الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نظام المحرقة الأسدية المدلل

عبدالرحمن مطر
كاتب وروائي، شاعر من سوريا

(Abdulrahman Matar)

2017 / 5 / 22
حقوق الانسان


ثمة ما يستوجب البحث، عما يمكن أن ترمي إليه تسريبات الخارجية الأميركية، بخصوص محرقة سجن صيدنايا، لما قالت انه تحليل لمعلومات الاستخبارات الأميركية. وبغض النظر عن الأهداف المباشرة لهذه التسريبات عن محرقة لجثث المعتقلين القتلى تحت التعذيب، فإن من الثابت الذي لا يقبل شكوكاً، بحكم توفر أدلة قطعية، على أن النظام الأسدي، بأجهزته ومؤسساته الأمنية والعسكرية، تقوم بشكل ممنهج على تغييب المعارضين السوريين في أقبية السجون، بصورة شبه منتظمة، وتعرضهم للتصفية الجسدية، إما على أيدي جلاديهم، أو تنفيذا لقرارات المحاكم الميدانية، أو المحاكم العسكرية، وفي مجملها لاتخضع لرقابة قانونية، لمؤسسات الدولة الدستورية.
استخدمت واشنطن في تقريرها بصورة متكررة تعبير" محرقة محتملة " للدلالة على الأمكنة التي تشير اليها صور الأقمار الاصطناعية، ما يعني ذلك أن الاتهام " وظيفي " مبني على معلومات تقديرية، وأنه غير قطعي. وأن لجوء النظام لحرق جثث المعتقلين للتخلص منها وإخفاء أدلة على عمليات القتل، مايزال في طور " الإعتقاد " ما يعفي الإدارة الامريكية – في الحقيقة – من اتخاذ موقف محدد حيال جريمة النظام هذه، بما في ذلك عدم إدانة الجريمة و مرتكبيها.
هذا النوع من التعاطي مع قضايا ذات صلة بجرائم الإبادة البشرية المنظمة، بلا شك يجعل مرتكبيها أكثر قدرة وحرية على ارتكاب المزيد من الجرائم، والمضي قدماً في سياسة تضليل تتشارك فيها الأنظمة الحليفة لدمشق، مثل روسيا وإيران، وكذلك الولايات المتحدة، لكونها تدرك، بحكم امتلاكها لمعلوماتٍ، ومقدرتها في الحصول عليها بدقة تقود الى تحليلات، تمكن من صنع قرار حيال الجرائم المرتكبة، ولكنها لا تقوم بذلك.
وخلال السنوات الثلاث الأخيرة، تعاظمت أفقياً وشاقولياً جرائم الحرب، وجرائم الإبادة المنظمة، وكذلك عمليات التهجير، من منظور ارتكاب الجرائم بغية إرهاب المجتمعات المحلية، وإرغامها على النزوح الجماعي. وقد تم توثيق كل تلك الجرائم، وأكدت صحتها تقارير صادرة عن منظمات ومؤسسات دولية يُعتدّ بها لدى دوائر صنع القرار الدولي، الى جانب التقارير التي تصدرها وكالات الأمم المتحدة المتخصصة، و حكومات أوروبية، مثال جرائم استخدام الكيمياوي بما فيه الغازات السامة: السارين والخردل في الغوطة، وخان شيخون، وحلب، واستخدام مقذوفات فوسفورية و فراغية، من شأنها إحداث أكبر عدد من القتلى المدنيين، وأضرار مادية مهولة تجبرهم إما على التسليم، أو الفرار، مع استخدام سلاح التجويع والحصار الخانق.
لم يقم المجتمع الدولي حتى الآن بممارسة الصلاحيات التي تمنحها القوانين الدولية النافذة لحماية المدنيين من الجرائم البشعة التي يرتكبها نظام " الأسدية " بما في ذلك الولايات المتحدة التي أقرت في نوفمبر الماضي قانون سيزر، والذي يطالب البيت الأبيض بحماية المدنيين في سوريا، وأن يتخذ إجراءات خاصة بذلك خلال مئة يوم من إقرار القانون، مضى عليه اليوم قرابة ستة أشهر.
