الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما هي السيناريوهات الأردنية بعد فوز حماس؟

باتر محمد علي وردم

2006 / 1 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


لكل زلزال موجات ارتدادية لاحقة، والزلزال السياسي في فلسطين لم ينته بموجة تسونامي حماسية عملاقة أطاحت ليس فقط بحركة فتح بل بكل التيار الديمقراطي-العلماني في فلسطين، ولكن ستتبعه موجات ارتدادية سنشهد أولها في الأردن بحكم الجوار الجغرافي والتوأمة السياسية.

توجس سياسي حقيقي أبدته الحكومة والإعلام الرسمي نتيجة فوز حماس، وتوجس فكري واجتماعي أبدته القوى السياسية غير الإسلامية في الأردن نتيجة خشية امتداد الموج الإسلامي السياسي شرقا، وتوجس اقتصادي قد يظهر بوضوح في أسواق الأسهم والقطاع الخاص والبنوك والتأمين خلال أيام بعد تجاوز العطلة الطويلة بعد منتصف الأسبوع.

تجد الحكومة نفسها في موقف استراتيجي يتطلب الكثير من الحرص في التحليل واستشراف المستقبل. ففي سياق التعاون السياسي المباشر تجد الحكومة أنها فقدت الشريك في فتح والذي طورت معه لغة تفاهم مشتركة ضمن سياق العملية السلمية، وستجد نفسها أمام حكومة جديدة بخطاب مختلف جذريا على الأقل في الأيام الأولى، وهذا ما يعني ضرورة فتح قنوات اتصال سريعة ومستدامة مع حكومة حماس والوصول إلى فهم حقيقي لأجندة الحكومة الفلسطينية الجديدة وتأثير ذلك على المصالح الأردنية المرتبطة تماما بآلية حل، أو تصعيد الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.

ولكن هناك ما هو أبعد بكثير من إطار العملية السلمية، فالحكومة ستجد نفسها أمام امتداد سياسي كبير لحركة حماس، بحكم الارتباط العضوي المباشر والواضح بين حماس وجبهة العمل الإسلامي في الأردن، ولأول مرة منذ عقود ستجد حكومة أردنية نفسها في مواجهة "حزب معارضة" يجد له سندا في حكومة دولة مجاورة. أن العلاقة الأخوانية-الحماسية ستكون لها تأثيرات واضحة على السياسة الأردنية أكبر من العلاقة البعثية الأردنية مع أنظمة الحكم في سوريا والعراق، ففي حالة حماس هناك تأثير سياسي وفكري وديمغرافي كبير للتآخي الأخواني-الحماسي والذي قد يتجاوز التنسيق في الشؤون الفلسطينية إلى التأثير في السياسات الأردنية.

لدينا خشية حقيقية، تبدو شبه مؤكدة بأن فوز حماس الكاسح في الانتخابات يعني تجميدا مرحليا، وربما طويل الأمد لعملية الصلاح السياسي في الأردن. أن الصورة واضحة في العالم العربي، حيث بدأت تتشكل من القطع الصغيرة في انتخابات العراق وفلسطين، فإعطاء المجال أمام المواطنين للتصويت الحر في سياق معادلة ما بين "حزب السلطة" بتلاوينه المختلفة وما بين الحركات الإسلامية يعني فوزا مباشرا للتيارات الإسلامية، ليس فقط بسبب استثمار التدين والمشاعر الدينية الشعبية ولكن بسبب ممارسات غير مقبولة من السلطة في بعض الدول تجعل خيار الإسلاميين مفضلا لجمهور الناس، ولو من أجل التغيير فقط.

يمكننا إذا أن نقول بأن الجدل حول قانون الانتخابات سيصب الآن بقوة لمصلحة الداعين إلى الإبقاء على القانون الحالي كخطوة احترازية لمنعه تكرار ما حدث في فلسطين، وبالرغم من أن الديناميكية السياسية والاجتماعية في الأردن لا يمكن أن تعطي المجال لفوز إسلامي شبيه بما حدث في فلسطين، فإن ارتفاع الروح المعنوية والتنظيمية للأخوان المسلمين في الأردن بعد فوز حماس يعني المزيد من المقاعد في الانتخابات النيابية والبلدية ربما تصل إلى حدود النصف بقليل وتجاوز حاجز الربع الذي تعودنا عليه في السنوات الماضية. ولكن هذه الحجة ستكون في غاية القوة بالنسبة للقوى السياسية الأردنية المؤيدة للإبقاء على القانون الحالي، بينما سيكون هناك تردد كبير من القوى الديمقراطية والعلمانية والليبرالية واليسارية التي تطالب بنظام القوائم النسبية، فخيار فوز الإسلاميين لا يبدو مغريا أبدا لهذه القوى.

ومع ذلك، فإن العامل الحاسم سيكون في أداء حماس كحكومة وليس كحركة مقاومة دينية. أمام حماس خيارين أولهما الإبقاء على صلابة الموقف الإيديولوجي في رفضها التام لوجود إسرائيل والتمسك بالكفاح المسلح وتحرير فلسطين من البحر إلى النهر، أو التوجه نحو الاعتدال والموافقة على بدء عملية تفاوضية مع إسرائيل تدريجيا ومن خلال "نقطة تراجع أولية" وهي الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي على عدم الدعوة إلى تدمير إسرائيل ولكن الإبقاء على موقف سياسي صلب في التفاوض، ولكل سيناريو انعكاساته على الأردن.

