الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أوراق بلا عنوان - الجزء الثاني - ورقة المرأة-

محسن كفحالي

2017 / 5 / 22
الادب والفن



اصفرت و هوت نحو الأرض كما سقطت كل الأوراق الأخرى ، فصل الخريف من حياتي ، سقطت ورقة العائلة و بقيت أعيش وحيدا في غرفة بين كتبي و أوراقي ، صادقت همومي و حزني و قهوتي و سيجارتي و صورة أبنتي التي لم تكتمل سن الأربع سنوات ، كثرت الأحزان و الألم و كان إحساسي يزداد يوما بعد يوم أنني أعيش فصل الخريف ، و كل الأوراق تتساقط تباعا ، و كنت أسابق الزمن من أجل كتابتها قبل أن تسقط ورقة العمر و أدفن تحت التراب دون التخلص من عبء حملته للسنوات ، تعود قصتي هاته إلى ما بعد الثانوي و بالضبط في بداية دراستي الجامعية ، ذات يوم أمام الحي الجامعي أقف إلى جانب صديق لي ننظر إلى عناوين الكتب الشيقة ، كل كتاب يشعرك في رغبة في التهامه بشراهة ، تتمنى أن تسبح بين شواطئه الفكرية و الغوص في جماليته ، لحظة توقفت الحياة تحت قدماي و أنظر إلى سيدة جمالها فاق كل نساء رأتهم عيني ، توقفت عن النظر إلى الكتب و تلعثم لساني عن الكلام ، و تحولت إلى جثة هامدة مفتوحة العينين تحملق في السيدة الجميلة ، زاد ارتباك و هي تقترب مني بخطوات متثاقلة و كأنها تخضعه لقياس محدد ، بشرتها تميل إلى للون القمحي ، ترتدي لباسا عصريا محتشما أبيض ، و على رأسها وشاحا أخضر مفتوح اللون ، طويلة القد، رشيقة ، تختلف عن الفتيات اللواتي يفعلن ما في وسعهن من أجل تكبير الصدر و المؤخرة و الأرداف ، إنها مختلفة بكل المعايير ، لم أصدق و هي تقف أمامي تسألني عن استعمال الزمن الخاص بالسنة أولى علوم اقتصادية ، عشت شعورا متناقضا بين فرحتي و صدمتي في نفس الوقت ، و لكن عزمت أن أستغل هذه الفرصة و أتحدث معها أكثر وقت ممكن ، سألتها عن اسمها أجابت و الخجل بادي على وجنتيها اسمي سهام ، كانت إبتسماتها متميزة عندما تبتسم ، يحمر وجهها فتتحول إلى وردة حمراء في فصل الربيع ، اتجهنا نحو كشك مخصص للطبع الدروس و نحن نتحدث عن الأهل و المدينة الأصلية لكل واحد منا ،فجأة وقف أمامنا بعض الفتيان يستولون ، أدخلت يدها الجمليتين في محفظتها و أخرجت خمسة دارهم و أعطتها لهم في موقف ساخر اعترضت على هذا الفعل و قلت لها أنا في حاجة إليها أكثر منهم ، لم تستطيع النظر إلي خجلا و استدرت بوجهها نحو الجهة الأولى في ابتسامة فاتنة ، انصرفنا و توالت اللقاءات بيننا لكن دون أن تتحول علاقتنا إلى درجة كبيرة ، و لم تصل إلى ما كنت أصبو إليه ، بالرغم من عشقي و احترامي الكبير لها .
توالت الأيام و تغيرت أشياء كثيرة ، تعرفت على فتاة أخرى كانت تدرس معي في نفس الفصل ، تنتمي إلى الطبقة الراقية في المدينة ، تتوفر على كل شيء في الحياة ، كل المتطلبات كانت موجودة ، تأتي إلى الكلية بأخر أنواع السيارات ، ينقصها شيء واحد هو الذكاء من أجل الحصول على معدلات مرتفعة ، بالرغم من أنها كانت المعدلات لا تعني لها شيئا و هي ممكنة بمجرد كلمة من الحاج كما كانت تقول دائما ، كانت تستغل الفرصة من أجل مساعدتها في مجموعة من المواد الدراسية ، أصبح لقائنا بشكل روتني و نسيت قليلا سهام ، و كل اللقاءات كانت تتم خارج أسوار الجامعة و نسيت حتى دروسي في بعض الأحيان و أنا الذي كنت معروفا بذكائي و اجتهادي، أحسست بأن مستقبلي يتلاشى شيئا فشيئا ، و كان صديقي دائما ينبهني إلى أن سلوكاتي تغيرت و بالتالي أجني على مستقبلي و ينصحني بأن سهام فتاة بسيطة يمكن أن تكون رفيقة درب صالحة على عكس سارة التي لا يهمها سوى مصلحتها ، كنت أختنق من كلامه و أحاول جاهدا عدم الجلوس معه حتى لا يعيد نفس الكلام ، ما كان يضرني أكثر هو معرفتي اليقينية أنه على حق ، و لا يهدف من وراء ذلك سوى تنبيهي ، لكن كنت أتجاوز كلامه و لا أعيره أي اهتمام ، كنت أجالس سارة و أفكر في سهام ، سهام التي لا تفكر في لواحق الجسد لا تهتم بصباغة أظافرها و لا بوسائل التجميل ، في الحقيقة لا تحتاج إلى شيء شمس في حتى في لحظة تلبد السماء بالغيوم السوداء ، تتحدث بلطف و تمشي بلطف ، تناقش بعقلانية كبيرة و بنضج منقطع النظير ، سارة الغنية التي نخرج معا ، نسهر الليالي معا، نرقص معا ، كل ليلة أعود إلى غرفتي أتمدد على سريري ، أحس بدوار كبير بسبب حيرتي ، أحن إلى سهام و لطفها و ابتسامتها و نظرتها ، إلى وشاحها الأخضر و خصلات شعرها تتطاير بنسيم الصباح و هي تلج المدرج ، سهام عندما كانت تتزين بالكحل تتحول عينيها إلى عصافير ، سهام التي أحبتني في الصمت و أحببتها في الصمت ، كنت منشغلا بحياة اللهو و للعب مع سارة التي كانت تعتبرني تجربة جديدة مختلفة ، تجربة من الهوامش و هي التي عاشت حياة المركز بكل تفاصيلها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاعلكم | 25 سؤالا مع المخرجة رشا شربتجي


.. بتقنية -التزييف العميق-.. أول فيلم روائي طويل عن حياة الرئيس




.. شاهد: الشرطة الإسبانية تستعيد لوحة للفنان بيكون سُرقت قبل تس


.. بخاطر في التمثيل ومابخافش من أي دور سهر الصايغ عارفة إنه سلا




.. كل الزوايا - مذكرات فريدة فهمي.. الفنانة القديرة تسترجع ذكري