الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مباحث في الاستخبارات (70) حرب المدن

بشير الوندي

2017 / 5 / 25
الارهاب, الحرب والسلام


مباحث في الاستخبارات (70)

حرب المدن

بشير الوندي
-------------
مدخل
-------------
حرب المدن هي الميدان الأسهل لحرب العصابات التقليدية من حيث الاسلوب والمناوره الواسعة وقابلية التخفي والتسرب الهائلة , وهي اصعب على الجيوش النظامية , فالإرهاب حاليا يعتبر مساحة حرب المدن هي الأفضل والأهم والاسهل والأكثر تدميرا وعنفا ودعاية .
واكبر خطأ تقع به الحكومات عندما تقاتل الإرهاب داخل المدن بعقلية عسكرة المدن , كما حدث ويحدث في العراق منذ سنين , فانتصار الإرهاب داخل المدن هو بسبب عسكرتها من قبل الدولة لانها تصبح أهداف مبعثره في كل الشوارع والطرق كما ذكرنا في مقالنا السابق ( حرب العصابات ).
وقد ذكرنا في مقالنا السابق ان هنالك مجموعة أساليب ومواجهات تقوم بها الدول ضد حرب العصابات منها المواجهة التقليدية والمواجهة الشعبية والمواجهة العنيفة والمواجهة المرشقة والمواجهة الاستخبارية والمواجهة الشاملة , وقلنا ان الشعبية والمرشقة والشاملة هي الانجع شريطة ان تكون الاستخبارات هي العمود الفقري لتلك المواجهة.
------------------------------
جغرافية حرب العصابات
------------------------------
هناك عدة أنواع لطبيعة ارض اية معركة هي :
1- حرب الصحراء.
2- حرب الادغال .
3- حرب المستنقعات .
4- حرب الجبال .
5- المعارك البحرية.
6- حرب المدن.
وتعد حرب الصحراء الأصعب على المجاميع المسلحة لانها تكون فيها مكشوفة للضربات , كما ان الاسهل لهم هي حرب المدن لامكانية الاختباء ولوجود المدنيين كرهائن.
والعكس بالعكس , فالاصعب على الجيوش النظامية هي حرب المدن والاسهل عليها حرب الصحراء, ففي حرب المدن تخسر الجيوش امكانية استخدام القوه الجوية والمدفعية والنار المساندة وجميع الموانع والمعرقلات الطبيعية والمصطنعة , كما ان تواجد المدنيين يعد عائقاً اخلاقياً يمنع الجيوش من تعريض شعبها للخطر اذاما استخدمت اسلحة تدميرية , ومن هنا لابد أن تكون المعالجات امنية بحزام عسكري وعدم إشراك الجيش داخل المدن لأنها مبتغى المسلحين.
---------------------------------------------
الفوارق بين المقاومين والارهابيين
---------------------------------------------
اننا نتحدث هنا عن حروب عصابات ضد الارهابيين الذين لايقيمون للمدنيين وزناً ويستخدمونهم درعاً , فالفارق الاخلاقي بين الارهابيين والمقاومة الوطنية المسلحة كبير في تكتيكات حرب العصابات او حروب المدن , فالمقاومة الوطنية لاتستهدف المدنيين ولاتتدرع بهم لانهم شعبها التي تريد خلاصه من الطغاة , بل انها لاتستهدف قوات الشرطة ولا البنى التحتية وانما تستهدف القوات العسكرية والاستخبارية التي يستقوي بهما النظام , كما ان حركات المقاومة الوطنية تتعامل مع الاسرى العسكريين باعتبارهم ابنائها وتعاملهم بالحسنى وتسعى لاستمالتهم .
اما الارهابيين فانهم كما رأينا يكفرون كل من يخالفهم ولايقيمون وزناً للمدنيين ولا للبنى التحتية ولا للاجهزة الخدمية , ويقتلون الجميع بوحشية وقلما يحتفظون بالاسرى وغالباً ما يقتلونهم بفضاعة , وهم يجعلون من المدنيين تروساً لهم , وهو اعتراف ضمني بأن القوات الحكومية ارحم بشعبها منهم وانها ستتهيب ان تقاتلهم وسط المدن حفاظاً على المدنيين .
وبالطبع , فان الحديث الاكاديمي يفرض علينا ان نؤكد على امرين جوهريين , اولهما ان اية مواجهة حكومية مع مسلحين سواء كانوا ارهابيين او معارضين فان عماد نجاحها يكون بالعمل الاستخباري المكثف,.
والثاني : اننا نتحدث عن حكومات وطنية تتورع عن دماء شعبها, والا فان صدام ونظامه لم يتورعا عن ضرب شعبهم بالكيمياوي في حلبجة او في الاهوار بحجة ضرب المسلحين المقاومين للسلطة آنذاك .
