الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في نقد موقف المعارضة مما سمي حربا ضد الفساد

محمد محسن عامر

2017 / 5 / 27
مواضيع وابحاث سياسية




قد يحلوا للبعض دمج كل الوقائق السياسية داخل منطق المؤامرة تارة أو ضمن رفض كل شيئ من أجل ضمان موقف سياسي "ثوري" و " نقي" يكفيه مشقة المغامرة الواقعية غير معلومة النتائج . قضية محاربة الفساد في دولة سطرت العصابات و لوبيات المال تاريخه منذ عهد بورڨيبة حتى بن علي إلى حكومات بعد الثورة قضية محورية بل هي نقطة الإرتكاز لتحقيق أهداف الثورة و تفكيك بنية النظام المافيوزي القائم . الإنتفاضة تحركت ضمن محورين ؛ الأول البؤس الإجتماعي و الفقر الذي كرسه نظام عصابات الطرابلسية و المتحالفين معهم و الإستبداد السياسي لنظام بن علي المؤسس على قمع الحريات و منع التنظم و حرية الإعلام .
نهاية النظام في شاكلته النوفمبرية مكسب تاريخي للشعب التونسي فتح المجال أمام حرية الكلام و التنظم و تشكيل الجمعيات بالتالي خلق نسيج مدني ديمقراطي قادر على ممارسة ضغط مواطني و مهمة الرقابة على مؤسسات السلطة من السلطة التنفيذية حتى السلطة القضائية .
الواقع يبدى هنا؛ من الطبيعي أن القديم يستميت في الدفاع على أسباب وجوده إذ كيف يمكن أن نقوم بثورة و ننتظر أن تبقى الرأسمالية مكتوفة الأيدي أمامها ، فما بالك لو افتقدت قوى الثورة آليلت كسر النظام و التحول إلى قوة مهيمنة. من الطبيعي إذا أن تسعى القوى المتنفذة السابقة بكل ما لها من قوة للبقاء على قيد الحياة .هذا و هي تقابل نسيجا حزبيا ضعيفا غير قادر على كسر هيمنتها و قوى جديدة صاعدة مستعدة للمساومة و اقتسام السلطة .
سعت حركة النهضة أولا لاستيعاب رجال النفوذ و تنظيفهم في معبدها الأزرق مقابل اقتسام الإمتيازات الإقتصادية و الأهم التحول هي بذاتها إلى قوة نفوذ ترث "طبقيا " القوى السابقة عنها . هكذا تحولت حركة النهضة إلى محج لرؤوس الأموال الهاربين من إمكانية المسائلة حول تاريخ مافياوي مرتبط بنظام المخلوع .
صراع القديم الجديد الرجعي آل إلى توافق بين ما يسمى الدولة العميقة أي لوبيات الفساد السابقة ذات المصالح المتشابكة داخل الدولة و الإقتصاد و حركة النهضة المهيمن الجديد الذي فشل في ابتلاع نقاط ارتكاز الهيمنة الإقتصادية و السياسية لصالحه هو . إذا من الطبيعي أن تكون أولى مخرجات هذا التوافق إعلان براءة قانونية و أخلاقية للمفيوز الداعم لها و لهيمنتها السياسية .
لنتوقف هنا و نعود إلى الحدث الجديد و نربط الأحداث ، لماذا قرر يوسف الشاهد رئيس حكومة التوافق خوض معركة تطهير البلاد من الفساد الآن( بغض النظر عن واقعية هذه الحركة من عدمها طبعا و بغض النظر عن السيناريوهات الأخرى)؟ هناك عديد الإحتمالات وراء ذلك و لكن لنفكر واقعيا في أسباب هذا الإجراء :
أولا؛ لولا حركة الضغط الكبيرة التي مارستها القوى المدنية من أحزاب سياسية و حملات رفض مواطنية لمر قانون تبييض الفساد المسمى زورا " مصالحة" بدون أي مشاكل تذكر و لما وقع يوسف الشاهد في هذا الإحراج ، لذا لا يجب أبدا غض النظر أو الإستهانة بقدرة الإحتجاج السلمي المواطني على كسر حواجز الهيمنة للنظام الفاسد .

