الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أغلى يوم في التاريخ!

ناجح العبيدي
اقتصادي وإعلامي مقيم في برلين

(Nagih Al-obaid)

2017 / 5 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


أغلى يوم في التاريخ!

لم تكن قلادة الملك عبد العزيز أثمن ما حصل عليه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أثناء القمة الأمريكية-السعودية التي عُقدت في 20 أيار/مايو 2017 في الرياض. صحيح أن قيمة القلادة المصنوعة من الذهب والمرصعة بالجواهر تُقدر بالملايين، لكن الملياردير ورجل الأعمال السابق ترامب سيعود إلى بلاده حاملا في جيبه عقودا بقيمة 500 مليار دولار. وكان من الممكن أن يصبح الرقم الفلكي أكبر لولا "تدخل" جاريد كوشنر صهر الرئيس الأمريكي ومستشاره بحسب وسائل إعلام ممولة سعوديا والتي امتدحت دور كوشنر في إنجاز صفقات بيع أسلحة للسعودية عبر اتصاله بشركات أمريكية لتصنيع السلاح ومطالبته لها بـ"خفض" السعر. وبفضل تدخل صهر ترامب أصبحت قيمة العقود الفورية 110 مليارات دولار فقط! وعلى أن تصل إلى 350 مليار دولار على مدى الأعوام العشر القادمة.
يصعب التكهن بالنتائج الجيوسياسية لزيارة ترامب للسعودية وما سينجم عنها من تغيرات في ميزان القوى في المنطقة وتأثيراتها على أهم الملفات، لا سيما في العلاقة مع الخصم اللدود إيران وحلفائه في سوريا واليمن والعراق. غير أنه من المؤكد أن هذه القمة ستدخل التاريخ باعتبارها الأغلى على الإطلاق لأنها تضمنت التوقيع على عقود ضخمة بمئات المليارات في مجالات الطاقة والتصنيع العسكري والبتروكيماويات والصحة غيرها. هنا يطرح السؤال نفسه بقوة : ما هو سر هذه الكرم السعودي؟ وهل اقتصاد البلاد قادر على تحمل هذه الأعباء الباهظة على مدى عقود قادمة؟ وهل تصب الصفقات في صالح طرف معين أم أنها تؤسس لعلاقة متكافئة بين طرفين تجمعهما مصالح مشتركة؟
من الواضح أن الاقتصاد السعودي يعاني منذ 3 سنوات على الأقل من أزمة مالية خانقة تمثلت في تكبد ميزانية الدولة لعجز كبير جراء انهيار أسعار النفط منذ صيف 2014. نتيجة لذلك سجلت الميزانية السعودية في الفترة 2015 و2016 عجزا قياسيا قارب 100 دولار سنويا. ويُرجح استمرار ذلك مستقبلا، إذ تتوقع ميزانية عام 2017 عجزا يقارب 53 مليار دولار. ولا يستبعد أن يكون العجز الفعلي أكبر من ذلك نظرا لأن وزارة المالية السعودية انطلقت أثناء وضعها للميزانية من سعر لبرميل النفط يبلغ 55 دولارا وبما يزيد عن متوسط سعر النفط خلال الأشهر المنصرمة من العام الجاري. صحيح أن أسعار النفط تعافت نسبيا في أواخر عام 2016 نتيجة اتفاق منظمة الأوبك وروسيا على تخفيض معدلات الانتاج، ولكن أسعار تصدير النفط السعودي لا تزال تقل عن 50 دولارا، لا سيما وأن الرياض مضطرة لمنح أهم الجهات المستوردة خصومات في الأسعار للحفاظ على حصتها السوقية.
في ظل هذه الظروف تأتي العقود والصفقات الضخمة مع الجانب الأمريكي والتي سيجبر تنفيذها السعودية على مواصلة السحب من احتياطياتها الضخمة من النقد الأجنبي. في هذا السياق تشير آخر الأرقام المنشورة إلى أن الاحتياطيات السعودية واصلت هذا العام أيضا مسلسل انخفاضها لتصل إلى قرابة 500 مليار دولار بعد أن سجلت في عام 2014 أعلى مستوى لها تجاوز حاجز 700 مليار دولار.
من جهتها تحاول الجهات الرسمية السعودية ومعها وسائل الإعلام التابعة لها تبرير هذه الصفقات من خلال القول بإنها ستساهم في خلق فرص عمل داخل السعودية أيضا وليس فقط في الولايات المتحدة. ولعل أهم مثال تتباهي به هذه الجهات هو مشروع شركة لوكهيد مارتين لتجميع 150 طائرة مروحية في السعودية الأمر الذي سيعني توفير 450 فرصة عمل. وإلى جانب ضئالة هذا الرقم لا أحد يعرف من سيشغل هذه الوظائف حقا وهل سيكتفي السعوديون، كما جرت العادة بالمناصب الإدارية، بينما يتولى مهندسون أمريكيون الوظائف الانتاجية. في ظل الأرقام الفلكية للصفقات يبدو حتى الثمن السياسي المتمثل في تبني واشنطن لسياسة معادية صريحة ضد نظام الملالي في إيران أمرا لا يستحق كل هذه التكاليف الباهظة ويرشح الرياض لتبوأ موقع الطرف الخاسر في القمة الأمريكية-السعودية.
في المقابل عبر ترامب للصحافيين المرافقين لها عن سعادته بالحصيلة الإيجابية لليوم الأول من زيارته للسعودية قائلا :"لقد كان يوما عظيما. استثمارات هائلة في الولايات المتحدة . مئات المليارات من الاستثمارات في الولايات المتحدة والمزيد من الوظائف والوظائف والوظائف." ومن المؤكد أن ترامب يأمل في أن تساعده نتائج أولى جولاته الخارجية في المعارك السياسية التي تنتظره في واشنطن عندما يعود إليها بعد 8 أيام.
حينها لن ينزعج ترامب كثيرا لأنه حصل على قلادة الملك عبد العزيز فقط ولم يكرمه السعوديون بالوسام الأرفع قلادة بدر الكبرى. ربما تردد آل سعود في منح الضيف الأمريكي هذا الوسام ليس لأسباب مالية وإنما لأنه يحمل إسم معركة دينية بحته ويمجد غزو "الكفار". وهذا لا ينسجم مع خطط الرياض الرامية إلى كسب واشنطن إلى جانب صراع مفتوح ضد بلد إسلامي هو إيران. ولهذا الغرض تبدو مئات المليارات وكأنها سقط المتاع.

د. ناجح العبيدي
20 / 5 / 2017








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مفاوضات القاهرة بين الموقف الاسرائيلي وضغط الشارع؟


.. محادثات القاهرة .. حديث عن ضمانات أميركية وتفاصيل عن مقترح ا




.. استمرار التصعيد على حدود لبنان رغم الحديث عن تقدم في المبادر


.. الحوثيون يوسعون رقعة أهدافهم لتطال سفنا متوجهة لموانئ إسرائي




.. تقرير: ارتفاع عوائد النفط الإيرانية يغذي الفوضى في الشرق الأ