الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مؤتمر المحامين العرب في دمشق و الواقع العربي -القروسطي

مفيد ديوب

2006 / 1 / 30
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


جاء انعقاد مؤتمر المحامين العرب في دمشق متزامن مع أزمة عنيفة يمر بها النظام السوري أثر الاشتباه به في اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق ,و أثر أحداث عنيفة وشديدة الخطورة مرت بها منطقة المشرق العربي بعد احتلال العراق و الحرب شبه الأهلية هناك. و الصراع الدامي في فلسطين و الوضع المتأزم في لبنان و المنطقة الذي ينذر بالانفجار باتجاه الخراب أو المجهول.
جاء المؤتمرون هؤلاء النخبة القانونية العربية, و تسربت بعد مجيئهم تصريحات رئيس نقابة المحامين العرب بأنه أخذ و عداً من الرئيس السوري بأنه سيطلق سراح السجناء السياسيين, و سيعلن داخل المؤتمر عن خطوات هامة في مجال الإصلاحات السياسية سيتم تنفيذها سريعاً في خطابه, و تبين أن حصيلة تلك الخطوات و تلك الوعود هي إطلاق خمسة معتقلين, و هذا ما كان متوقعاً من النظام السوري لمن يعرفه جيداً ، و خاصةً بعد زيارة محمود أحمدي نجاد الرئيس الإيراني قبل المؤتمر بيوم واحد وشحنة الدعم التي تلقاها منه .
لكن الأمر اللافت كان بما يخص المحامون المؤتمرون داخل القاعة و سلوكهم و من ثم بيانهم الختامي و الذي ( عكس حالة النخبة العربية )و تمثل بدعم موقف النظام السوري . و التصفيق الدائم و الهتافات المؤيدة و أشعار الفخار و التمجيد سواء بالمواقف من القضايا القومية و قضايا الأمة, أو بالموقف من الأمم المتحدة و المجتمع الدولي , أو بما يخص العلاقة المتردية مع لبنان, أو بالموقف من "الإصلاحات السياسية و الدستورية" و مكانة القانون في سورية التي ـ أي الإصلاح السياسي ـ لم تستحق أكثر من جملتين تبريريتين على رغم الوعود التي أخذوها منه قبيل المؤتمر .
يتساءل المرء إذا كان حال المحامون العرب و نقابييهم هكذا فما هو حال هذه الأمة و ما هو حال مستقبلها؟
لقد كان درس العراق بليغا وشاهد الجميع موقف الشعب العراقي الذي أوصله نظام الطاغية صدام حسين إلى حالة من الشلل وحالة المتفرج تجاه دخول الجيوش الغازية0 وبدا واضحا كم كان سقوط نظام الطاغية سهلا ويسيرا على الغزاة ولم تنفعه دعم المنظمات والنخب القومجية قبيل سقوطه تأييدا وحطابات وهتافات وشعارات وتصفيق 0 فهل هذه النخب التي حضرت مؤتمر المحامين العرب لم تقرأ الدرس ولم تفهم ما جرى رغم سطوعه وبساطته ؟ أو أنها لا ترغب بذلك ؟ أم أن تلك النخب اعتادت النفاق و الاستعباد ؟ فهي تصفق للحاكم أيا كان وفي أي مكان وزمان ودون أن تجرأ على قول الحق و الحقيقة ! 0
أم إن تلك النخب اعتادت على قبول الهزائم وإعادة إنتاجها بتبريرها بذهنية المؤامرة وبحجة المؤامرات الخارجية كي يتم تبرئة الذات المهزومة من عيوبها ونقائصها وعوقها الداخلي وتريح العقل البليد المهزوم من البحث عن تلك العيوب والمشكلات وإيجاد الحلول لها, وتعويض ذلك كله بمزيد من طقوس العبادة أو طقوس الاستعباد للحاكم والتصفيق له 0