---------------------
توزيع الادوار
---------------------
ان حرب الإرهاب في المدن يختلف كثيرا عن حرب العصابات, فهي أعنف وأخطر ولكن أسلوب المواجهة هو نفسه لاغيره بالجهد الاستخباري من الداخل , والعسكري في محيط المدينة واطرافها .
فالاستخبارات في حرب المدن تقوم بتفعيل اذرعها السرية والعلنية والفنية والتواصلية بشكل كبير داخل المدن , فتقوم بتأسيس لشبكات مخبرين في كل المناطق والمحلات وتفعل الذراع التواصلي مع المواطنين وتشركهم في حماية أنفسهم , لاسيما وأن الإرهاب يستهدف الجميع بلا تفريق , فتضع الاستخبارات خطوط إتصال واسعة مع المواطنين بمختلف الاشكال ومنها شبكات التواصل وتهتم بأية معلومة وخبر تصل إليها , كما تسعى أيضا لتنشيط الحرب النفسية الدفاعية ضد العدو ومواجهة حربه النفسية التي تتعاظم في حرب المدن .
كما تعمد الاستخبارات الى رفع الاستعداد التكنلوجي ونصب الكاميرات في الشوارع العامة والاماكن الحيوية , وتطالب المواطنين أيضا من أصحاب الأعمال بنصب الكاميرات في الفنادق ومحال الصاغة ودور العبادة والمدارس , وكذا الامر في الدوائر الحكومية والمصارف والتقاطعات والمتنزهات والمراكز الامنية والشوارع الرئيسية .
وتطبق الاستخبارات الأمن الإحصائي في المدن بشكل كامل , فتراقب المستشفيات والصيدليات والعيادات ومحال بيع الاسمدة التي تدخل موادها بصناعة المتفجرات ومراقبة مهربي الأسلحة والصيارفة ومكاتب العقارات ومعارض السيارات .
نشر صور المسلحين في انحاء المدينه أيضا لكسب دعم واتصال الناس بالذراع التواصلي.
ان للاستخبارات دور حاسم وكبير في حرب الشوارع وحرب المدن وهي بجهدها العلمي والواسع تعوض نقص القوة الجوية والمدفعية التي تستعيض عنها بالقناصين المتدربين في الأماكن المهمة والحساسة.
فلا يمكن مكافحة الخفة بالدبابة, والمباغته بالانتشار , والسرعة ببط الجيش وتنقله , لذا تدخل الاستخبارات وجهازها القتالي إلى الميدان بالقناصين مدعومة بالطائرات المسيرة والتكنلوجيا وجيش المخبرين وأسلوب المعالجة السريع لأوكار المسلحين .
ويتم اعتماد الأمن الوقائي في محيط المدينة(بالسيطرات الثابتة ) والأمن الاحترازي في المناطق التي تعتبر محل تواجد او حواظن الإرهاب داخل المدينة(بالسيطرات المتحركة) وبتفتيش المناطق بشكل مفاجئ كالكراجات والاحيإء الصناعية والفنادق والمساجد والمزارع والمخازن , بالاضافة الى تفعيل الأمن المعلوماتي على كل مناطق المدينة لتفعيل الجهد الاستخباري.
------------------
ابعاد العسكر
------------------
يجب ان تكون قيادة المعركة والدفاع عن المدينة متمركزه وغير متداخلة وبمرجعية واحده , لأن تبعثر وتوزع القيادة يضعف القرار الذي نحتاجه بشكل سريع.
ان من معرقلات نجاح الدولة في حرب المدن ضد الارهابيين يكمن في عسكرة المدن , فالمعالجات العسكرية تفشل في حرب المدن لأنها تتسم بالخشونة ,( حتى في تحرير المدن الخاضعة لسيطرة الإرهاب يجب أن تتم بقوات عسكرية وبعد التطهير يسحب الجيش ويستبدل بقوات امنية ). فلابد هنا من ان تؤول مركزية القرار الأمني ومرجعيته للقوات الامنية لا العسكرية , اي ان تؤول القرارات الى مرجعية تفكر بالأسلوب الناعم وليس الخشن لأنها وسط مدينة ومواطنين.
فلابد من إخراج كل ماهو غير ضروري من معسكرات وثكنات إلى محيط المدينة لأنها نقطة ضعف لانقطة قوة في مواجهه المسلحين , فيجب احالتها الى أطراف ومحيط المدن كعامل معنوي لرجال الأمن والاستخبارات وكعامل خوف واستعداء للمسلحين وعامل جذب لهم لمهاجمتها بدلاً من نقل الصراع الى داخل داخل المدن.
كما يجب ان تقلل الحركة الأمنية نهارا وتعتمد الحركه مساء وتقلل من احتكاك الأمن بالمواطن.
--------------------------------
تطبيقات من العراق
--------------------------------

