الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نكبتي ولجوئي : الحجر والبشر

عطا مناع

2017 / 5 / 15
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


نكبتي ولجوئي : الحجر والبشر

بقلم : عطا مناع

اطيافهم تحلق في سماء المخيم، كأنهم قرروا التمرد على الموت للاطمئنان علينا، اموات يتفقدون اموات، ما بقي منا سوى الحجر والذكريات المغتصبه، كأني اراهم يعاندون ساعة الزمن، يريدون منا ان نعود للوراء، غريب ان يكون للأموات هدف ، اشعر انني مربك، هذا طبيعي لان كل ما يحيط بي مربك.

الاطياف تزور المخيم في ذكرى النكبه، تتلمس الجدران او ما تبقى منها، كل شيء في المخيم مختلف، حتى نحن تغيرنا، لم نعد ننعم بالإحساس وأحلامنا انقلبت لكوابيس، وما عاد لنا من منقذ سوى الاموات وبعض الذكريات التي تساعدنا على المضي الى الامام.

الاطياف ترثي حالنا، والأطياف تدرك ان الموت ينهشنا، الموت الجماعي ابشع اشكال الموت، وهو يجسد العبودية والاندثار، لماذا فرطنا وقايضنا ما نملك بالعدم ؟؟؟ حتى اننا نتلاعب باللغة لتبرير حالة الاغتصاب الجماعي التي نعيش، افكارنا مغتصبه، احلامنا مغتصبه، قيمنا مغتصبة، طموحاتنا مغتصبه، كل ما فينا مغتصب حتى ايامنا الجميله.

لا اعرف، هل في مقدوري الانتصار لذاتي وعلى ذاتي وأطلق العنان للجميل الذي كنا عليه ؟؟؟؟ هل امتلك الشجاعة على كسر قيود الواقع المترهل الذي نعيش وأتسلح بالماضي غساني اكسر دائرة الفشل التي دفعت بنا لوادي الموت لنسير على غير هدى ؟؟؟

حق الاجيال القادمة علينا ان نقول الحقيقة، لأننا بالحقيقة نمسك من جديد الشراع الذي يقودنا لشط الامان، صحيح ان ما تبقى لنا من ايام تفرض علينا الاستكانة وانتظار فرج الله، لكن لا بد من تحطيم الصخرة التي تجثم على عقولنا وصدورنا.

لم نكن هكذا ابداً، كنا فقراء ولا زلنا، وكنا نعتز بواقعنا ولم نفكر يوماً ان نقايض حقنا بكنوز الدنيا، اعتقدنا جازمين وبالرغم من التنكيل والبطش ألاحتلالي اليومي اننا سننتصر، نحن فعلاً سننتصر.

كيف وصلنا لهذا الحال بالرغم من الامكانيات الضخمة التي نتملكها مقارنة لما قبل ثلاثة عقود ؟؟؟ اليوم لدينا مؤسسات تغطي عين الشمس امكانيات مالية هائلة ، فضاء مفتوح وعلاقات دوليه غير مسبوقة ، لم نكن نملك تلك الامكانيات في السابق، لا انترنت، ولا فيس بوك ، وكان التطوع كل ما نملك، اعتقد ان التطوع صقل جيل كامل في المخيم، التطوع بنى بينا وبين الناس جسراً قوياً، وكما ذكرت للناس بوصلة استشعار.

كنا محظوظون نوعا ما، لا فروق اجتماعية ولا اقتصاديه، باختصار كان المخيم طبقة واحدة يأكل من نفس الصحن، وكان الشباب مقبلون على الحياة بالرغم من الصعوبات المعيشية ، لم نسمع بالتطبيع ، ولا الجندر على سبيل المثال، لا اذكر ان احدنا سافر خارج البلاد، كان الشباب يجوبون العالم بأحلامهم الغير مقيده بمصالح.

لذلك كان هناك قوة مثل، وقوة المثل شطبت المنطقة الرمادية، من هذا المزاج عايشنا البطولات الفردية، البطولة كانت تكمن في النظرية والممارسة والجمع ما بين مقاومة الاحتلال الشعبيه وخدمة سكان المخيم المعدمين بعادية ودون افتعال، لذلك كانت الجماهير التي شكلت الحاضنة الحقيقة للقوى الوطنية، الجماهير التي دافعت عن الوطنيين في ألمخيم ، الجماهير التي وقفت سداً منيعاً امام الاحتلال من خلال مشاركة الكبير والصغير في المقاومة الشعبية اليوميه.

المقاومة الشعبية لم تقتصر على مقارعة الاحتلال وقطعان مستوطنيه، المقاومة الشعبية اتسعت لتشمل مساعدة العائلات الفقيرة ، وترسيخ مفهوم العونه في بناء البيوت، والمخيمات الصيفية للأطفال والفتيان، ومشاركة الناس في افراحهم وأتراحهم ، والمقاومة الشعبية عنت اكثر ما عنت بإشعار الناس ان لهم قيمه وأنهم جزء من النسيج الوطني العام.

انا احاول ان استرجع تلك الايام ببعض التفاصيل لأفهم لماذا يقاطع الناس الفعاليات الوطنيه، اعرف ان الطبقية البغيضة فعلت فعلها في مخيمنا كما باقي الوطن، واعرف ان الناس يدركون حجم الفساد الذي نعيش، واعرف ان جماهير المخيم باتت على معرفة ويقين ان النخب التي قادتها بالأمس خانت القيم التي نادت بها ، ولذلك لا استغرب ضحالة الحاله التي نعيش.

