الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


امبريالية في عصر غير امبريالي

هشام القروي
كاتب وشاعر وروائي وباحث في العلوم الاجتماعية

(Hichem Karoui)

2006 / 1 / 31
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


يقول روبرت كوبر في كتاب "تحطم الأمم" إن القرن الجديد معرض لأن تسحقه الفوضى والتكنولوجيا، فهذان العاملان المدمران للتاريخ يمكن أن يعزز أحدهما الآخر. وقد خلقت القرون الماضية ذخائر على شكل تعصب وطني وأيديولوجي وديني تكفي لتوفير بواعث للتدمير. ويرى كوبر- وهو باحث ودبلوماسي بريطاني، كان أحد المستشارين المقربين من رئيس الوزراء توني بلير - أن انتشار الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل على السواء يشير إلى عالم تفقد فيه الحكومات الغربية السيطرة، إذ يمثل انتشار تكنولوجيا الدمار الشامل إعادة توزيع هائل كامن للقوة بعيدا عن الدول الصناعية والديمقراطية المتقدمة، ولصالح دول أصغر قد تكون أقل استقراراً وليس لديها إلا القليل لتجازف به في عالم يسوده النظام. وقد يمثل ذلك إعادة توزيع للقوة بعيداً عن الدولة نفسها لصالح الأفراد، أي لصالح الإرهابيين والمجرمين. وإذا كان مقدراً لمثل ذلك الانتشار أن يحدث، فلن تكون الحكومات الغربية فقط هي من يفقد السيطرة، وإنما جميع أولئك البشر الذين لهم مصلحة في عالم يسوده النظام.
هذه هي الإشكالية التي يرى كوبر أنها تطرح نفسها على العالم. وهو يشير إلى أنه في حالة سعي حركة أيديولوجية فيما مضى أن تكون مدمرة، فإنه كان يتعين عليها أن تكون واسعة الانتشار كي تحشد ما يكفي من الدعم لتولي السلطة، وربما كان يتعين أن تكون هناك مظالم حقيقية تبررها. ولكن من الآن فصاعداً سوف تتمكن جماعات صغيرة نسبياً من إحداث ذلك النوع من الضرر الذي لم تكن تسطيع تحقيقه في السابق سوى جيوش دول أو حركات ثورية رئيسية. إن عددا قليلاً من المتعصبين بحوزتهم قنبلة قذرة (قنبلة إشعاعية) أو أسلحة بيولوجية سيكون بمقدورهم إحداث وفيات على نطاق غير متصور سابقاً. إن الانعتاق والتنوع والاتصالات العالمية، وكل الأشياء التي تبشر بعصر من الإبداع والثروات، يمكن أن تحدث أيضاً كابوساً تفقد فيه الدول التحكم بأساليب العنف، ويفقد فيه الناس القدرة على التحكم بمستقبلهم، إذ ترتكز الحضارة والنظام على السيطرة على العنف. وإذا صارت السيطرة على العنف متعذرة فلن يكون هناك نظام ولا حضارة.
وهكذا، حسبما يستنتج كوبر، أصبح انتشار الديمقراطية والدولة الليبرالية إحدى حتميات السياسة الخارجية. وليس مؤكدا أن هذا سيحل مشكلات أوروبا والولايات المتحدة، ولكنه أفضل رد يمكن للمرء أن يفكر فيه في الوقت الحاضر، وهو -على الأقل- ينسجم مع القيم والمصالح الأوروبية والأمريكية على السواء. إن إحدى سبل تخفيف حدة العنف هي التأكد من أن لدى الناس طريقة سلمية لمواجهة التظلمات عبر عملية سياسية عادلة وشفافة.
وقد أصبح نشر الديمقراطية الآن أمراً محتماً، غير أن السؤال هو: كيف السبيل إلى ذلك؟ إن أحد الأجوبة هو استخدام القوة العسكرية. المشكلة هنا، هي أن هذه سياسة إمبريالية في عصر غير إمبريالي.
تستطيع قوة الاحتلال تقديم دستور معد على نحو جيد، ولكن خلف كل ديمقراطية تعمل بطريقة ناجحة تكمن عوامل أقوى. ليست الدساتير والمؤسسات فقط هي ما يقود العملية إلى النجاح، بل سلسلة من العوامل غير المدونة، والتي أصبحت جزءا من العادات , منها أن الجيش لن يستولي على السلطة، وأن المحاكمات محايدة سياسياً، وأن الخاسرين في الانتخابات لن يحاولوا العصيان والتمرد، وأنه سيتم صون مستويات معينة من العدالة الاجتماعية، والمحافظة على قدر من التوازن بين الجماعات المختلفة، وأن الذين يمسكون بالسلطة سيحكمون (إلى حد ما) لتحقيق مصالح الدولة، ويتجنبون تنمية ثرواتهم الشخصية ونفوذهم الذاتي، إلى غير ذلك من العوامل. وتتمثل الصعوبة في عدم إمكانية تصدير أو فرض أو تلقين هذه الأنواع من مجالات التفاهم. انها من صميم المجتمع نفسه. وهي بالطبع لا تنشأ وتنمو بين يوم وليلة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تتطور أعين العناكب؟ | المستقبل الآن


.. تحدي الثقة بين محمود ماهر وجلال عمارة ?? | Trust Me




.. اليوم العالمي لحرية الصحافة: الصحافيون في غزة على خط النار


.. التقرير السنوي لحرية الصحافة: منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريق




.. بانتظار رد حماس.. تصريحات إسرائيلية عن الهدنة في غزة