الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قطرتتلقى درسا بليغا في الأخبار الملفقة!

ناجح العبيدي
اقتصادي وإعلامي مقيم في برلين

(Nagih Al-obaid)

2017 / 5 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


قطرتتلقى درسا بليغا في الأخبار الملفقة!

قطر في عين العاصفة: هكذا يمكن وصف وضع قطر حاليا التي تواجه حملة إعلامية غير مسبوقة جعلتها في موقف محرج للغاية أمام حلفائها وخصومها على حد سواء. مثل هذا الوضع غير مألوف بالنسبة لبلد اعتاد خلال السنوات الماضية أن يُحرج الدول الأخرى عبر نشر أخبار نصفها حقيقي ونصفها الثاني ملفق ومفبرك. هذا الدور الخطير والتخريبي لعبته بكفاءة عالية قناة الجزيرة التي تحولت إلى هراوة غليظة بيد دولة قطر تستخدمها بكثرة لتهديد الآخرين ولممارسة نفوذها في المنطقة وبطريقة تتجاوز حجمها الجغرافي والسكاني. ولكن هذا السلاح ارتد أخيرا إلى نحرها.
بدأت فصول القصة المثيرة بنشر وكالة الأنباء القطرية تصريحات نسبتها لأمير قطر "المفدى" تميم بن حمد آل ثاني والذي تعرض فيها لملفات حساسة للغاية تتعلق بالسياسية الخارجية لبلاده مع أهم القوى الإقليمية والعالمية والتي بدت وكأنها لا تبقى حجرا على حجرا وتتضمن انتقادات شديدة اللهجة لعدة دول بطريقة تكسر كل الأعراف الدبلوماسية . أولى هذه الانتقادات المنسوبة إلى أمير قطر تطال الرئيس الأمريكي ترامب وتشير إلى أنه يواجه مشاكل قانونية في بلاده. وتتحدث هذه التصريحات المنشورة على الموقع الرسمي لوكالة الأنباء القطرية وظهرت على الشريط الأخباري للتلفزيون القطري عن تعرض قطر لحملة ظالمة تزامنت مع زيارة ترامب إلى المنطقة الأمر الذي يوحي بوجود توتر في العلاقة مع واشنطن. وتضمن نص التصريحات المذكورة ما يشبه التهديد لإدارة ترامب عندما ورد فيها بأن "قاعدة العديد هي الفرصة الوحيدة لأمريكا لامتلاك النفوذ العسكري بالمنطقة، في تشابك للمصالح يفوق قدرة أي إدارة على تغييره".أما أخطر ما جاء في التصريحات المنسوبة للشيخ تميم فيتعلق بالعلاقة بإيران. هنا يخرج النص المنشور عن الإجماع الخليجي باعتبار إيران العدو الأخطر ويشير إلى احتفاظ الدوحة بعلاقات قوية مع طهران التي وصفها التصريح بأنها "تمثل ثقلا إقليميا وإسلاميا لا يمكن تجاهله". وانسحب هذا الموقف على حزب الله اللبناني وحركة حماس التي اعتبرتهما التصريحات حركتي مقاومة في رد مباشر على تصريحات ترامب في خطابه في القمة الإسلامية-الأمريكية في الرياض الذي صنفهما كتنظيمات إرهابية.
فور نشر هذه التصريحات أصبحت مادة دسمة لكل الجهات التي تشعر بالانزعاج حيال دور قطر وقناة الجزيرة وفي مقدمتها قناتا العربية وسكاي نيوز عربية ووسائل اعلام من دول عربية أخرى. لهذا انتشر الخبر انتشار النار في الهشيم. وقطعت قناة سكاي نيوز عربية على سبيل المثال لا الحصر برامجها وسارعت إلى بث برنامج حواري مباشر استضافت فيه عددا من "المحللين" و"الخبراء" للحديث باستفاضة عن دلالات هذه التصريحات وتوقيتها. ويعكس هذا "الاهتمام" تربص هذه الجهات بقطر وقناة الجزيرة والاستعداد لرد الصاع صاعين لها على خلفية تدخلاتها المريبة في الصراعات الدائرة في المنطقة وعلاقاتها المشبوهة بقوى إسلامية متطرفة مثل طالبان وجبهة النصرة وحركة الأخوان المسلمين وجماعات متشددة في العراق وسوريا وليبيا وغيرها. غير أن هذه المواقف تعكس أيضا حالة التوتر والتنافس المستتر بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي، لا سيما بين السعودية وقطر، واختلاف الرؤى بينها حيال الكثير من الملفات.
