الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خالد الكيلاني يكتب : قصة مشادتي مع وزير خارجية قطر الأشهر

خالد الكيلاني

2017 / 5 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


كنت قد وعدتكم بالأمس أن أحكي لكم قصة مشادتي العلنية مع رئيس وزراء قطر السابق ووزير خارجيتها الأسبق والأشهر الشيخ حمد بن جبر بن جاسم آل ثاني ، وها أنا ذا أوفي لكم بما وعدت .

في ظهيرة يوم 23 نوڤمبر عام 1997 ، أجريت حواراً للتليفزيون المصري مع الراحل العظيم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات ، حيث كان متجهاً في زيارة رسمية إلى القاهرة في اليوم التالي ، وهو الحوار التليفزيوني الوحيد الذي أجراه طيلة حياته .

في البداية كاد الحوار ألا يتم بسبب إصرار المستشار الإعلامي للشيخ زايد وقتها الأستاذ محمد عزب ( وهو صحفي مصري عجوز كان مقيماً في الإمارات منذ وقت طويل ) ، بسبب إصراره بأن أطلعه مسبقاً على أسئلة الحوار .

وكان ردي أن الحوار مع شخصية مثل الشيخ زايد لا يجب أن يكون محدوداً بأسئلة معينة ، فالحوار يفرض دائماً ، ويتولد عنه ، أسئلة جديدة .

ولكن الرجل أصر على وجود أسئلة ... أمسكت ببلوك نوت أخضر كان معي ووضعت أربعة محاور للحوار وقدمتها للمستشار الإعلامي ، الذي رفض تماماً إلا أن أحدد أسئلة مكتوبة وألتزم بها ، فقلت له أن هذا الحوار لو تم بالشكل الذي تطلبه سيكون حواراً خشبياً ، أو لا حوار ... فطبيعة الحوار - من إسمه - هو خد وهات ، والأسئلة المعلبة لا تعد حواراً ، ووعدته أن ألتزم بالمحاور الأربعة التي قدمتها له ، مؤكداً أننا نستطيع في المونتاچ - الذي سوف يحضره المستشار الإعلامي نفسه ومندوبون عن رئيس دولة الإمارات أن نحذف ما تشاءون من الأسئلة والإجابات ... لأن الحوار في عقيدتي الصحفية ليس " خطفة " .

رفض الرجل بشدة أن يتم الحوار بهذه الطريقة ، ورفضت من ناحيتي أن يكون هناك حوار بتلك الطريقة ... ووصلنا إلى طريق مسدود ، حسمه أن فُتح باب القاعة المجاورة في تمام الواحدة ظهراً ، وخرج أحدهم وقال بحسم " أستاذ خالد ، تفضل سمو الشيخ زايد في إنتظاركم " ، فأُسقط في يد المستشار الإعلامي ودخلت إلى القاعة ، حيث الشيخ زايد وعدد من أبناءه ومستشاريه .

تطرقت في الحوار بالطبع إلى العلاقات المصرية الخليجية ، والإماراتية على وجه الخصوص ، وإلى الأوضاع العربية بشكل عام ، وإلى الأزمة العراقية الخليجية ، ومبادرات التصالح مع صدام حسين ، وكان لابد أن أسئله عن الحادث الإرهابي في الأقصر ، الذي وقع في الدير البحري قبلها بحوالي خمسة أيام ، والذي راح ضحيته 58 سائحاً من جنسيات مختلفة ، والذي فاجأ فيه الشيخ زايد - وقتها - الجميع بأن اتهم جماعة الإخوان مباشرة بالحادث ووصفهم " بالكفرة الفسقة " ، وبأن الأرض التي لوثوها بدماء الأبرياء ، لن تتطهر سوى بدمائهم .

المهم ... نأتي إلى مربط الفرس ، وسبب الخلاف مع حمد بن جبر بن جاسم آل ثاني ، فقد أجاب الشيخ زايد - رحمه الله - عن سؤالي حول جهود المصالحة الخليجية مع العراق بجواب كان صادماً في حينه ، حين قال لي فيما معناه : " صدام حسين قد أخطأ ، ولكن كلنا نخطيء ، ولا يوجد زعيم عربي لم يخطيء ، وإذا كان المعتدى عليه لم يمت له سوى إثنين ، بينما هو ، وهو المعتدي قد مات له عشرة ... ألا يدعو هذا للصفح والغفران ونسيان ما فات " .

ثم تطرق إلى مثال الحرب العالمية الثانية ، وكيف قُتل فيها أكثر من 55 مليون مواطن أوروبي ، ومع ذلك فقد تجاوزت أوروبا ثاراتها وعداواتها ، وأنشأت وحدة بين دولها وشعوبها لصالح المستقبل ، بعد أن تجاوزت عن الماضي .

