الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الغلوّ والنرجسيّة والمحاباة في عصر الإنترنت

بهجت عباس

2017 / 5 / 25
الادب والفن



كانا شاعرين رفيقين، ابن رشيق وابن شرف، هربا من القيروان نتيجة حربٍ فوصلا الأندلس في عهد
ملوك الطواثف وذلك قبل ألف عام تقريباً، فلم يدخلها ابن رشيق بالرغم من إلحاح ابن شرف عليه بدخولها،
فتردد ابن رشيق وأنشد:
مما يزهدني في أرض أندلس ... أسماء معتمد فيها ومعتضد
ألقاب مملكة في غير موضعها ... كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد
حيث كان ملوك الطوائف في الأندلس حينذاك يتّخذون ألقاب وأسماء الخلفاء العباسيين زهواً واعتداداً بالنفس.
فأجابه ابن شرف على الفور:
إن تَرمِكَ الغربة في معشر ... قد جبل الطبع على بعضهمْ
فدارِهِمْ ما دمتَ في دارهمْ ... وأرضِهِمْ ما دمتِ في أرضِهمْ
وهذا هو الزيف والتقية والمحاباة!
والتاريخ يعيد نفسه، كما يقال، بعد ألف عام ولكن بصورة ثانية. ذلك أنّ فضل الإنترنت على الفرد العربيّ
في التواصل والمعرفة والثقافة كبير جدّاً، ولكنّه في الوقت ذاته ذو تأثير سيّء مضادّ على البعض. فالإنسان
يرغب في الشهرة وحبّ الذات، وهي طبيعة بشريّة لا خلاص له منها، وإن كان الأفراد يتفاوتون في درجتها.
والمواقع الثقافية لعبت دوراً كبيراً في التغيير، إذ أتاحت الفرص في إبداء الرأي بحريّة كاملة دون المرور
برقيب أو محاسبة الذات، وإن كان بعضها رقيباً على ما يُكتب، فيمنع ما لا ينسجم مع خطّه الأساسي ويُطلق
العنان لمن يسير في ركابه. وانقسم من يكتب إلى درجات ذاتِ تفاوت كبير جدّاً ، فهنا الذي يعرف ما يكتب لتمكّنه
من المعرفة في ذلك الموضوع، وهناك الذي لا يعرف حتّى كتابة جملة واحدة صحيحة! ولكنّ بعض المواقع ينشر له.
ثمّ إنّ من العارفين في موضوع معيّن يتدخّل في موضوع لا يعرف ألفه من يائه فيمزج بينهما ليرِيَ القارئ
المسكين إلمامَه بكلّ شيء كذلك البروفيسور الذي كتب عن مرض نفسيّ نفى أن يكون له جين وعلمي أنّه
لا يعرف ما هو الجين وما هي الدي. أن. أي. ولما كتبتُ مقالاً بيّنتُ فية أنّ لهذا المرض جيناً اكتُشف سنة
كذا واسمه كذا وتركيبه كذا ، لم يعتذر أو يشكر بل أغمض عينيه ومضى! وهذا لا يحدث في العالم الغربي الذي
نمنّي أنفسنا أن نكون مثله بحسناته ولا شغل لنا بسيّئاته.
ما يميّز الإنسان العربي المتعلّم (المثقّف!) وبخاصّة العراقيّ عن الإنسان الغربي هو التباهي والإفتخار بنفسه أو
بالآخرين وهو ليس بكفء. وهذا يذكّرني ببساطة العلماء الغربيّين كالبرفيسور هاوثورن مثلاً، نائب عميد
كلية الطب ورئيس قسم الكيمياء الحيوية في جامعة نوتنغهام البريطانية في السبعينات من القرن العشرين،
حيث نشر أكثر من 300 بحث في المجلات العلمية وهو يقول : إنّه لم يعمل شيئاً يُذكرْ! وكذا قال لي الدكتور جون ماير
في القسم المذكور (الذي رُقّيَ بعد ذلك إلى بروفيسور وصار رئيس القسم) إنّ الكيمياء الحيوية بحر عظيم
ونحن نسبح في بقعة صغيرة منه بالرغم من أنّه نشر حينذاك عشرات الأبحاث والدراسات التي تتطلّب (تفكيراً)
عميقاً وإنْ قال أحدهم له إنّه (مفكّر) فسيسخر منه! وهو الحال أيضاً مع الشعراء الأوروبيين الذين لمْ يُنعَـتـوا بصفات العظمة
والتبجيل والتفخيم وإضافة ألقابٍ غريبة عجيبة جنب أسمائهم ، مثل: الشاعر الشاعر ، النخلة السامقة، أسطون الشعر،
صنّاجة العرب والجبل الذي لا يصل إلى سفحه أحد والأيقونة التي لا مثيلَ لها ! وغير ذلك من أسماء مضحكة جوفاء!
وأعجبها أنْ يُنعَت شخص بكلمة (مفكّر) أو (مؤرخ) وهو ليس سوى مقـتـطفٍ جملاً من كتب المؤلفين
وآرائهم وتجميعها في مقال قد يسفّ فيه بعض الأحيان. أذكر أنْ كتب طبيب (اختصاص) مقالاً عن مرض
السكّر في أحد المواقع التي تنشر عبثاً واعتباطاً لأيٍّ كان، دون تمحيص أو تدقيق وتبيّن أنّ المقال مسروق
بأكمله من مركز أبحاث خليجي ومنشور في موقعه! وقد نبّهتُ صاحب الموقع إلى ذلك وأرسلت له نصَّ المقال المسروق!
فلماذا نُطلق على أنفسنا أو مَنْ نحبّ صفات العظمة!؟ أهوالفشل في الحياة! والتعويض عن هذا الفشل بصفات
لنقنع أنفسنا بأننا جديرون بها فيحترمنا الآخرون، أم هي النرجسيّة البغيضة الناتجة عن (عجز) ذلك الفرد
للوصول إلى هدفه الأصلي فيفتخر بما ليس فيه. والأعجب من هذا أنّ ذلك النرجسيّ يكره أيّ ناجح في الحياة
ويحاول جاهداً أنّ يُلحِقَ به الأذى أو يُلغيه من الوجود إن استطاع إلى ذلك سبيلاً، وهذا هو سرّ انحطاط هذه
المجتمعات وتخلفها عن اللحاق بالمجتمعات الغربية التي لا تأبه لهذه الألقاب الزائفة بل غايتها النجاح في الحياة
ونيل المراد وتشجّع الآخرين إنْ رأتْ فيهم مواهب خاصّة ولا تثبّط عزائمهم كما نفعل نحن غيرة وحسداً. ثمّ هل
من حقّ أحدهم أن يُطلق هذه الصفات والألقاب على الآخرين، وما هي (كفاءته) الثقافية ليحقّ له إطلاق مثل هذه
الصفات؟ هذه الألقاب أو الصّفات التي تتطلّب حتماً هيئة أو لجاناً متخصّصة لهذا الشأن لينال المعنيَّ بها شرف
حصولها بحقّ وجدارة . أم أنّه النفاق والمحاباة طبقاً لجدّنا الشاعر ابن شرف الذي قال قبل ألف عام كما ذكرنا أنفاً

