الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مالي والمنتدى الاجتماعي العالمي

خالد الفيشاوي

2006 / 1 / 29
العولمة وتطورات العالم المعاصر


قبل أيام من بدء أعمال المنتدى الاجتماعي العالمي في العاصمة الفنزويلية " كاراكاس " في 23 يناير … عقد في " باماكو" عاصمة مالي ، المنتدى الاجتماعي العالمي في أفريقيا في الفترة من 19 إلى 23 يناير بمشاركة ما يقرب من سبعة آلاف يمثلون المنظمات والحركات الاجتماعية في البلدان الأفريقية ، خاصة في منطقة غرب أفريقيا ، المتحدثة بالفرنسية ، ومن البلدان الأوروبية المطلة على البحر المتوسط ، وبعض بلدان أمريكا اللاتينية ، ويكاد يكون التواجد الفرنسي أكبر حتى من المالي!! بينما كادت المشاركة الآسيوية تكون منعدمة ، وغابت المنظمات والحركات الاجتماعية العربية باستثناء المغرب العربي ، حيث تصدرت قضية الصحراء اهتمامات المنتدى ، ونشط وفد جبهة تحرير الصحراء (البوليساريو) وفي مواجهتهم نشط وفد كبير العدد من المغرب ، يمثل بالأساس اتحاد الشغل ( اتحاد النقابات المغربية )

أكبر فاعليات المنتدى وأكثرها تنظيما ، مسيرة الافتتاح ، انطلقت في 19 يناير من منتصف باماكو ، وسارت حوالي أربعة كيلو مترات حتى الإستاد الرياضي ، شارك فيها ما يقرب من ثلاثة آلاف ، و انتهت في الإستاد باحتفال حضره حوالي ثمانية آلاف .

مسيرة هتفت ضد " بوش " و " بلير " ، وضد الحرب والإرهاب الأمريكي، والفقر والجوع في أفريقيا ، وتصدرتها أعلام ( البوليساريو ) ، ولم يرفع فيها إلا علما فلسطينيا واحدا ، لأن الوجود الفلسطيني في المنتدى كان محدودا ، ولم تشارك أية وفود من العراق . . .

في الإستاد ، أعلنت الدكتورة " أمينة تراوري " وزيرة السياحة المالية السابقة ، وراعية نشاط المنظمات النسائية في مالي ، افتتحت أعمال المنتدى رسميا ، وسط أجواء احتفالية ، و الأغاني والرقصات الشعبية الأفريقية . كانت أبرز وأهم أنشطة المنتدى وأكثرها تنظيما . . .

توزعت الندوات وحلقات الحوار وورش العمل على إحدى عشرة منطقة موزعة في كل أنحاء باماكو ، يصعب الانتقال والتجول بينها ، خاصة وأن التغيرات في مواعيد وأماكن الندوات كانت كثيرة ومفاجئة ، كما كان المشاركون بالطبع لا يعرفون المدينة ، وبالتالي ، كانت النتيجة أن تذهب إلي أحد هذه المناطق ، وأن تتابع الندوات المنعقدة آنذاك ، دون الالتفات إلى البرنامج ، حتى لا يضيع الوقت في البحث ،لكن التجول في مالي مشقة ، والحياة اليومية عسيرة .. منذ أن تخرج أنفك من الطائرة ، تفاجئك رائحة كريهة ، تصاحبك حتى عودتك لبلادك . .
مالي شأنها شأن غالبية البلدان الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء ، الصرف الصحي فيها مكشوف ، حتى في بلدان غنية مثل نيجيريا ، ولعل هذا التعايش مع الصرف الصحي المكشوف ، والحياة في ( المجاري ) أفقدت الأفارقة التمييز بين القذارة والنظافة ، فحتى المطاعم والمأكولات ، كريهة الرائحة . . .

وأظن أن استبدال الصرف الصحي المكشوف ، بصرف مغطى ، قد ينقذ القارة من الكثير من الأوبئة التي تنتشر بها ، كالكوليرا والملاريا والحمى الصفراء والتيفود وغيرهم … لكن يبدو وأن مصالح شركات الدواء أهم وأبقى من صحة الشعوب .

رغم الفقر والتخلف والبؤس الاجتماعي واكتساح الصرف الصحي للشوارع..يتميز الماليون بالجمال الأفريقي ، وقوة الجسد ونحافته وامتلاء الأثداء والأرداف . . .