بعد وقوع الفأس في الرأس سارعت وكالة الأنباء القطرية إلى سحب هذه التصريحات، قائلة بأن حساب الموقع الرسمي تعرض للاختراق من جهة غير معروفة وطلبت من وسائل الإعلام تجاهل ما ورد من تصريحات "ملفقة" لأمير دول قطر. غير وسائل الإعلام المنافسة وفي مقدمتها قناتا ىالعربية وسكاي نيوز عربية واصلت تغطيتها لهذا الخبر، بل ونشرت مقطع فيديو لتلفزيون قطر الذي بث هذه التصريحات حرفيا في شريطه الإخباري ونسبها إلى أمير البلاد "المفدى". وبالطبع يصعب القول بأن الشريط الأخباري قد تعرض هو الآخر للإختراق.
لا يستبعد استمرار المعركة الإعلامية رغم المحاولات المحمومة لقناة الجزيرة احتواء تداعيات نشر التصريحات الحساسة ومحاولتها حصر الخسائر في حدها الأدنى عبر مطالبة وسائل الاعلام بعدم نشر هذه الأخبار الملفقة. غير أن عدم تجاوب البعض قد يدفع الجزيرة للقول في سرها لوسائل الإعلام هذه :"علمته الرماية فلما اشتد ساعده رماني". فمهما اختلفت الآراء حول دور القناة القطرية، إلا أنه من المؤكد أنها تستحق لقب المعلم الأول في فبركة الأخبار وتلفيقها واستغلالها كأداة للتأثير في مسار الأحداث وللضغط على الآخرين. ويبدو أن وسائل الإعلام العربية المنافس تريد أن ترسل للجزيرة مفادها بأن مجال التعلم مفتوح للجميع.
بغض النظر عن ملابسات هذه التصريحات، إلا أن هناك مؤشرات تُرجح بأنها ملفقة بالفعل لأنه أمير قطر لا يمكن أن يصل به الغباء إلى هذا الحد لكي يهاجم أهم حلفائه حاليا ويعزل بلاده في مرحلة حرجة تمر بها المنطقة. صحيح أن هذه التصريحات تشبه كثيرا تصريحات سابقة كانت قيادة قطر (ومعها الجزيرة) تحرص على ترديدها عندما كانت توحي بأنها جزء من محور "الممانعة" سيء الصيت وتحافظ في نفس الوقت على علاقات جيدة مع إسرائيل. غير أن قطر لم تعد قادرة على ممارسة هذه اللعبة المزدوجة بعد أن وضعتها السعودية أمام خيارات صعبة.
في كل الأحول بينت هذه القصة بوضوح مدى خطورة الأخبار الملفقة. مع ذلك هناك شكوك كبيرة بأن هذه الدرس البليغ سيكون كافيا لكي تتعظ قيادة قطر ومعها بوقها الشرس الجزيرة وتتخلى عن تغطيتها الإعلامية غير المستقلة وذات الأهداف السياسية المشبوهة.

د. ناجح العبيدي
24 / 5 / 2017








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مفاوضات القاهرة بين الموقف الاسرائيلي وضغط الشارع؟


.. محادثات القاهرة .. حديث عن ضمانات أميركية وتفاصيل عن مقترح ا




.. استمرار التصعيد على حدود لبنان رغم الحديث عن تقدم في المبادر


.. الحوثيون يوسعون رقعة أهدافهم لتطال سفنا متوجهة لموانئ إسرائي




.. تقرير: ارتفاع عوائد النفط الإيرانية يغذي الفوضى في الشرق الأ