الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المواطنة في الفكر الإسلامي

عطا درغام

2017 / 5 / 23
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


اقترنت المواطنة الكاملة – في الحقوق والواجببات- علي عهد الرسول ( صلي الله عليه وسلم)، قبل أن يعرفها الغرب رغم التطور الحضاري الذي لم يعرفها إلا بعد الثورة الفرنسية.
لقد وضعت الدولة الإسلامية فلسفة المواطنة موضع التطبيق وقننتها المواثيق والعهود الدستورية منذ اللحظة الأولي لقيام هذه الدولة في السنة الأولي للهجرة، ففي أول دستور لهذه الدولة تأسست الأمة علي التعددية الدينية عندما جمعت الأمة أهل الديانات المتعددة علي قدم المساواة لأول مرة في التاريخ.
ورغم ذلك، يُتهم الفكر الإسلامي بإغفال مفهوم المواطنة في الدولة التي اقامها ، وبان فيها تمايزا بين سكانها المسلمين وغيرهم من أصحاب الديانات والمذاهب الاخري؛إذ حددت مفهومي المواطنة والهوية علي أساس الانتماء للدين الإسلامي فقط، وهم بذلك يتغافلون عن حقائق التاريخ التي تُدحض مصادره ووثائقه هذا الإدعاء، وتؤكد بطلانه ، بل هي تشير إلي أن البناء الأول للدولة الإسلامية قد تم تأسيسه علي مفهوم المواطنة ، من خلال تحديد هوية الانتماء للدولة لجميع رعاياها من خلال تحديد الحقوق والواجبات.
وربما ترجع جذور هذا الاتهام إلي التحول من مفهوم الجماعة، خلال المرحلة الأموية التي ألحقت أكبر الضرر بمفهوم المواطنة في التجربة الإسلامية بسبب تحول هذا المفهوم من المنطق الديني إلي المنطق السياسي السلطوي، فقد أسست الدولة الأموية لوجود مواطنة عرببية إسلامية موالية للحاكم وبيئة عربية نصرانية محايدة أو مقربة، ومواطنة عربية إسلامية معارضة أو مبعدة عن بطانة الحكم ومحرومة ، فكان التمايز بين المواطنين المسلمين علي أساسا الولاء للحاكم ، لا الولاء للدين ، وقد بقي ذلك الوضع في الدولة العباسية كذلك، وإن انتقلت المواطنة المميزة إلي الفرس ، وظل هذا الوضع حتي الدولة العثمانية.
ولقد مر مفهوم المواطنة بأطوار مختلفة إلي أن وصل إلي حالته المعاصرة ، أرجع بعضهم هذا المفهوم تاريخيا إلي التجربة اليونانية خلال نموذج المدينة/ الدولة ، حيث عكس مفهوم اليونان عن المدينة التي تجمع مواطنين أحرار يشاركون في الشأن العام، في مقابل الغرباء والعبيد والنساء الذين تضعهم خارج دائرة المواطنة . فكان المواطنون في أثينا أقلية بالنسبة إلي سكانها، بينما العبيد والغرباء هم الاكثرية غير أنه منذ " الإسكندر" والفترة المتأخرة للإمبراطورية الرومانية تم إقصاء نموذج المينة/ الدولة اليونانية، وتراجعت معها فكرة المواطنة ، فاختفت حقوق المواطنة واختفت معها مظاهر المشاركة في الشأن العام، والمجال السياسي . وينطبق الأمر نفسه علي النمط السلطاني لبناء الدولة الذي ساد في بلادنا في الدولة المملوكية أو الدولة العثمانية ، فقد تأسست الدولة السلطانية علي مفهوم العصبية مع استخدام الغطاء الديني واستبعدت مفهوم المواطنة ومشاركة المواطنين الأحرار في الشأن السياسي.ثم استعاد مفهوم المواطنة اعتباره في القرن الثامن عشر وسط نقاش واسع بين فلاسفة التنوير روسو ولوك ومونتسكيو الذين قدموا فكرة العقد الاجتماعي بين الافراد أساسا لتأسيس الحكم، فبرزت فكرة المواطنين الأحرار، الذين أصبحوا قاعدة الحكم ومرجعه. وأصبح الفرد/ المواطن ذا حقوق وشخصية مستقلة، له حق المشاركة في الحياة العامة. واستلهمت الثورات الأوربية والأمريكية مفهوم المواطن ، واعطته معاني اعمق وأشمل بعد ان كان قديما محصورا في فئة قليلة، ولتدعيم هذا التوجه تم لإعلان المباديء الأساسية التي يجب ان يقوم عليها تنظيم الدولة، ومنها مبدأ سيادة الأمة الذي فرق بين الدولة كمؤسسة وأشخاص الحاكمين من رجال السلطة، وأتي إعلان حقوق الإنسان ليكرس الاعتراف بكيان الفرد وبحقوقه الطبيعية والمدنية، فالمواطن ببمفهومه الحديث هو الذي يسهم في إعداد القانون ويشارك في الشأن العام، بينما يكتفي الفرد من الرعية بالرضوخ للقانون وحسب.