الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصانع تدوير الأزمات

حسين محمد العنگود

2017 / 5 / 27
الارهاب, الحرب والسلام


من المؤكّد ان الارهاب ،بمعنى اوسع للكلمة،قديم قدم الانسانية نفسها،فقد كان البشر يقتلون ويسلبون بعضهم بعضا منذ فجر التأريخ.ويعود الارهاب بمعناه الاكثر خصوصية ،الى حقبة ماقبل العالم الحديث.ففي تلك الحقبة ظهر مفهوم المقدس الى الضوء،وكانت فكرة الارهاب ،بنحو مرجّح،وثيقة الصلة بفكرة المقدّس الغامضة،هذا مايقوله صديقنا صاحب الذهن المتّقد الاستاذ تيري ايجلتون، الى ان يصل :فالمقدّس خطير،اذا وضع في قفص ،بدلا من علبة زجاجية (1).
فالارهاب عندما ينغمس في المقدس ،يغادر تدريجيا كل مايتعلق بالعواطف والروابط الاجتماعية الاخرى، فهم غير متسامحون بشكل لايرحم مع اي شخص يحيد عن خطهم حتى وان كان منهم،لذلك هو يحث اتباعه على تمزيق البنى التقليدية للقرابة كأول أجراء للاشتغال على المنطقة المتحجرة من القلب ،وهجر المنطقة الرخوة بعزم واصرار ،حتى يبلغون مرحلة تبدوا فيها حياتهم الجديدة معادية لقيم الأسرة بنحو جليّ،وقد بدا هذا جليا عبر مشاهداتنا لمظاهر العقاب التي كان ينتهجها عناصر التنظيم المتطرف بأنفسهم تجاه اعضاء اسرهم الذين يناوءون افكارهم،وهو مثال توضيحي اكثر درامية للطرق التي يتم سلكها حاليا من لدن الارهابيين،وقد شاهدنا ايضا كيف يقتص التنظيم من اتباعه الفارين من المعارك .كل ذلك يدفعنا للتفكير بآليات جديدة وغير مألوفة للتعامل مع هكذا اخطار ،واول خطوة يجب علينا ان نسلكها هي اقناع انفسنا وبجرأة بالغة ،ان مايجب فعله بالضبط :هو الاتجاه مباشرة الى النبع الذي تنحدر منه تلك السلالة التي قررت ان تبيدنا نهائيا،الاتجاه الى النبع لمعرفة الاسباب التي انضجت افكار هذه الجماعات والانقضاض عليها هناك،ردم النبع نهائبا ،دون الانشغال بالجداول التي تتفرع منه،هذا مايجب علينا فعله بالتحديد.
من اكثر النزاعات المسلحة خطورة عندما تخوضان انت وخصمك قتالا بالشروط نفسها وبالروح نفسها،وهذا مايتم انتهاجه من لدن جميع التحالفات الدولية واذرعها المحلية ،فيما يدور الجميع في فلك بعضهم بعضا، دون اشارة تطمينية تقنع العالم بحل قريب ونهائي واكيد،فمايتم التركيز عليه بدقة هو فكرة الرد فقط ،حتى تحولنا الى مجموعة رعاة يمسكون بالبنادق منتظرين لحظة انقضاض الذئب على اغنامنا لنقتله!اننا نستعير سلوكيات اعدائنا دون ان نعترف بذلك ،نتعلم منهم طرق الفتك والابادة ونرفق ذلك بخطابات متشنجة دون ان نعي مرة واحدة ان ذلك تحديدا ماكان اعدائنا انفسهم يحلمون بتحقيقه،ذلك انهم يعلمون جيدا ان ذخيرتهم لابد ان نتفذ عبر المعارك الاستنزافية اليومية،ويعلمون ايضا ان ذخيرتهم الحقيقية بعد نفاذ ذخيرتهم الحديدية،هي انغماس الناس بالفوضى والفتن والانتقامات ،وها نحن نقدم لهم تلك الذخيرة الستراتيجية بكرم بالغ عبر سلوكياتنا وخطاباتنا التي تحفز على العنف والارهاب اكثر مما تقيده،وهكذا يبدو القانون والجريمة محبوسين داخل تواطؤ مهلك، وكما يقول ايجلتون أيضا :المستبد والمتمرد هما واحد (2)!
لايبالي التحليل الشفاف الرصين بالآراء الأعتراضية الخالية من العمق،مهما أشمئزت دكاكين التحليل الحديثة من سماع ذلك،فماهو صادم فيه ،هو التجرد والموضوعية الكاملين وهو الدقة والامانة الرفيعين ،وهو ليس نقيضا او خصما لأراء الآخرين ،انه مكرّس للنخبة التي استوطنت اعشاش النسور نائية بنفسها عن النهيق والنعيق اليومي المبتذل والذي كان شريكا في ديمومة الكارثة التي لم تخلف الا هدرا يوميا بالدماء والاموال !فهل فهمتم ماأقول!!
يرى فرويد ان هناك شيئا ما يعيق الذات على نحو مثير للفضول عن مهمتها في صناعة التاريخ، وهو ينشأ من قوى قادرة باستمرارعلى ان تغرق التاريخ دن ان تترك له أثرا. لقد حذرنا كثيرا من مغبة الاستمرار بنهج عدم الاصغاء الذي ينتهجه اؤلئك الذين تحدث عنهم السيد فرويد،هذا المنهج الخاطيء الذي كما قلنا في تحذيراتنا سيودي حتما لانفلات العف من عقاله ،ولقد حدث الذي كما نخشى حدوثه ولم يبق لدينا شيئا نقوله للحالمين والعتاة معا باستثناء وصية خالدة نأمل ان يصغوا لها جيدا فعلى الحالمين ان يتمنطقوا بمسدساتهم على الدوام لكي يجابهوا خصما وهميا مستعدا لاستلال مديته والانقضاض عليهم ايضا على الدوام اما العتاة فان عنادهم المشيد على ضغائن قديمة تجاه أولئك المختلفين عنهم عقائديا هو الذي اوقعهم وأوقعنا في ورطة أزلية لايعرف احدا متى تنتهي!
في حقل التعريفات لابد لنا ان نتوقف قليلا عند صديقنا القديم ايجلتون(هناك عنصر من اختلال الحواس أو عنصر أرهابي في نمط السياسة الذي يغوص عميقا عبر طبقات كاملة مترسبة من العادة والتراث بغية تحقيق غاياته، فهو يكافيء تدمير مدينة من أجل انقاذها)(3) يسميها ايجلتون (اخلاقية اللاتكافؤ) تلك الناتجة عن التمرد على القيم التبادلية للعدالة (فالعدالة انما هي مسالة تحقيق تكافؤ أو تبادل منصف ،منطق ثأري يأبى الفائض في العقاب او التفاوت بين الجرم والجزاء) (4)من خلال الامتناع عن الرد بالطريقة نفسها ، اذن الحل الوحيد هو الاعتراف بان العدالة هي الواقي الوحيد من الارهاب وتتفق الاديان الثلاثة على التأكيد على هذا النمط من العدالة. لكن البركة الآسنة التي خضنا في غمارها جميعا غير محاطة بمرسى يمكننا الرسو فيه،فتحن ،وبشكل اكثر وقاحة ،لازلنا نخدع انفسنا بان لاسبيل للنجاة الا عبر الاستمرار باطلاق الرصاص بكل الاتجاهات وحقن عوائل ضحايانا بنفحة مقدسة فيما نتناقص بشكل تدريجي ،حتى صارت العذابات التي نكابدها يوميا ،شرطا مسبقا لأجل استمرارنا بالحياة وقد كتب علينا ان نظل مسكونين بالشقاء الذي نجم عن خضوعنا الارادي او الاارادي لرغبات اؤلئك اللذين كتب علنا بضربة حظ سيئة ان نشهد ولايتهم علينا وبتأييد دولي.