في الحالة الأولى، سيكون التأثير المباشر الأول للموقف المتصلب هو حالة عزلة اقتصادية وسياسية سيعاني منها الشعب الفلسطيني بسبب توقف المساعدات الدولية وتراجع الاقتصاد والارتباك السياسي الداخلي وتنازع الفصائل واستمرار تدهور الوضع الأمني وتوجه إسرائيل نحو الانعزال من طرف واحد عن الاقتصاد الفلسطيني، وحسب المعادلة السياسي-الاقتصادية المعروفة فإن أي معاناة اجتماعية واقتصادية وأمنية فلسطينية تعني مزيدا من الضغوط على الأردن. وهذا لا يعني فقط خطورة عودة التهديد بالوطن البديل بل أيضا ضغطا دوليا على الأردن للدخول في عملية تفاوض فلسطينية- إسرائيلية ولعب دور سياسي، وربما أمني في الضفة الغربية كبديل في حال عدم وجود "شريك فلسطيني" وهذه مقامرة في غاية الخطورة ولها نتائج كارثية.

وبالإضافة إلى ذلك فإن المعاناة الاقتصادية والأمنية وتدهور العملية السلمية يعني مزيدا من التطرف والاستقطاب في الشارع الأردني السياسي وخاصة من قبل الأخوان المسلمين، وهذا يعني أيضا مزيدا من التنازع السياسي في قضايا التطبيع، وتراجع تام لعملية الإصلاح السياسي في الأردن انتظارا لوضوح الموقف السياسي وعدم رغبة في تنظيم انتخابات وتعزيز الحريات السياسية في مناخ "حماسي" بامتياز.

أما في حالة توجه حكومة حماس نحو سياسة معتدلة بالنسبة لإسرائيل والعملية السلمية برمتها، فهذا يعني تداعيات مزدوجة ايجابيا وسلبيا. من الناحية السياسية يعتبر جلوس أي مفاوض من حماس إلى جانب شخصية سياسية إسرائيلية كسرا لقاعدة طويلة وخطيرة من رفض التطبيع والتسوية، وهذا يعني من الناحية السياسية إسقاط أكبر حجة سياسية يستخدمها التيار الإسلامي في الأردن ضد الداعين إلى التفاوض مع إسرائيل. بالطبع سيكون هناك مبرر سياسي وديني للتفاوض الحماسي-الإسرائيلي ولكن ستجد تنظيمات التيار الإسلامي نفسها "مجردة" من أهم حجة وقيمة مضافة تملكها في مواجهة التيارات اليسارية والديمقراطية والليبرالية وبالطبع الحكومة والتي تشكل هدفا رئيسيا لنقد التيار الإسلامي، والتي تصل إلى مرحلة المطالبة بمحاكمة وزراء نتيجة جلوسهم من وزراء إسرائيليين في إفتتاح مشاريع مشتركة، وهذا ما سينتهي تماما فور مشاركة وزير من حماس في إفتتاح محطة تنقية مياه أو شبكة كهرباء مشتركة مع إسرائيل.

ولكن تبقى هناك مشكلة فكرية وايديولوجية في هذا السياق، ففي حال توجه حماس "لتحقيق تنازل" سياسي في التفاوض مع إسرائيل فإن عليها أن تحافظ على الأقل على جزء من الوعود التي وفرتها للشعب الفلسطيني تمهيدا للانتخابات القادمة. وفي حال وجدت حماس أن محاربة الفساد في السلطة الفلسطينية سيكون أصعب مما توقعت، وفي حال فشلت في تحقيق إصلاحات اقتصادية سريعة فإن البديل الوحيد سيكون العمل بشدة على "تطبيق مبادئ الشريعة" في الأحوال الاجتماعية مثل فرض الحجاب أو غير ذلك من التوجهات الاجتماعية والتي سوف تمتد إلى الأردن أيضا وتجد مقاومة من قبل أصحاب التوجهات الاجتماعية التقليدية في الأردن وكذلك أصحاب التوجهات العلمانية، مما سينذر بأول مواجهة اجتماعية دينية في الأردن والذي بقي دائما قادرا على تحقيق التوازن في قضايا النظام الإجتماعي والأخلاقي الذي تطالب به التنظيمات الإسلامية.

من الصعب الحديث بدقة في هذه المرحلة المتقدمة عن السيناريوهات التفصيلية لتأثيرات فوز حماس على الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في الأردن، ولكن المطلوب على الأقل دراسة كل الاحتمالات الممكنة والتكيف معها احترازيا بما لا يؤثر سلبيا على طموحنا في عملية إصلاح سياسي حديثة، خاصة بعد رؤية الأشقاء الفلسطينيين وهم ينتخبون بحرية تامة حتى لو كانوا تحت الاحتلال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لأول مرة منذ 7 عقود، فيتنام تدعو فرنسا للمشاركة في إحياء ذكر


.. غزيون عالقون في الضفة الغربية • فرانس 24 / FRANCE 24




.. اتحاد القبائل العربية في مصر: شعاره على علم الجمهورية في ساب


.. فرنسا تستعيد أخيرا الرقم القياسي العالمي لأطول خبز باغيت




.. الساحل السوداني.. والأطماع الإيرانية | #التاسعة