الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عروة بن الورد؛ أبو الاشتراكية المغبون...

هاشم عبد الرحمن تكروري

2017 / 5 / 29
الادب والفن


عروة بن الورد؛ أبو الاشتراكية المغبون...
لعل رد الحقوق إلى أصحابها في وقت متأخر خير من عدم ردها بحجة فوات الأوان، فنحن أمام شخصية تاريخية عُرف عنها الصعلكة والسطو، ولم يعرف عنها بين عامة القوم الكرم والجود وحُسن الخلق، والدعوة إلى المساواة بين البشر وحق الجميع بالتمتع بالحقوق على قدم المساواة دون أن يكون لزيد فضل على عمرو، وهذا من المثاليات المحملة بركب المستحيل، فكيف للبشر أن يقهروا جانب التفاوت والتفاضل بينهم وهم مجبولون عليه؟
وكيف لمن جمع مال وعدده أن يقدم لغيره منه ولو القليل؟
هذه الأسئلة بحاجة لبناء سلوكي قائم على الأخلاق والكرم ومحبة الغير للقيام بها، وهذا ما لا نجده إلاّ عند القلة القليلة، فما بالنا إذا كان المتوفر منه على كثرته قليل في بيئة طبعها الخشونة وضنك العيش، فنحن هنا أمام الجزيرة العربية قبل بزوغ فجر الإسلام، وتوزع جغرافيتها بين قبائل متعددة تحاول كل منها غزو الأخرى والبغيَ عليها، وكان التناطح بينها سمة مميزة لها، بل كان الأمر أبعد من ذلك فقد كان الكثير من القبائل تستعين بالروم والفرس على إخوانهم من القبائل العربية، فما نراه اليوم له جذوره التاريخية عند العربان قديماً، وما يقومون به ليس أكثر ممّا كان يقوم به أجدادهم قبل الإسلام، ومع هذه الصورة القاتمة لا نغيب بعض الشواهد الإيجابية مثل حلف الفضول وكرم حاتم وفارس مقالتنا "عروة بن الورد"، فمن هو هذا الفارس المغوار؟
هو عُروة بن الورد بن زيد، وقيل: ابنُ عُمر بن زيد بن عبد الله بن ناشب بن هريم بن لديم بن عوذ بن غالب بن قطيعة بن عبس بن بغيض بن الحريث بن غطفان بن سعد بن قَيس بن عَيلان بن مضر بن نزار، فهذا أسمه وهذا نسبه.
وهو شاعر مِن شُعراء الجاهلية، وفارس مِن فرسانها، وصعلوك مِن صعاليكها المعدودين المقدَّمين الأجاود، وكان يلقَّب بعروة الصعاليك؛ لجَمعِه إياهم، وقيامه بأمرهم إذا أخفقوا في غزواتهم، ولم يكن لهم مَعاش ولا مغزى، وقيل: لقِّب بعروة الصعاليك لقوله:
لحى اللهُ صُعلوكًا إذا جنَّ ليلُه مضى في المشاشِ آلفًا كلَّ مجزَرِ
يعدُّ الغِنى مِن دَهرِهِ كلَّ ليلةٍ أصابَ قِراها مِن صَديقٍ ميسَّرِ
وللهِ صُعلوكٌ صفيحَةُ وَجهِهِ كضَوء شِهابِ القابِسِ
وقد امتاز عروة بأنه أضفى على الصعلكة نوعًا مِن الاحترام والتقدير؛ فقد كاد يجعل منها تيارًا فكريًّا يُترجِم رؤيةً وفلسفةً خاصة في الحياة، تحلَّى بمكارم الأخلاق من سخاء، كما اضطلع بمسؤولية تفريج الكربات وضوائق العيش عن كل محتاج ألمَّت به الشدائد؛ من أجل ذلك قال فيه معاوية بن أبي سفيان: "لو كانَ لعُروةَ بنِ الورد ولد، لأحببتُ أن أتزوَّج إليهم".
فقد بنى عروة فلسفته على ضرورة أن يكون الجميع بنفس مستوى الحياة وأن لا يتفاضل فيها غني على فقير، ولأجل تحقيق إستراتيجيته تلك لجأ للغزو والسطو على الأغنياء أخذاً ممّا لديهم مقدمه للفقراء والمحتاجين، ولم يلجأ فارسنا لهذا الأمر لولا علمه المسبق أن الأغنياء لن يخرجوا عن جزء من مالهم إلا عنوة وعن يدٍ وهم صاغرون، وقد عدت الصعلكة في فترة من الفترات نوعاً من الضرائب على الأغنياء وقد ألمعت لذلك في كتابي الأسس الفلسفية للضرائب، وقد سار على دربه الكثيرين فيما بعد لعل أشهرهم في العالم الغربي روبن هود، ولو قلبنا بأفكار الاشتراكية بصورة من صورها لوجدنا أفكارها تدعو إلى ما دعا إليه عروة بفعله قبل قوله، وهذا يدعونا إلى النظر بعيداً عند بزوغ أفكاراً ومذاهب جديدة إلى المعين الأول الذي إرتوت منه وأخضرت أفكارها لا نسبة ذلك لمن نقب بالتاريخ واصطنع الأفكار لنفسه، فعروة أبا الإشتراكية القديمة والحديثة شاء من شاء وأبى من أبى، فليس في إظهار الأفكار دون توليدها فضل، والفضل يؤول إلى أهله، فما عاد الزمن يسمح بالتغافل والتغاضي، فاللص وإن إستولى على البيت يعلم في قرارة نفسه أنه ليس بصاحب حق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي


.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و




.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من


.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا




.. كل يوم - -الجول بمليون دولار- .. تفاصيل وقف القيد بالزمالك .