لقد كانت أهمية المؤتمر متأتية من تزامنه مع خطورة اللحظة التي يتعرض فيها الوطن إلى ضغوط خارجية كبيرة وبالوقت ذاته ما يتعرض فيها النظام السياسي ومن الآلية المقتصرة فقط على أجهزته الأمنية التي يدير فيها النظام هذه الأزمة دون أي اعتبار للشعب أو مصالحه وحقوقه, أو إجراء المصالحة معه والاعتماد عليه في تشكيل قوة ممانعة فعلية لتلك الضغوط 0 ومن هنا يكمن دور المحامين العرب ( الافتراضي) في هذه اللحظة: ممارسة التأييد المشروط بإجراء هذه الإصلاحات الإنقاذية للوطن ولمشروع المقاومة 0 حيث كان من المحتمل أن يستجيب هذا النظام نظرا لحاجته الاضطرارية لهذا التأييد في ذروة أزمته 0إلا أن التأييد والدعم من المحاميين جاء دون أي اهتمام جدي بهذه الشروط والأسس ! 0
تتفهم الشعوب دعم الأنظمة لبعضها في أوقات الشّدة , وتعتبر ذلك أمرا طبيعيا يحصل بين من تجمعهم مصالح مشتركة,لكن عندما تدعم المنظمات النقابية الحقوقية والقانونية نظاما صادر القانون والحقوق في بلده فهذا أمرا غير مفهوم ولا يجد قاعدة للتفسير سوى ضمن سياق الاتجار بمصير بلد وشعب ,من أجل إرضاء ذوات المهزومة ومشاريعهم الواهمة 0
وكما أن المشكلة في هذه النخبة وفي ثقافتها وفي أمراضها النفسية , فالمشكلة أيضا في النخب السياسية الواهمة التي تتعاطى مع هذا الواقع تعاطيا نظريا فحسب, مرتكزة على قواعد ومنطلقات نظرية سادت في العقود الخمسة المنصرمة وعهود الحرب الباردة, وما تزال سائدة في ذهنية النخبة بالرغم من فشلها الذريع , وهي فرضيات نظرية تحتاج إلى برهنة, وبقاء هذه القواعد والمنطلقات في حيّزها النظري الصرف, وعدم ملامسة هذا الواقع وفهمه بصفته واقعا موضوعيا مستقلا عن الإرادات والرغبات ,بل بالعكس حاولت تطويّع هذا الواقع قسرا مع منظوماتها ومعتقداتها, في حين كانت تعزي أسباب الصعوبات والممانعات التي تواجهها في الواقع إلى أسباب أخرى غير الأسباب الفعلية الموجودة في تلك الذهنية وتلك المعتقدات النظرية التي تحملها , لذا كنا نجدها تتخبط وتنتقل من حفرة إلى أخرى دون أن تجرؤ على المسّ بالخطوط" المقدسة" وإجراء المراجعات النقدية لها, لذا يصفعنا الواقع صفعات مؤلمة عندما نشاهد نخبة المحامين العرب في هذا المشهد المضحك المبكي ليقول لنا إنكم حالمون وواهمون إذا كنتم تتوقعون من نخبكم ومن أمتكم كلها أن تكون بحال أفضل من هذا الحال!0 وعليكم أن تعيدوا طرح وصياغة الأسئلة عن كل شيء وعن أسباب ذلك أيضا , وعن جذور هذا " العطل العميق" حسب تعبير ( د0جابر الأنصاري ) 0
وأعتقد بأننا لن نجد الأجوبة على تلك الأسئلة سوى في الثقافة المعاقة ,وفي ظروف وشروط " القرون الوسطى" التي نعيشها وتتمسك بها شعوبنا وتحافظ عليها ونقفز نحن من فوقها 0 وهذا ما يستوّجب من المتنطحّين للمهام " التقدميّة" تغيّير اتجاه جهودهم باتجاه التعاطي الإيجابي مع واقع (القرون الوسطى) الذي نحن فيه, أملا بالانتقال منه إلى شروط أفضل بأقل الأثمان خسارة 0








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اليمن.. حملة لإنقاذ سمعة -المانجو-! • فرانس 24 / FRANCE 24


.. ردا على الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين: مجلس النواب الأمريكي




.. -العملاق الجديد-.. الصين تقتحم السوق العالمية للسيارات الكهر


.. عائلات الرهائن تمارس مزيدا من الضغط على نتنياهو وحكومته لإبر




.. أقمار صناعية تكشف.. الحوثيون يحفرون منشآت عسكرية جديدة وكبير