الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بورتريه مثقف عضوي

محمد علاء الدين عبد المولى

2006 / 1 / 29
الادب والفن


أينما ذهبتَ فسوف تراه، يحيط نفسَهُ بهالاتٍ من مواصفاتٍ تراوحُ بين عنجهيّة ثقافيَّةٍ مجلوبةٍ من خارجهِ، وأناقةٍ قوامها الأقنعةُ واللُّطْفُ المسبَقُ الصّنع، ورأسٍ يوهم نخاعَهُ أنَّهُ أهمّ رأسٍ في العالم، ويدٍ تؤمن أنّ بين أصابعها يتحرّك القلم الأوَّل والأخيرُ الّذي يرسم مسار التَّفكير البشريّ، وبحبرِهِ يلوّنُ كواكب المستقبل، فتأخذُ شكلها المتوهّج بحقيقةٍ، ويتمّ تفصيل حجم الفلسفة العربية، والبنيويّة، والتفكيكيّة، على حجم قلمِهِ اللّمّاع.‏
عندما يدخلُ القاعةَ تبدأُ حتّى خطواتُ حذائِهِ بممارسة وظيفتها العضويّة، متأثّرةً بمقولة "المثقّف العضويّ" التي أعلنها مختارُ الحيِّ اللاّتينيّ في جنوبي إفريقيا... (ومن يعترض على صحّة المعلومات، عليه مراجعة صاحبنا في مكتب استعلاماتِهِ الذي أنشأه أوّل مرّةٍ في المديرية العامّة للتّراث والمعاصرة، من أجل التّأكّد أن معلوماتنا غير خاطئةٍ... فهي مستقاةٌ من المصدر الموثوق... من صاحبنا الطاووس صانه الليل من عيون الطيور والدّجاجات والدّيوك..).‏
إذاً، خطواتُهُ مضبوطةُ الإيقاع على حركات (غرامشي) -عفواً أقصد مختار الحيّ اللاَّتيني- ونّظارتُهُ تتمتَّعُ بحدوسٍ تقدر على اختراق الحُجب والأسلاك الشائكة، وحقول الألغام والأنغام والبّطيخ...!‏
وإذا فاجأَكَ بشَعرِهِ المصفوف شَعرةً شَعرةً، عليك أن تتمتَّعُ بجاذبيّة شَعرٍ نادرٍ، لا يغتسل إلاَّ بالشامبو الذي كانت تستعمله السيّدة أفروديت في القرن الثاني والعشرين قبل/بعد الميلاد، وعطوره المستخرجة من بطون أمّهات الكتب... حتّى لقد قدَّر الأخصائيّون أنَّ كلَّ قطرةٍ من العطر تفوح منه، إنما هي خلاصة قراءة منتخبةٍ من كتاب الشعر لأرسطو، حتّى موسوعة علم الجمال التي تسهَرُ على إنجازها الآنسة كاتيا كعدي! عندما تطلّ على جمهور المثقفين بأعمالها الكاملة وثيابها النّاقصة...‏
فإذا جلسَ صاحبُنا الطاووس على الكرسيّ، تهافَتَ التّابعون على تقديم أوراق اعتمادهم بين يديه فيحدق في تفاصيلها ويدرس بلمحةٍ سحريّةٍ حيثيَّات مشاريعهم الفكرية والإبداعية والرَّاقصة والهندسيّة، ويتفضّل عليهم إمّا بحكمةٍ بالغةٍ وموعظةٍ حسنةٍ ووصايا عشرين... يقبَلُ هذا، ويؤجِّلُ ذاك، ويطلب من هذا التّريّثَ ريثما تحفظُ كافة موديلات الشّعر والقصّة، وتنزل أحداث البوردات ليختار لها زيّاً راقياً يناسب حجم موهبتها الفائقة والخارقة، لبَيان قدراتها الكامنة داخلها...‏
وبعد قليلٍ سوف يقدّم عريفُ الملتقى النّخبويّ صاحبَنا الطاووس الذي جلس ووراءه ألوانُه البرّاقة وحوله كراسٍ فارغةٌ من أجل الحفاظ على وضعيّة الجناحين والذّيل...‏
دون أي تعرّض للأذى والإحراج، وبعد تقديمه يتّجه إلى منصّة الفكرة المصمَّمة بشكلٍ خاصٍّ لقوامه الخلاّب وقدّه الميّاس.‏
بادئاً التّعريف به بأنّه لا يحتاج إلى تعريفٍ. مع ذلك لابدّ من لمحة عابرة، فيذهب في سرد قائمة السَّنوات والمهامّ والمناصب والمؤلفات التي طبعها...‏
أمَّا عندما تحينُ لحظةُ ارتقاء الطَّاووس إلى المنصَّة، فسترى أن الكواكب رقصَتْ، والشّهبْ تهاوت، وطيور العالم الحضاريّ بدأت ترفرف على نوافذ القاعة، وتلصق مناقيرَهَا بالزُّجاج لتُصغي بها إلى درس الحكمة والمحاضرة الفذّة التي سينطق بها صاحبنا المعلّم.....‏
أمَّا إذا بدأ بكلامه بالمبتدأ، وضلَّ عن طريق الخبر، فلا غبار عليه. وإذا قام بفبركة آرائه وتلفيقها من هنا وهناك دون ذكر لمصدر ولا مرجع، فأيضاً لا غبار عليه. وإذا ما جَعَلَ الفاعل منصُوباً، والمجرور مفتوحاً، والمثنّى جمعاً، فلا بأس عليهِ. فمن ذا الَّذي يستطيعُ مطالبتَهُ بذلك؟ إن قواعد اللّغة ونحو سيبويه وعروض الفراهيديّ... كل ذلك موضة باطلةٌ. وهو أكبر من هذه المستويات.‏
لذلك لابأس أن تدخل كلماتُه عتمة المتاهات، وتتّخذ صيغة الألغاز والأحاجي... فذلك يدخلُ كله تحت شعار"يجوز للطاووس ما لا يجوز لباقي النّفوس...".‏
أخيراً، نرفع طيّاً، وربطاً، اعتذارنا من أنفسنا لأنَّنا قصرّنا في رسم ملامح صاحبنا، فلشدّة بهاء نوره وسطوع هالاته، غشيت أبصارنا وعميت بصائرنا... وغمرَتْنا أشعَّته "فوق الأنثروبولوجيّة"...‏
والسلام عليكم...‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ذكريات يسرا في مهرجان كان السينمائي • فرانس 24 / FRANCE 24


.. الفنان السعودي سعد خضر لـ صباح العربية: الصور المنتشرة في ال




.. الفنان السعودي سعد خضر يكشف لـ صباح العربية سبب اختفائه عن ا


.. الفنان السعودي سعد خضر يرد على شائعة وفاته: مزعجة ونسأل الله




.. مهرجان كان السينمائي : فيلم -البحر البعيد- للمخرج المغربي سع