ثانيا ؛ احتجاجات تطاوين التي لامست ملفا محرجا جدا ألا وهو ملف الثروات فتحت الباب أما تطور متوقع لا يحمد عقباه بالتالي دفع النظام إلى حركة تطهير جزئية تطيح ببعض الوجه التي احترقت أوراقها .

ثالثا؛ و هو الأهم هذه الخطوة الأولى من نوعها مهمى كانت حدودها و جزئيتها اعتراف بصمت النظام عن الفساد سابقا و اعترافه النهائي به. هذا مكسب سياسي تاريخي يمكن البناء عليه في التشهير بكل بؤر الفساد و دفع النظام عبر الضغط إلى مكافحته .
لنرى المسألة الآن من زاوية أخرى ؛ هذه الخطوة كانت مربكة جدا للقوى المعارضة بتلويناتها و الدليل المواقف الملتبسة . نجح الشاهد في خلق دعم غير مسبوق لحكومته وضع مناوئيه في التسلل .أي التقدم و الدعم قد يدفع لمزلقات خطيرة لو ظهر ان هذه الحركة لها خلفيات أخرى ( سنتحدث عنها) او المعارضة و الظهور في موقع العدمي بل و المتخاذل . ممكن هذه نقطة تحسب للشاهد في هذه المرحلة من إدارته للحكومة .و لكن ..
قد تكون هذه الحركة ورقة من أجل كسر هيمنة طرف مافياوي على حساب آخر و هي تظهر في تلميحات عبد اللطيف المكي حول أن هذه الحملة تستهدف طرفا أو شقا في من بارونات الفساد(هذا ما يفهم من تصريحه الأخير) أو أن تكون مقدمة لتغطية قطيع الفساد الكبير عبر قصع بعض القمل عديم المعنى حتى ينجو الجمل بما حمل ..هذا وارد جدا .
كان يمكن بدل منطق"أخطى راسي و أضرب" أو التشكيك في كل أداء الحكومة (الذي يشك فيه جدا بالطبع) توريط السلطة و الإمساك بتلابيبها و الركض بها إلى الأمام عبر تجييش الشعب نحو حملة (لا مساندة شخصية لذات الشاهد) و إنما من أجل دفع الحكومة نحو مواصلة الحملة إلى أقصاها .فإن نجح ذلك ستكون بعد اعترافها الٱضطراري بالفساد في أكبر مسائلة شعبية في تاريخها و من هناك يمكن صياغة بنك أهداف جديدة سواءا في مواجهة الفساد او مؤسسة الحكم الحالية ذاتها.

نختم بالقول أنه لا طريق ملكيا نحو جمهورية ديمقراطية إلا في أذهان البعض . و لا يمكن انتظار موريسيو فونيس و جبهة فاراباندو مارتي للتحرر الوطني الإكوادورية او مادورو تونسي الذين يعاني حكمهما اليساري البوليفاري أزمات شتى في مواجهة الفساد .. إنما هي بكل بساطة دمج الممكن الواقعي مع الهدف الإستراتيجي ..و الإستفادة من كل نصر جزئي (إذا اتفقنا أنه نصر طبعا) من أجل المراكمة ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاتحاد الأوروبي.. مليار يورو لدعم لبنان | #غرفة_الأخبار


.. هل تقف أوروبا أمام حقبة جديدة في العلاقات مع الصين؟




.. يديعوت أحرونوت: إسرائيل ناشدت رئيس الكونغرس وأعضاء بالشيوخ ا


.. آثار قصف الاحتلال على بلدة عيتا الشعب جنوب لبنان




.. الجزائر: لإحياء تقاليدها القديمة.. مدينة البليدة تحتضن معرض