اعرف ان العنف الذي يتعرض له شعبنا اليوم يفوق التصور، لكن الاحتلال الاسرائيلي يمارس عنف ممنهج مبرمج خاضع لقراءة دقيقة للتحولات التي لحقت بنسيجنا الوطني والاجتماعي، واعتقد جازما ان الاحتلال والدول التي مأسست للفساد في مجتمعنا كانت تهدف الوصول لما نحن عليه الان لضرب البنية الاجتماعية والفوقية لمجتمعنا، ولذلك ما عدنا كفلسطينيين نتطلع للنماذج البطولية ولسبب بسيط وهو ان نموذج الفساد المستشري قضى على امال النخب في استعادة ثقة الشعب.

من العبث الهروب من الحقيقه، اتطلع لحالنا والذكرى 69 لنكبتنا تسحقنا ، ما يسحقنا ليس الاحتلال الجاثم على صدورنا، الذي يسحقنا التفريط الذي انتقل من الحالة الرسمية الى الحالة التخبويه، وكأني الان ارى كيف غرروا بشعبنا الذي دافع عن الرموز ومؤسساتنا الوطنية وعلى رأسها منظمة التحرير التي لطالما رفع شعبنا الصوت عاليا بان لا صوت يعلو فوق صوت منظمة التحرير .

منظمة التحرير التي شكلت قبلة الفلسطينيين سقطت وفرغت من مضمونها لتختصر بمجموعة من الاصنام التي عافها الشعب الذي هتف لها وغنى لها ، وتحمل الوجع من أجلها ولا زلت اذكر كيف تحمل الشباب الفلسطيني اللاجئ في بداية ثمانينيات القرن الماضي العذاب في سبيل رفع راية منظمة التحرير الفلسطينيه.

اذكر عمليات التنكيل اليوميه من قبل جيش الاحتلال وحرس حدوده بجيلنا اذكر الصديق عبد الفتاح اللحام الذي رجم كما ابليس بعد ان دفع به حرس الحدود الاسرائيلي في حفرة في بمقر الحاكم العسكري المعروف بالبصه ، واذكر كيف ساوموه بان يشتم منتظمة التحرير الفلسطينيه مقابل اطلاق سراحه، لكنه رفض لتستمر حفلة الرجم بالحجارة ، اليوم نشتم انفسنا ومنظمة التحرير مخزن امالنا وأحلامنا.

الصديق عبد الفتاح الموجود الان في الاردن شكل رمزاً كفاحيا في تلك المرحله، كان له صوتنا جميلا نطرب له وهو يستحضر القرى التي هجر منها اجدادنا وايائنا عام 48، عنى عبد الفتاح الملقب بالعسعيس العتابا والميجنا وغنى للعجوب والمرار، عبد الفتاح يعكس حال الجيل الذي رفض مغريات ألحياة الذي شكل اللبنة الاولى والاشاسية لانتفاضة الحجاره.

انتفاضة الحجارة لم تكن عمل شعبي مقاوم للاحتلال فقط وإنما شكلت وأسست لثقافة ميدانيه قوامها الرابط القوي بين الجماهير والنخب، والذي ميز تلك المرحله الانسجام الطبقي والفكري، ولذلك شكل الناس السياج والوقود لانتفاضة احتضنها الشعب واحتضنه.

تأتي الذكرى 69 لنكبتنا حيث التيه الذي اتسعت رقعته ليشمل الشعب كل ألشعب تيه طغى على الشعار المقدس لشعبنا الذي يفتقر للقيادة القادرة على النهوض بقضايانا الوطنيه والسير بنا لشاطئ الامان.

تأتي ذكرى النكبة لتذكرنا بالنكبات المتلاحقة التي اعقبت النكبة الكبرى ، نكبات صنعناها كفلسطينيين بأيدينا وهنا مكمن الخطر الذي يهدد بسحقنا وتحويلنا لمجرد مجموعة بشرية لا اكثر.

النكبات التي حملتها لنا قيادات المرحله اخطر من النكبة الكبرى عام 48 ، وقد يكون الخلاص من الخطر الداهم الذي يهدد الوجود الاجيء بالحفاظ على الذاكرة وعدم مقايضتها بالطروحات الخبيثة التي تطرق ابوابنا بين الحين والآخر ، صحيح ان الرئيس عباس قالها وبالفم المليان انه لا يريد العودة لمدينة صفد مسقط رأسه، لكن عباس لا يمثل سوى نفسه بهذا الكلام لان حق العودة حق فردي وصحيح ان هناك قردة خرجت من اوساط اللاجئين شكلت خنجراً في خاصرة الثقافة التي توارثتاها إلا ان هؤلاء القردة مكشوفون للصغير والكبير في المخيمات.

الذكرى التاسعة والستين تشدنا للوراء لنعيش طقوسنا ونستذكر رجالاً وتساءا أحببناهم هؤلاء الذين دفعوا الثمن الاكبر للكنبة وماتوا وعيونهم شاخصة لا يفكروا سوى بما تركوه خلفهم....... يتيع












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تصريح الأمين العام عقب المجلس الوطني الثاني لحزب النهج الديم


.. رسالة بيرني ساندرز لمعارضي هاريس بسبب موقفها حول غزة




.. نقاش فلسفي حول فيلم المعطي The Giver - نور شبيطة.


.. ندوة تحت عنوان: اليسار ومهام المرحلة




.. كلمة الأمين العام لحزب النهج الديمقراطي العمالي الرفيق جمال