تصعب واجبات الجيوش داخل المدن لأنها أيضا يجب أن تحافظ على سلامة السكان وتبعد عنهم الشر والخطر , كما يحدث الآن في معارك الموصل .
فإن مشكلة بطء تقدم الجيش العراقي وباقي القطعات هي ليست بسبب شجاعة داعش التي تؤخر المعركة وانما بسبب حماية السكان والسعي لعدم الإضرار بهم .
فقد أثبتت المعارك طيلة ثلاث أعوام , ان داعش لا تواجه القطعات العسكرية وتهرب وتنهار بسرعة في المواجهة , كما حدث في الفلوجة وجرف الصخر والحضر اخيرا , لهذا نجد أن معركة الموصل طويلة بسبب الكثافة السكانية التي يسعى داعش لتكون أحد وسائل القتال لصالحه .
ان ما حدث طيلة 14 عام في العراق لم تكن حرب عصابات على مسرح المدن وأطرافها بل حرب تدمير شامل.
فرغم أن العاصمة أشبه بقاعدة عسكريه منها إلى مدينة .فقد اقتصرت الحلول الأمنية على تقطيع المناطق بالكونكريت وغلق الشوارع والسيطرات واستمرت هذه الاستراتيجية بلا تغيير طيلة سنوات.
وفي السنتين الأخيرتين انشغل العدو بالحرب العسكرية والدفاع عن المناطق التي احتلها وهذا ما خفف الزخم عن العاصمة ولادور للخطط والحلول الأمنية في ذلك , ولكن لازالت بغداد مهددة في اي وقت ولازالت عباره عن ثكنة عسكرية كما كان الحال في الموصل وتكريت والانبار والتي لم تستطع الحفاظ في تلك المدن على الامن بسبب الاعتماد على العسكرة وتهميش الدور الأمني و الاستخباري للاسف الشديد .
-----------
خلاصة
-----------
حرب المدن حرب شرسة وخطيرة لاسيما حين تكون في قبالة عصابات تكفيرية لاتقيم وزناً لاخلاقيات الحرب او للمدنيين , ولابد للنجاح في دفع شرورها من التعامل الامني الدقيق وللاجراءآت الاستخبارية التي تستطيع التعامل مع العدو وسط المدنيين باسلوب مبضع الجرّاح , والله الموفق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل يكون قانون -الحريديم- في إسرائيل سببا في إنهاء الحرب؟ | ا


.. فيليب عرقتنجي ولينا أبيض: رحلة في ذكريات الحرب وأحلام الطفول




.. مصر: مشروع قانون الأحوال الشخصية.. الكلمة الأخيرة للمؤسسات ا


.. هآرتس: استعداد إسرائيل لحرب مع حزب الله بالون أكاذيب




.. إسرائيل تؤكد على خيار المواجهة مع حزب الله وواشنطن ترى أن ال