الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التيه ، رواية ، الجزء السابع

محمد شودان

2017 / 5 / 26
الادب والفن


بعد نصف ساعة، كانا في البيت عند إدريس، فتح هاتفه الذي تركه خلفه ولم يحمله إلى الماخور تفاديا للمشاكل، فتحه فوجد ست مكالمات فائتة وثلاث رسائل، وكلها من قبل فاطمة، لم يقرأ ولا واحدة منها، لأن أحمد كان يتحدث عما حصل، وكان يضحك على غير ما تعوده منه؛ كان الضحك يخالط كلامه ما جعله ينقطع عن الكلام أحيانا ليمسح دموعه، وفي تلك الأثناء كان إدريس منشغلا بنزع ملابسه الخارجية وترتيب مرقده، إلا أنه انفجر ضاحكا حين قال أحمد متهكما:
ــ لم تختلفا إلا في تحديد وجهة رأس القضيب، هو يريد منك طعنة من الخلف، وأنت تريد نزع أحشائه من القُبُلِ.
ثم أردف:
ــ هل تعلم؟ ذلك الذي دخلت معه هو نفسه الذي يغسل السيارات قرب سوق الخضر، ستجده في الموقف؛ بيده إسفنجة وسطل ماء، وهناك أيضا يصطاد زبناء له، منهم عدد جم، أعذرني يا أخي فقد نسيت أن أنبهك.
ــ ما ظننت منك هذا كله!، كل من رآك من بعيد إلا وحسبك درويشا، وأنت، ضربتك لا يثار لها غبار. لقد تورطت، لكن لا بأس، كان الذنب ذنبي، فأنا من رفض التي قامت لأجلي، ثم أضاف بنبرة خاشعة: أخشى أننا نرتكب خطايا لا تغتفر، إن الزنا من الكبائر يا صديقي.
ــ انس الأمر، إن الله غفور رحيم، وبالمناسبة لقد دخلت في الأخير مع التي رفضت في البداية! صدق فيك المثل السائر"لا بد لكل من ينفخ في اللبن أن يشتاقه".
ــ لقد كانت طيبة، أو، ربما بدت كذلك لأن الحشيش قد بنجها، لا بد أنهن لا يتعاطين المخدرات إلا لينسين الواقع، أو ربما ليتمكنَّ من التكيف مع الحياة في ذلك المبغى وظروفه، وروائحه التي تشبه ال...
أفٍّ، لقد سبق لي أن خرجت مع عاهرات، هناك في فاس، كنا نلقاهن في المقاهي، أو في بعض الساحات، وأحيانا كنا نسافر لأجلهن إلى مدينة الحاجب أو إيموزار، ولكن، مثل هذا العفن لم تر عيني قط.
ــ ظننت أني سأسعدك بهذا، كما أسعدتني بشراء الكتب. ولولا ذلك لما ورطت نفسي في هذا ال... ثم نظر إليه من تحت عينه، وتابع:
لم أذق مثل فرحة هذا المساء، إلا يوم سمعت خبر ولادة ابنة لي... ثم طأطأ رأسه، وسبح في صمت رهيب، ولم يشأ إدريس أن يزعجه فتركه كما هو، ثم أسند ظهره على وسادة، وفتح كتابا فغرق فيه ونسي كل شيء.
طالت مدة بقائهم على تلك الحالة؛ أحمد منكس رأسه على طرف اللحاف، و إدريس منغمس في كتابه، ولم يخرجهم من الصمت إلا رنين الهاتف.
لقد كانت فاطمة، فهمَّ أحمد بالخروج لو لم يمسك إدريس بيده وهو يرد على الهاتف، وما إن أنهى مكالمته معها حتى أطلع صديقه أنها خاطبته لتطمئن عليه لا غير، وأنها سألته إن كان قد قرأ الرسائل، فأجاب بنعم، رغم أنه لم يفعل.
ــ هل أنت واقع في الحب؟
ــ ربما، ولأجل ذلك سألتك ذلك السؤال قبيل خروجنا إلى الرباط، إذن وبما أنك قد فهمت الآن ما كنت أقصد، هل لك أن تخبرني؟
ــ بم سأخبرك؟ لا شيء يستحق، ولكن كن حذرا من لدغات النساء.
ــ قلت قبل قليل إن لك بنتا، ووعدتني قبل عودتنا من الرباط أنك ستحكي لي من أمرك، وها أنا ذا كلي آذان صاغية.
ــ سوف لن تصدق، وأنا بدوري لن أفتح باب جحيمي ذاك، أقلها الآن، وأرجو أن تعذرني.
عاد إلى أحمد شحوبه بعد أن أنهى كلامه، فقام من مجلسه، وخرج دون استئذان.