ورغم كثرة المتسولين ، ما أن يسقط منك شيئا على سبيل السهو ، حتي تمتد الأيادي لتنبهك وتعيده إليك … لا خوف إطلاقا من سرقة أو نشل .. حتى الأكشاك التي تملأ كل الشوارع ، وتمتلئ بأرخص البضائع الصينية، تترك البضائع فيها بعد المغرب شبه مكشوفة ، ولا تتعرض لسرقة . . . من اللحظة الأولى في مالي ، تستشعر الأمن ، رغم الرائحة والفزع من الأمراض .

كان المؤتمر موسما سياحيا ، ارتفعت فيه الأسعار على الغرباء . . .ولكن ما أن يعرف البائع أنك أفريقي ، حتى يتراجع ويبيع لك السلعة بربع السعر الذي يبيع به للأجانب غير الأفارقة ، بل وأحيانا بعشر السعر . . .

كان المبرر لهذا التعدد في أماكن عقد أنشطة المنتدى ، هو الإندماج من شعب مالي ، والتعرف على المجتمع المحلي ، لكن الوجود المحلي ، والشعب المالي الفقير ، لم يكن يرى في المنتدى إلا موسما سياحيا ، وفرصة نادرة لبيع منتجاتهم الشعبية بأسعار تتجاوز المعتاد …


باستثناء الندوات المنعقدة عن مشاكل الفلاحين الأفارقة ، والتي طرحت بكثافة واهتمام ، خاصة مع وجود الزعيم الفلاحي الفرنسي المشهور "جوزيه بوفيه " ، والتي شارك فيها المئات . . كان المشاركون في الندوات الأخرى لا يتجاوز العشرات ، و غالبيتها لم يتجاوز أعداد المشاركون فيها عشرة أفراد ، و كثيرا ما تم إلغاء بعضها لعدم توافر مشاركين ، خاصة في مناطق الحوار الموجودة على أطراف العاصمة باماكو .

احتلت قضية الهجرة اهتمام المشاركين الأفارقة . . . فأوروبا تضع المزيد من العوائق والعراقيل أمام المهاجرين ، وشرعت مؤخرا في تنفيذ مشروع لإقامة معسكرات لاحتجاز اللاجئين الأفارقة تقام هذه المعسكرات في بلدان شمال أفريقيا ، التي يتسلل الأفارقة منها إلى أوروبا ، وفي هذه المعسكرات يفحص مسئولو الاتحاد الأوروبي أوضاع وكفاءات الراغبين في الهجرة ، وتسمح لمن تحتاجه وتعيد الزائد عن حاجة العمالة لبلاده . . هذا في إطار قيود مشددة يفرضا الأوروبيون على المهاجرين الأفارقة . . .

ولاشك أن استخدام بلدان شمال أفريقيا كمصفاة للمهاجرين الأفارقة لأوروبا . . . سيثير المشاكل ، والعدوات بين دول شمال الصحراء وجنوبها…
ولعل مشكلة السودانيين الراغبين في الهجرة التي انفجرت في القاهرة ، أحد التجليات ولن تكون الأخيرة . . .

وفي هذا الإطار ، كانت ليبيا صاحبة أول اتفاقية مع الاتحاد الأوروبي لإقامة معسكرات احتجاز اللاجئين .

هناك أيضا مشكلات أوضاع اللاجئين والمهاجرين الأفارقة في أوروبا ،و التوسع في ملاحقة المهاجرين غير القانونيين وأعادتهم لبلادهم … وتشغيل الأفارقة في أعمال حقيرة بأجور متواضعة .

هذا في الوقت الذي تفرض فيه المؤسسات الدولية والشركات عابرة الجنسيات على البلدان الفقيرة فتح أسواقها أمام السلع والبضائع وحركة رأس المال ، بينما تفرض القيود على حركة البشر والمهاجرين والراغبين في العمل . فالشعوب هي الوحيدة المحرومة من جني ثمار العولمة . ..

كانت اللغة عائقا كبير أمام مشاركة الكثيرين ، فاللغة السائدة في المنتدى هي الفرنسية ، ويندر من يتحدث أحد بغيرها . . .

