابن خلدون_ في مقدمته المعروفة.

جاء الدور في الزمن العربي الدائر على نفسه على بغداد التي تعرضت منذ بنائها على يد أبي جعفر المنصور لعشرات الويلات التي يقف على رأسها اجتياحها من قبل هولاكو الأصلي قبل ما يزيد على سبعة قرون، ونهبها وتخريبها بعد أن كانت عاصمة الدنيا ترفاً وحضارة وحياة، وبلغ عدد نفوسها ما يربو على المليون. جاء دور هولاكو القادم هذه المرة من الغرب ليعيد على بغداد الكرة في دورة العود الأبدي. ومرة أخرى سيستخدم السيف والنار لكن هذه المرة ليس من اجل قهر السودان وإنما لقهر السمران الذين يقفون اليوم وقفة وحيدة تذكر بموقف السودان من بريطانيا وسط تعاون مصر الخديوي المريب. ما الذي تغير في زمن العود الأبدي العربي؟ ها هو جحيم النار الأنجلوسكسوني ذاته مع أنه هذه المرة تحت قيادة جناحه الشاب في القارة الأمريكية. وهاهو السيف العربي يلمع من وراء عباءة مولانا صاحب الجلالة، وصاحب الفخامة، ويشحذه في صمت داعياً الجميع إلى إغماض عيونهم لكي ينجوا بجلودهم من نيران الحريق التي ستأكل كل يابس وأخضر، عندما تشعل واشنطون الشرارة الأولى بعد أن دقت طبول الحرب وسط قوم صموا آذانهم فأصبحوا بآذان لا يسمعون بها، ورؤوس لا تفكر في مستقبلها، وعيون لا تبصر حشداً يكفي لمحاربة الكتلة السوفييتية السابقة جميعها. لكننا لا نرغب المشاهدة ولا الإبصار، إنها حالة استكانة وسط رغبة الخديوي في توسيع ممتلكاته. لكن هل صحيح أن مولاي الملك، السلطان، والأمير يمتلك من الأوهام ما كان يستطيع أن يدعيه مولاي الخديوي؟ لاشك أن موقف مولاي الخديوي كان أكثر قوة على الرغم من وجود مصر رسمياً تحت الحماية أما أمراء النفط فإنهم تحت الاحتلال، وإن ادعى الإعلام المعولم أنهم دول مستقلة.
 
في الحرب على العراق سوف يستغل كل شيء ممكن. ولم لا، فالحرب تسوغ كل شيء كما علم معلم الثقافة الغربية العظيم ميكافيلي. ولهذا فإن تلامذته في بريطانيا العجوز قد أحضروا رسالة جامعية؛ بحثاً أكاديميا كتب منذ عشر سنوات وقدموه دون أن يجروا عليه أية تعديلات بوصفه معلومات استخبارية جمعتها المخابرات العظيمة في لندن. وقد أثنى زعيم البيت الأبيض والعالم عليه مبيناً أنه في الواقع نموذج يحتذى في الدقة العلمية والقدرة الفائقة على التجسس الذكي.

يصطف العرب أبرياء مسالمين وهادئين كما هم دائماً. ويتصرفون بالضبط _كما قال أريك رولو الصحفي الفرنسي المعروف_ وكأن الحرب ستقع في كوكب آخر. كأن الأمر لا يعنينا من قريب أو بعيد. وبسبب ذلك فإن أحدا لا يستطيع أن يستبعد وقوع الحرب عندما تقرر الإدارة، الكلية الإرادة والقدرة، ساعة انطلاقها المباركة. قال رولو بالحرف الواحد وبعربية يحسده عليها بعض الملوك والزعماء العرب: أعني بعربية واضحة فصيحة على الرغم من استخدامها " الجيم " المصرية" الأشبه بالأصل الكنعاني:" لو كان العرب واقفين لفعلنا في فرنسا أكثر مما نفعل الآن لمنع الحرب. لكن نحن نخسر في صراع منفرد مع الولايات المتحدة بينما يغيب العرب عن مولدهم. فماذا نفعل؟" العرب منبطحون كما قال رولو وأكثر. ونحن نفكر بدورنا ماذا نفعل. نفكر في أسباب غياب الجماهير عن دورها ونفكر أيضاً في سبب غياب حركة التحرر العربية عن دورها مع أن الذي يجري يؤثر على الأندلس مثلما يؤثر على حلب وبغداد.

يرد العرب بطرقهم المختلفة. وتماماً كما حصل في الحرب الأولى " لتحرير الكويت" تم امتطاء القضية الفلسطينية برضا أصحابها الشرعيين وتوظيفها في المعركة ضد العراق. وهاهم اليوم يتحدثون عن التهدئة والمفاوضات. وتجري اتصالات بين داعية السلام المعروف أرئيل شارون ورموز من قيادات فلسطينية لا تمل ولا تكل من العمل من أجل الحب والسلام مع أي عاشق يقترح موعداً للحب مهما كانت نواياه العاطفية الحقيقية سافلة وبعيدة عن معاني الحب الحقة. إنهم يقدمون للولايات المتحدة كل التسهيلات التي تمكنها من استخدام الحديد والنار والخديعة ممزوجة كلها بنفط العرب بالذات من أجل إحراق العراق.

****

كنعان








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاصيل مؤلمة! | نادين الراسي


.. قصف عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت • فرانس 24 / FRANCE 24




.. نحو عشرة ملايين تونسي مدعوون للتصويت في انتخابات رئاسية تبدو


.. تساؤلات عن مصير قاآني.. هل قتل قائد فيلق القدس التابع للحرس




.. بتقنية -تايم لابس-.. توثيق لضربات إسرائيلية عنيفة على بيروت