استمر الحوار بيننا لوقت طويل ، حتى بعد أن أُطفأت الأضواء وأُغلقت الميكروفونات ، وأستاذنت سموه حوالي الرابعة لأنتهي من المونتاچ قبل موعد حجز القمر الصناعي في التاسعة من مساء نفس اليوم .

في صباح اليوم التالي 24 نوڤمبر 1997 أذيع الحوار بالتزامن في التليفزين المصري ، وفي قناتي أبو ظبي ودبي ، وما هي إلا ساعات من إذاعة الحوار ، وقبل أن يركب الشيخ زايد طائرته متجهاً إلى القاهرة ، إلا وكانت الكويت تعلن سحب سفيرها من الإمارات غضباً مما قاله الشيخ زايد عن المصالحة مع صدام حسين .

وأمسكت قناة الجزيرة وصحف قطرية بفتيل النزاع ، لتشعل فيه النيران أكثر ... لكن حكمة الشيخ زايد والدبلوماسية الإماراتية سرعان ما احتوتا المسألة ، متسقة مع شخصيات حكيمة على رأس الحكم في الكويت ... وعاد السفير الكويتي مرة أخرى إلى مقره في أبو ظبي .

إلى هنا وكان يجب أن تنتهي القصة ... ولكن بعدها بعدة شهور وفي ربيع عام 1998 كان هناك إجتماعاً في المغرب - لا تسعفني الذاكرة الآن إن كان الإجتماع الوزاري للجنة القدس أم الإجتماع الوزاري لمجموعة العمل من أجل البوسنة التابعة لمنظمة المؤتمر الإسلامي .

كانت مصر تحضر المؤتمر الذي استمر ليومين ممثلة بوزير الخارجية عمرو موسى ، وغادر عمرو موسى في نهاية اليوم الثاني ، وفي اليوم الثالث أُقيم مؤتمر صحفي مشترك بين وزير الخارجية المغربي - وقتها - الصديق العزيز محمد بن عيسى ، ووزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جبر بن جاسم آل ثاني ، وكان يدير المؤتمر وزير خارجية الدولة المضيفة السيد محمد بن عيسى ، وكنت جالساً في الصف الثاني ، وبعد حوالي ثلاثة أسئلة من صحفيين أجانب رفعت يدي لأطلب الكلمة ، فأشار لي السيد بن عيسى قائلاً باللهجة المغربية " سي الكيلاني " .

وهنا تغير وجه وزير الخارجية القطري وقال " أنا لن أُجيب عن أسئلة لصحفيين مصريين " !!! .
وسط حالة من الذهول في قاعة المؤتمر المكتظة بصحفيين من كل جنس ولون ، سألته - وكنت قد أمسكت بالميكروفون : لماذا يا معالي الوزير ؟
رد حمد بن جبر بعنف شديد : الصحفيون المصريون يثيرون الفتنة بين الدول العربية ويوقعون بينهم .
- عفواً سيادة الوزير ... الصحفيون المصريون هم من علموا العالم العربي كله يعني إيه صحافة ، وهم عندكم في الخليج تاج على رأس أي صحيفة يعملون فيها .

- رد وزير الخارجية القطري بحدة وصلف : " إنت تحديداً قمت بالوقيعة بين الكويت والإمارات " ، ولذلك أرفض الرد على أسئلتك .

- قلت له بنفس طريقته - وسط محاولات تهدئة من المنصة يقوم بها وزير الخارجية المغربي السيد محمد بن عيسى - " كلامك غير دقيق بالمرة ، أنا أجريت حواراً تليفزيونياً مع رئيس دولة ، ومن حقه أن يقول ما يشاء في حواره ، ومن أوقع بين الدولتين هي قناة الجزيرة والصحافة القطرية ، أما أنا فكنت سوف أتوجه بسؤالي لمعالي الوزير محمد بن عيسى وليس لك ، ومع ذلك فأنا أرفض جملة وتفصيلاً كل ما قلته عن الصحفيين المصريين ، وبما أنك موجود هنا ، فسوف أغادر هذه القاعة متنازلاً عن سؤالي " .

سادت حالة من الهرج في القاعة ووضعت الميكروفون على الكرسي الذي كنت أجلس عليه ، بينما كان وزير الخارجية المغربي ينهي المؤتمر الصحفي - بعد كل ما حدث - معتذراً للصحفيين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 200 يوم على حرب غزة.. ماذا جرى في «مفاوضات الهدنة»؟| #الظهير


.. مخاوف من اتساع الحرب.. تصاعد التوتر بين حزب الله وإسرائيل| #




.. في غضون أسبوع.. نتنياهو يخشى -أمر- الجنائية الدولية باعتقاله


.. هل تشعل فرنسا حربا نووية لمواجهة موسكو؟ | #الظهيرة




.. متحدث الخارجية القطرية لهآرتس: الاتفاق بحاجة لمزيد من التناز