يبدو ان امريكا راغبة بالغوص مرة اخرى في اوحال العراق من خلال دعمها للزعماء المحليين التي يتم انتقائهم وفقا لتقييمها الفوضوي، دون الاستفادة من الخطا الذي اترف معسكرات داعش كسبب مهم يتلخص في نموالفساد المحلي،ويبدوا ايضا انّ امركيا أستهوتها فكرة هذا العقار المهدأ دون التفكير الجدّي بالتهام المضاد الحيوي أوالتطعيم ضد الوباء.كانت اسرار الزعماء المحلّيون (حراس الديمقراطية وذأئابها المفترسون)تطفح وتنسكب مجّانا على طاولات النوادي الليلة بعد الكأس الثالث، ،وكان الجميع يعرف حجم الفساد اليومي ابتداءا من أعلى هرم السلطة حتى أدناه،لكن الجميع يعوم في وهم المكسب الذي يعتقدون انه هو الترف الذي يجب السكوت عن كل باطل لأجله،انه وهم مكسب حرية التعبيرالذي تحول في مخيلة الاكثرية الى ترفا يشعرون ازاؤه انهم قد انتزعو حرية طالما حلمو بها، وقد تم استثمار ذلك الترف من قبل السياسيين كخيمة يتم تحتها مزاولة سرقة المال العام بشكل آمن وقد وضعوها كشماعة لتعليق كل الاعتراضات الشعبية على سلوكهم مثلما استخدموا الارهاب كغطاء لتكميم افواه المعترضين والخصوم على حد سواء.
وكحصيلة لهذه القراءة يبدوا (مرة ثالثة ) ان هناك عمل ضروس لاعادة تدوير الازمة بشكل اكثر بشاعة ،بعد ان تحولنا الى عمال مخلصين في معامل تدوير الازمات ،اما الحل الحقيقي الذي يتفق عليه الجميع وان لم يتاح لهم الجو المناسب للتصريح به ،فهو الّزج بجميع الوجوه المستهلكة - في العملية السياسية في العراق - في الحبس، ثم اجراء انتخابات نزيهة وجدية تحت اشراف اممي، او حكومة انقاذ !والاّ، فربما لن نستطيع بعد اليوم ،التجول في الاسواق دون حراسة مشددة خشية من الارهاب،ولن نجد واديا ننشا فيه مخيمات نزوح جديدة!


الهوامش:
(1) الارهاب المقدّس،تيري أيجلتون، ص6ترجمة اسامة أسبر،بدايات للطباعة والنشروالتوزيع،سوريا 2007
(2) المصدر نفسه،ص 2
(3) المصدر نفسه،ص 24
(4) المصدر نفسه،ص 27








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إدارة بايدن وإيران.. استمرار التساهل وتقديم التنازلات | #غرف


.. ناشطون يستبدلون أسماء شوارع فرنسية بأخرى تخص مقاومين فلسطيني




.. قطر تلوح بإغلاق مكاتب حماس في الدوحة.. وتراجع دورها في وساطة


.. الاحتجاجات في الجامعات الأميركية على حرب غزة.. التظاهرات تنت




.. مسيرة في تل أبيب تطالب بإسقاط حكومة نتنياهو وعقد صفقة تبادل