الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طريق الحرير مزروع بالألغام!

ناجح العبيدي
اقتصادي وإعلامي مقيم في برلين

(Nagih Al-obaid)

2017 / 5 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


طريق الحرير مزروع بالألغام!

بينما تبدو الولايات المتحدة غارقة حتى أذنيها بفضائح ترامب وتصرفاته المثيرة للجدل وأوروبا في حيرة من أمرها بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تسير الصين بخطوات واثقة نحو توسيع نفوذها الاقتصادي والسياسي حول العالم. آخر خطوة في هذا المجال كان الإعلان في بكين عن مشروع "طريق الحرير الجديد" في قمة حضرها 30 من قادة الدول من بينهم رؤساء روسيا وتركيا وباكستان. بهذه القمة تكثف الصين جهودها لإحياء طريق الحرير القديم الذي كان كان يربط بين الشرق الأقصى والشرق الأوسط وجنوب أوروبا في القرون الغابرة وشكلّ جسرا لنقل الحرير والتوابل والزجاج والخزف ومعها الأديان والأفكار والثقافات أيضا.
غير أن النسخة الجديدة من طريق الحرير لا تشترك مع القديمة سوى في الإسم، بينما تتفوق عليها بمراحل في الأبعاد والتكاليف والأهدف في مؤشر واضح على طموحات الصين الحديثة التي لا تعرف الحدود. إذ تفتخر بكين بأن مبادرتها ستصبح أضخم مشروع عالمي للتنمية حاليا وقد تفوق خطة مارشال التي اعتمدتها الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية لإعادة إعمار أوروبا الغربية المدمرة. ويُقدر الجانب الصيني استثمارات "طريق الحرير الجديد" بأكثر من ترليون دولار ستساهم فيها الصين وحدها بما يزيد عن مائة مليار. ويقول "بنك التنمية الصيني" إنه يتابع بالفعل أكثر من 900 مشروع في 60 دولة تزيد قيمتها على 890 مليار دولار. ويتعلق الأمر بمئات المشاريع في القارتين الآسيوية والأوروبية تشمل إنشاء أنابيب لنقل النفط والغاز ومحطات لتوليد الطاقة وتحديث شبكة الطرق والسكك الحديدية والموانئ والمطارات والتي تُسيل لعاب الكثير من الشركات العالمية وفي مقدمتها الصينية.
يرى رئيس الصين والأمين العام للحزب الشيوعي الحاكم "شي جينبينغ" أن مبادرته ستعمل على "دعم النمو الاقتصادي لجميع الدول المشاركة وتحسين بنيتها التحتية وتكثيف التبادلات بين الشعوب". لكن من الواضح أن الصين تسعى من خلال هذا المشروع الطموح إلى توفير البنية التحتية لكي تلعب دورها كأقوى اقتصاد في العالم مستقبلا والتفوق على أكبر منافسيها، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان والهند. وهي ترى فيه قبل كل شيء ممرا لنقل سلعها الرخيصة ومنصة لغزو أسواق جديدة. من جهة أخرى تأمل بكين في أن يصب ضخ المليارات في المشروع العملاق في صالح شركاتها العاملة في مجال البناء والحديد والصلب والنقل، لا سيما وأن الكثير من هذه الشركات يعاني من مديونية عالية ومن فائض في الطاقات الانتاجية بعد أن أصبحت المدن الصينية تتمتع في العادة ببنية تحتية متطورة ولم تعد في حاجة لطرح مقاولات ضخمة. من هنا تأمل القيادة الصينية في أن تتولى هذه الشركات تنفيذ مشاريع بناء الطرق والسكك ومحطات الطاقة في بلدان جنوب آسيا والشرق الأوسط. ومن المؤكد أن بكين تنظر الي المشروع باعتباره خطوة عملاقة على طريق تحويل مراكز الثروة والنمو والقوة نحو آسيا.