لكن، ماهو دافع الولايات المتحدة لكشف محرقة صيدنايا، بعد أن تم تجاهل تقرير أمنستي الشهير: مسلخ صيدنايا، وكل التقارير المشابهة. فيما كانت ضرباتها سريعة على مطار الشعيرات.
ثمة استنتاج أولي، بأن القصف الأمريكي لمطار الشعيرات، لم يكن في جوهره، عقاباً لاستخدام نظام الأسد للسلاح الكيمياوي ضد خان شيخون، بدليل أن النظام كرر جريمته، بعد قرابة 48 ساعة في مناطق متعددة من سوريا: ريف دمشق وحماه وحلب، وفقاً لتقارير موثوقة. وتبدو النتائج حتى اليوم تؤشر لصالح تعزيز الموقف الروسي في سوريا، جراء تلك الغارة، على عكس ما يتوجب أن تقود إليه.
قد تكون هذه التسريبات، أو التصريحات، تهدف لتحضير بيئة ملائمة داخل الإدارة الامريكية لإعادة طرح قانون سيزر- أعيد إقراره بعد يومين من كشف المحرقة – لتفعيل توصياته، وتبدو الإشارة الى دور روسي – إيراني، في بناء المحرقة الأسدية في سجن صيدنايا، محاولة أميركية لتشبيك ملف جرائم الحرب والإبادة في سوريا، مع نظام ملالي طهران، بما يقود الى تحريك الجمود في التعاطي بشأن الملف السوري، الذي لم يثمر عن أية اتفاقات بين الجانبين تقود اإلى تغيير الوقائع على الأرض، ومن ضمنها مفاوضات التسوية السياسية، متوالية جنيف ( 1 الى 6 )، والتي ماتزال رهينة السيطرة الروسية متعددة الأبعاد، في ظل عدم انشغال أمريكي بها، كما يُفترض حتى الآن.
الولايات المتحدة التي تقود التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، تبدو غير متحمسة لحماية المدنيين السوريين، الذين تفترسهم جرائم الأسد، بدعم إيراني وروسي مباشر، ولكنها أيضاً ضالعة في ارتكاب مذابح بحق المدنيين في المناطق الخاضعة لمنطقة عملياتها ضد داعش: هناك مجازر شبه يومية تحدث في الرقة، ودير الزور، نتيجة القصف الجوي، لأهداف يفترض أنها لداعش، ولكن التنظيمات المسلحة العاملة تحت إمرتها على الأرض ( ميليشيا قسد ) تعطي إحداثيات مضللة بهدف إرهاب الأهالي وتهجيرهم، ولم تأمر الإدارة الأمريكية بفتح أي تحقيق، في اكثر من عشرة حوادث مماثلة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة.
أما الحديث عن المحرقة الأسدية في سجن صيدنايا الرهيب، فهو اقرب الى النفخ في واجهة الريح، طالما أنه لا يتم الإحتكام فيها الى قواعد القانون الدولي بشأن جرائم الإبادة والحرب معاً، والتي تقر وجوب تنصيب محكمة دولية يُساق إليها الأسد ونظامه. فالإدارات الأميركية المتعاقبة على البيت الأبيض، منذ 2011 وحتى اليوم، لم تفعل شيئاً حيال النظام الذي أعلن بوضوح وصفاقة " الأسد أو نحرق البلد ".
من يومها، والعالم يغمض عينيه عن الحرائق التي تلتهم السوريين. يرش عطوراً ويدخن بخوراً، كي يمنع رائحة الجثث المحترقة بالكيمياوي، أو المقابر الجماعية، أو عشرات السجون، أن تصل إلى أنفه، وتعكر رائقة استمتاعه بما يحدث في سوريا.
عالم مريض بالكذب والنفاق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مفوض الأونروا: إسرائيل رفضت دخولي لغزة للمرة الثانية خلال أس


.. أخبار الساعة | غضب واحتجاجات في تونس بسبب تدفق المهاجرين على




.. الوضع الا?نساني في رفح.. مخاوف متجددة ولا آمل في الحل


.. غزة.. ماذا بعد؟| القادة العسكريون يراكمون الضغوط على نتنياهو




.. احتجاجات متنافسة في الجامعات الأميركية..طلاب مؤيدون لفلسطين