فمفهوم المواطن مرتبط بمفهوم الدولة الديمقراطية ، وبمفهوم الحرية وبحقوق الإنسان والمواطن. وقد توسع مع الأيام نطاق المواطنة وعمم ليشمل الرجال والنساء، وأصبح أبرز مظاهر حقوق المواطنين وتجلياتها في ظل النظام الديمقراطي هو الانتخاب؛إذ يعتبر التصويت خير وسيلة للمواطن كي يعبر عن رأيه ويمارس تأثيره في الشان العام وفي اختيار حكامه.
ولقد حاول النهضويون العرب الأوائل ، أمثال الطهطاوي وخير الدين التونسي وغيرهم أن ينقلوا مفاهيم الأمة والمواطن والحرية والدولة والدستور، لتحل مكان المفاهيم المرتبطة بالدولة السلطانية، وصولا إلي مفهوم المواطنة وما يلزم لتحققها من دستور وديمقراطية وانتخاب . غير أن التجربة العربية المريرة مع الاستعمار الغربي وبروز المشروع الصهيوني قاد الإسلاميين والقوميين إلي الحذر ، ليس فقط من سياسة الغرب بل من ثقافته أيضان وأثر هذا في موقف النخب من نمط الحداثة السياسية الغربية ومن التجار بالليبرالية الدستورية العربية التي بدات تأخذ طريقها في التطبيق ، فشهدت السياسة العربية بروز أنماط عسكرية للحكم، عرفت باسم" الأنظمة التقدمية" تراجعت فيها فكرة المواطنة والحريات العامة وكرامة الفرد، فلم تسعد فكرة المواطنة ومعها الديمقراطية إلا عقب انهيار التجربة السوفيتية ووصول طريق التنمية الذي اتبعته تلك النظم لطريق مسدود ، غير أن هذه المراجعة الفكرية لم تاخذ ريقها إلي الممارسة الفعلية ، فلا تزال فكرة المواطن العربي مجرد"يوتوبيا" ، علي الرغم من ازدياد الاعتقاد بان المدخل المناسب لخروج العرب من أزماتهم الراهنة ، هو تحويل المجتمع العربي من رعايا وسكان إلي مواطنين أحرار، وتأسيس سلطات مدنية ديمقراطية علي أساسا الرابطة الوطنية لأناس أحرار.
ولم يظل مفهوم المواطنة ثابتا عند التصور التقليدي له باعتباره مجموعة من الحقوق والواجبات يتساوي فيها المواطنون ، أو مجرد الحقوق في المشاركة والمدنية ، وإنما توسع ليشمل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وضمان الموارد ومظاهر الأمن علي نشاط المواطنين أنفسهم وممارساتهم وذلك في ظل النظام العالمي الجديد ، أو ما يطلق عليه العولمة وما فرضته من تغيرات اقتصادية وسياسية وثقافية علي مفهوم المواطنة.
ويأتي كتاب ( المواطنة في الفكر الإسلامي) للدكتورة فينان نبيل عيسوي ليوضح مفهوم المواطنة وأسسها ، ومدي ارتباطها بعض المفاهيم الأخري مثل الحرية والمساواة . وكذلك مدي تحقق مفهوم المواطنة في تأسيس الدولة الإسلامية الاولي علي عهد الرسول ( صلي الله عليه وسلم).
ثم مدي تحقق أسس المواطنة في الدولة الإسلامية في ظل اتساع الرقعة الجغرافية وتعدد الاجناس والأعراق والعقائد ( الدولة العباسية نموذجا).
ثم تنتقل الكاتبة إلي دراسة أبعاد مفهوم المواطنة في الفكر الإسلامي الحديث ومدي تأثره ببمفهوم المواطنة في الفكر السياسي الغربي،ووكذلك التغيرات التي طرأت علي مفهوم المواطنة نتيجة لعصر ما بعد العولمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قادة الجناح السياسي في حماس يميلون للتسويات لضمان بقائهم في 


.. دعوات أميركية للجوء إلى -الحرس الوطني- للتصدي للاحتجاجات الط




.. صحة غزة: استشهاد 51 فلسطينيا وإصابة 75 خلال 24 ساعة


.. مظاهرات في العاصمة اليمنية صنعاء تضامناً مع الفلسطينيين في غ




.. 5 شهداء بينهم طفلان بقصف إسرائيلي استهدف منزلا في الحي السعو