لكن طريق الحرير الجديد الذي يوحي إسمه بالنعومة والترف لن يصبح بهذه السهولة ممرا سالكا ومفروشا بالورود، وإنما ستتخلله الكثير من العقبات جراء وجود شكوك قوية بنوايا بكين وأهدافها الحقيقية. أول المعترضين هي الهند التي ترى في تنفيذ بكين لبعض المشاريع الكبرى في باكستان وبنغلاديش وسري لانكا محاولة لعزلها ومحاصرتها. لهذا كان من الملفت للنظر غياب رئيس الوزراء الهندي مودي عن القمة. قلق مشابه يساور أيضا الرئيس الروسي بوتين. فعلى الرغم من حضوره قمة بكين، يرى زعيم الكرملين في الاستثمارات الصينية في كازاخستان وقرغيزيا وجمهوريات سوفيتيتة سابقة أخرى محاولة للتمدد في مناطق نفوذ الدب الروسي التقليدية.
لكن السؤال الأهم يتعلق بردود فعل المنافسيْن الأهمين، الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الغربية على الخطة الصينية الطموحة. كان التشكيك هو العنوان الأبرز لموقف أكبر الدول الأوروبية الأمر الذي تجسد في غياب قادة ألمانيا وبريطانيا وفرنسا عن احتفال التوقيع على البيان المشترك في قمة بكين. صحيح أن الأوروبيين برروا تحفظهم هذا برفض الجانب الصيني لمطاليبهم بمزيد من الشفافية واعتماد معايير أشد في الجوانب البيئية والاجتماعية وحقوق العمال، لكن هذا الموقف يعود بالدرجة الأولى إلى انزعاج أووربا الغربية من اندفاع المارد الأصفر الذي يتأهب لطرق أبواب أوروبا الجنوبية بقوة.
من الناحية الجغرافية تبدو الولايات المتحدة غير معنية بهذا المشروع الأورو-آسيوي، لكن شبح ترامب خيّم بهذا الشكل أو ذاك على قمة بكين. هذا ما يتضح في البيان المشترك الذي يركز على "بناء اقتصاد مفتوح يضمن التجارة الحرة والشاملة ومعارضة كل أشكال الحمائية" في رد غير مباشر على دعوات الرئيس الأمريكي المناهضة للعولمة. لم تكن هذه المرة الأولى التي تحمل فيها الصين الشيوعية لواء الدفاع عن العولمة والتجارة الحرة مقابل أمريكا الرأسمالية. ففي منتدى دافوس في أوائل العام الجاري شدد الرئيس الصيني شي أيضا على مزايا التجارة الحرة في وقت كان فيه ترامب يُهدد بفرض رسوم جمركية عقابية بحق البضائع الصينية التي أغرقت السوق الأمريكية. وبعد قرار ترامب بانسحاب بلاده من اتفاقية التجارة الحرة للدول المحاذية للمحيط الهادئ التي تضم 12 بلدا (ليس من بينها الصين)، ها هي بكين ترد بمشروع يحمل إسما رومانسيا ويهدف في نفس الوقت لعبور القارات. لكن الكثير من الخبراء من الخبراء يرون في ذلك محاولة لتغيير تدفقات السلع والثروات على المستوى الدولي وبالتالي تغيير ميزان القوى في الاقتصاد العالمي. ومن دون شك فإن بكين تأمل بأن يوفر المشروع الأساس المادي لتوسيع نفوذها السياسي والتحول إلى قوة عظمى سياسيا وعسكريا وليس اقتصاديا فقط.
بغض النظر عن الطموحات الاقتصادية والسياسية بعيدة المدى للصين ومدى واقعيتها، لن يبقى طريق الحرير الجديد في حال تنفيذه شارعا في اتجاه واحد وإنما سيصبح كما كان سلفه ممرا أيضا لتبادل الأفكار والخبرات. فقد تستطيع الدول التي يمر بها هذا الطريق الاستفادة من تجربة الصين المذهلة في التنمية الاقتصادية بالاعتماد على تحرير الاقتصاد والخصخصة والاستفادة من مزايا التجارة الدولية وجذب الاستثمارات الأجنبية. من جهة أخرى ستبقى الصين وقيادتها الشيوعية قلقة من أن تهب عبر طريق الحرير رياح التغيير وتدعم مطاليب الطبقة الوسطى الصاعدة بالانفتاح السياسي أيضا واحترام الحريات الديمقراطية وتجاوز نظام الحزب الواحد.

د. ناجح العبيدي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. النزوح السوري في لبنان.. تشكيك بهدف المساعدات الأوروبية| #ال


.. روسيا تواصل تقدمها على عدة جبهات.. فما سر هذا التراجع الكبير




.. عملية اجتياح رفح.. بين محادثات التهدئة في القاهرة وإصرار نتن


.. التهدئة في غزة.. هل بات الاتفاق وشيكا؟ | #غرفة_الأخبار




.. فايز الدويري: ضربات المقاومة ستجبر قوات الاحتلال على الخروج