وفي بعض الحوارات ، تجد أحيانا المتحدثين ، أحدهم يتحدث الفرنسية ، وأخر الأسبانية ، وثالث الإنجليزية ورابع البرتغالية ( ولم يعرف المنتدى العربية على الإطلاق ) ، ويقف كل متحدث ليدلي ببيانه بلغته ، التي لا يعرف غيرها عادة ، ومع عدم توفر ترجمة ، ينتفي شرط الحوار ، وتتحول غالبية المنصات ، إن لم تتحدث الفرنسية ، إلى منصات إعلان مواقف .

من ناحية أخرى ، كان الاتجاه العام في ندوات المنتدى ، هو الميل لعدم إثارة المشكلات أو القضايا الخلافية ، والحرص الدائم على التوحد ضد المشروعات الأمريكية في العالم . وضد سياسات منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وضد الحرب الأمريكية على العراق وأفغانستان ، والتوسع الأمريكي في مد القواعد العسكرية في آسيا وأفريقيا . . .

رغم غياب العراقيون عن المنتدى ، كانت العراق أكثر القضايا التي تستقطب المشاعر ، خاصة المقاومة العراقية وإعاقتها للمشروع الأمريكي وإنهاكها للقوة العسكرية الأمريكية .

قبيل افتتاح المنتدى بساعتين ، كان المنتدى الاجتماعي للبدائل برئاسة المفكر المصري " د . سمير أمين " ، وبالاشتراك مع مجلة بدائل ، برئاسة تحرير " د ليلي غانم " ، انهي اجتماعات استمرت يومين ، شارك فيها مايقرب من 500 من كل أنحاء العالم ، وأصدروا تقريرا بوجهات النظر السائدة في الحوارات . .

كانت هذه الاجتماعات أكثر الندوات تنظيما وجدوى في فاعليات المنتدى . . .

وفي اليوم السابق على ختام المنتدى ، عقدت ورشة عمل حول الشرق الأوسط ، نظمتها مجلة " بدائل " ، وشارك فيها أكثر من خمسين باحثا وناشطا من كل قارات العالم . . . تناولوا فيها كيفية مواجهة المشروع الأمريكي – الصهيوني للهيمنة على الشرق الأوسط ، وفرض إسرائيل لتكون أكبر دولة إقليمية في المنطقة .. .وأكدوا ضرورة دعم المقاومة العراقية والفلسطينية كرأس رمح لمواجهة هذا المشروع الجاري فرضه بالحرب والضغوط السياسية على شعوب وبلدان المنطقة . . .


وأثير في الحوار قضية المد الإسلامي في المنطقة ، ومدى خطره علي مستقبل التطور الديموقراطي المأمول والقوى التقدمية والديموقراطية في المنطقة . . .

وانتهي الاجتماع إلى ضرورة جذب المنظمات غير الحكومية والحركات الاجتماعية للعمل بفاعلية والاندماج في الحركة العالمية لمناهضة للعولمة ، واستمرار المشاورات لعقد اجتماع إقليمي تشارك فيه كل القوى الديموقراطية والإسلامية لم يتحدد موعده ومكانه بعد ، وان كانت بيروت هي المرشحة لعقده ، إن كان البعض يرى أهمية عقده في غزة .







بقي أن المنتدى الاجتماعي العالمي القادم ، سيعقد في كينيا في يناير 2007 ، ولا بد أن تسعى الحركات والمنظمات الاجتماعية في مصر وفي المنطقة العربية لتنظيم مشاركة جادة وأكثر فاعلية … وأن تنهي انعزالها عن الحركة العالمية المناهضة للعولمة … والتي تتجاوز بكثير أنشطة المنتدى الاجتماعي العالمي ، والذي لا يشكل سوى مهرجان تضامني داخل الحركة . . .

القاهرة
26/1/2006








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الآثار المهربة.. تمثال جنائزي رخامي يعود من فرنسا إلى ليبيا


.. بودكاست درجتين وبس | كيف تنشر الصحافة الاستقصائية الوعي بقضا




.. وكالات أنباء فلسطينية: انتشال جثث 49 شخصا في مقبرة جماعية في


.. بعد اقتراحه إرسال جنود لأوكرانيا.. سالفيني يهاجم ماكرون




.. هجوم رفح.. خيارات إسرائيل | #الظهيرة