فدارِهمْ ما دمتَ في دارهمْ...وأرضِهِمْ ما دمتَ في أرضِهِمْ
وبعد ذلك نقلب لهم ظهر المِجَنّ ونولغُ في ظهورهم المُدى إن اقتضتْ الحاجة إلى ذلك؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المترجم و الأديب دكتور بهجت عباس
عمّار المطّلبي ( 2017 / 5 / 26 - 07:52 )
المترجم و الأديب دكتور بهجت عباس:
الإنترنيت أبرز ما كان مخبوءاً ، و لم يخلقه .. و المسألة لا تتعدّى المجاملات المتبادلة الفارغة من أيّ معنى، حتى أنّ الكلمات فقدتْ تأثيرها منْ شدّة الابتذال، و باتت الألقاب عنواناً للوجاهة الاجتماعيّة لبعض النّاس .
مقالة رائعة .. تحيّة لكَ و لقلمك.


2 - أحلام ضائعة
بهجت عباس ( 2017 / 5 / 26 - 18:10 )
شكراً عزيزي القاصّ الأديب عمّار المطّلبي على حسن ظنّك وتقييمك الجميل. واقع الحال هو أنّ الأحلام لم تتحقّق في غابر الأيّام فاستعيض عنها بالألقاب والأوهام فكان الانشراح والابتسام! ولكن هل يكون هذا علاجاً مهدّئاً لما في النفس من هموم وأسقام؟ أرجو أن يكون ولن يكون. ودمتَ بصحّة جيدة وخير.
تحياتي

اخر الافلام

.. بدء التجهيز للدورة الـ 17 من مهرجان المسرح المصرى (دورة سميح


.. عرض يضم الفنون الأدائية في قطر من الرقص بالسيف إلى المسرح ال




.. #كريم_عبدالعزيز فظيع في التمثيل.. #دينا_الشربيني: نفسي أمثل


.. بعد فوز فيلمها بمهرجان مالمو المخرجة شيرين مجدي دياب صعوبة ع




.. كلمة أخيرة - لقاء خاص مع الفنانة دينا الشربيني وحوار عن مشو