فتح إدريس الهاتف، وقد عز عليه الحال الذي آل إليه صديقه، فلم يشأ أن يزعجه بأي سؤال آخر، ولا حتى دعوته للبقاء، واطلع أول مرة على الرسائل:
"لو عدتم باكرا، أريد أن أراك" "غدا الجمعة، سوف أبقى في البيت" " نخرج معا غدا؟ إلى البحر إن شئت"
أغراه الخروج إلى البحر، ولأن السوق يوم الجمعة يَنْفَضُّ قبل وقت الصلاة، فليخرجا إذن، رغم أنه لم يخرج ولا مرة في حياته مع امرأة، وإنها لمغامرة لا بد ممتعة.
كتب رسالة قصيرة جدا" موافق، ليلة سعيدة" ثم تمدد في فراشه، فسرت فيه رعشة لذيذة، وغاب عما كان يقرأه؛ استرجع بخياله لحظات كان فيها بين أحضان تلك العاهرة، فآلمه اسم عاهرة، وخاطب نفسه ناهرا إياها:
ــ من أخبرك أن جدتي لأبي لم تكن كذلك؟ ربما حملته من أحدهم في لحظة متعة كتلك الذي قضَيت، أو في وقت شدة وحاجة كالتي تدفع أغلب الفقيرات إلى هذا العالم الوسخ؛ ومن يدري؟ لا بد أنهن لم يلجن هذه المهنة إلا اضطرارا ماديا، أو طلبا للمتعة، أو تيها بين العوالم، وربما لا هذا ولا ذاك، إذ لا بد أن هناك أسباب ودوافع أخرى، فما بال ذلك الشاذ؟ لقد كان... كأنه يستمتع، فلو كانت الفاقة هي الدافع، لا، لَا، محال؛ أعرف رجالا يخطفون قُوتَهم من أنياب الأفعى.
وتلك العاهرة، كم كانت رائعة؟ وجدت فيها غزارة الحب ومتعة الجنس ودفء الحنان، لقد كانت تتلوى من تحتي، وهي تتعلق بعنقي فلم أتطلع إلى أسنانها، لقد كنت غائبا عنها فيها، وكنا تائهين معا في دروب المتعة والظلام.
ولما تذكر هذا، عاوده الحنين فقام من مرقده، وقصد أحمد رأسا فوجده جالسا القرفصاء، لكنه لم يحدثه في أمره؛ ليس احتراما لمشاعره، ولكن لانشغاله باللذة التي تملكته تلك الليلة.
ــ أخي أحمد، أريد تلك العاهرة، الليلة، وأرجو أن تطلبها لي إن كان معك رقم هاتف تلك اليمنى؟ أو رافقني إلى الماخور رجاء.
ومن دون أن ينبس بكلمة، أخرج هاتفه، فأدار مفاتيحه بلمسات من إبهامه، وما هي إلا ثوان معدودة حتى كان الرنين يصل أذن إدريس فبدأ قلبه بالخفق لما سمع صوت تلك المرأة ذات الشارب قادما كأنها تتكلم خلف أذن أحمد.
ــ صديقي يريد نعيمة الليلة، أرسليها رجاء، إن لم تكن مشغولة طبعا.
ثم أردف بعد سماع ردها، والذي كان قد سمعه إدريس وتيقنه:
ــ قلت مائتي درهم؟
ثم هز حاجبه نحو إدريس، ولما رآه يحرك رأسه موافقا، أكد لها الطلب والموافقة على الثمن.
كان إدريس غارقا في سابع نوم لما دُفِع عليه باب غرفته بقوة، ففتح عينيه ليرى مي طامو واقفة عند مصراع الباب، وقد تكلل وجهها بأشعة الشمس فبدت أوداجها منتفخة من الغيظ، التفت جانبه متحريا فوجد المكان فارغا، لكن، كان من الواضح أن أحدهم قد شاركه الفراش، أو بعبارة أدق إحداهن، صحيح أنه ما من جريمة كاملة، ولكن الذي حيره أكثر، هو أنه قد صرف نعيمة مع أول انبلاج للنهار، وأن لا احد رآه، فمن أين بلغها الخبر؟
سألها متغابيا إن كان قد طرأ طارئ؟ فأجابته فورا:
ــ أنا لست غافلة كما تظن، وإن غفلت عيني، فالدنيا كلها عيون، ثم أردفت بحزم: اترك البيت آخر الشهر.
استدارت بعنف عائدة أدراجها، وقد تركت الباب مفتوحا، ثم عقبت وهي مولية ظهرها له:
ــ أنت ومعقوف الظهر صديقك. قالت كلاما كثيرا غير ذلك، ما أكثر ما قالت!.
وقف أحمد عند باب جاره عقب انصراف مي طامو كأنه كان خلفها، مما يدل أنها قد واجهته عينا لعين لما دعته معقوف الظهر، ولكنه رغم ذلك، لم ينبس ببنت شفة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا