الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطبقة العاملة السورية تبحث عن حزبها .. 2

بدر الدين شنن

2006 / 1 / 31
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


ولدت الطبقة العاملة السورية من رحم المشاغل والورش الحرفية والصناعية المتعددة الواسعة ، التي امتازت بها سوريا على مر العصور ، التي وفرها لها موقعها الجغرافي الاستثنائي ، وجعل منها مركزاً تجارياً محورياً ، تتقاطع فيه دروب التجارة العالمية بين الشرق والغرب والشمال والجنوب ، وخاصة طريق الحرير صلة الوصل الحضارية الذائع الصيت . وقد كانت الأطر المهنية الحرفية والصناعية الراقية ، التي امتازت بها كل من دمشق وحلب وحمص ، سيما في مجال النسيج ( الحرير والصوفي ) والخزف والزجاج والمعادن والجلود هي الفضاء الذي كون العامل السوري مهنياً ، وأرست لديه تقاليد العمل ، وأسست وعيه العمالي ، الذي تنامى وتطور مع تطور الحرف والمشاغل إلى مراكز إنتاجية أكثر تطوراً وتمركزاً مع دخول الآلات الحديثة ، واشتراك عشرات ومئات بل آلاف العمال معاً تحت سقف واحد في عملية الانتاج . حيث أحدث العمل الجمعي في الانتاج وعياً جمعياً نوعياً تضامنياً معملياً ، ومن ثم مهنياً .. وارتقى لاحقاً على ضوء النظرية الماركسية إلى درجة الوعي الطبقي . يذكر الدكتور بدر الدين السباعي في كتابه ( اضواء على الرأسمال الأجنبي في سوريا ) أنه في منصف القرن التاسع عشر ، كان يعمل في مدينة حلب خمسة عشر ألف نول في النسيج الحريري ومثل هذا العدد في مدينة حمص .. إلى ذلك يمكن الإشارة إلى شهرة السيف الدمشقي ، والنسيج النوعي الممتاز ، الذي اقترن باسم دمشق " دامسق " الشهير حتى الآن في العالم كله . ولولا السطو التعسفي المنظم الذي مارسه العهد العثماني على كل تطور صناعي جديد وكل فن حرفي راق ونقله إلى مركز الإمبراطورية في الآستانة ، لكانت الصناعة السورية قد تطورت كماً ونوعاً وواكبت أرقى البلدان الصناعية المعروفة ، ولكانت الطبقة العاملة السورية قد بلغت توسعاً هاماً في عددها ، ورقياً أعلى في وعيها وتنظيمها ، ودوراً ومكانة مبكرة أكبر .. فأكبر في المجتمع

وبعد التحرر من النير العثماني بدأت ، في أوائل القرن العشرين مع بدايةعهد الاحتلال الفرنسي ، حركة لافتة في مجال المرافق والمواصلات وتوسعاً في الصناعات التقليدية وخاصة في مجال النسيج حيث بدأ القطن كمادة رئيسية في صناعة الأقمشة . وقد شهدت سوريا منذئذ ، حركة نشوء معامل وشركات نسيج في كل من دمشق وحلب تضم بعضها لأول مرة آلاف العمال تحت سقف واحد ويخضعون لإدارة واحدة ، وقد تزايدت هذه الحركة قبيل وإبان الحرب العالمية الثانية ، لتلبية احتياجات الجيوش الفرنسية وحلفائها ، حيث تحولت مناطق كاملة في حلب مثلاً إلى مناطق صناعية نسيجية مثل عين التل والليرمون والعرقوب ، كما شهدت نشوء معامل التبغ ( السجاير ) وبدأت العمل شركات الترام والكهرباء والمياه . وحتى النصف الأول من القرن العشرين كانت تنهض مئات المعامل الكبيرة والمتوسطة خاصة في ميادين صناعية جديدة مثل الإسمنت والزيوت في معظم المدن السورية ، إضافة إلى توسع المرافق والبلديات وتوسع المستخدمين لدى الدولة . وقد أتاح هذا التوسع الصناعي الهام على مدى عشرات السنين ، أن تراكم الطبقة العاملة السوريةتجاربها النقابية والمطلبية ، وأن تلج مرحلة جديدة هامة في تموضعها في الجغرافيا الطبقية الوطنية وفي وعيها الطبقي الاجتماعي - السياسي بامتياز . امتلكت حركتها النقابية المستقلة .. شكلت القاعدة الجماهيرية لليسار السوري ولكافة النضالات التي خاضها الشعب السوري ضد الاحتلال الفرنسي ، حيث دخل إضراب عمال دمشق الستيني ( 60 يوماً ) التاريخ كأحد عوامل إنتزاع معاهدة الاستقلال ، وضد الدكتاتوريات العسكرية ، حيث كانت اضرابات عمال دمشق وحلب من أقوى الضربات في اسقاط الديكتاتور الشيشكلي ، وضد الأحلاف الاستعمارية ، حيث كانت الطبقة العاملة عماد المقاومة الشعبية

ثم شهدت سوريا في عهد ( 23 شباط ) مابين 1966 و1970 توسعاً صناعياً هاماً بمساعدة الاتحاد السوفييتي وبلدان المنظومة الاشتراكية ، ا شتمل على ا ستثمار البترول وطنياً واستخراج الفوسفات وبناء سد الفرات ومد السكك الحديدية من القامشلي إلى دمشق وإنشاء معمل السماد الآزوتي وميناء طرطوس وتوسيع مصفاة البترول في حمص . وفيما بعد حتى نهاية القرن العشرين تأسس العديد من الصناعات التحويلية والسياحية ، وتوسع القطاع الخاص الصناعي والخدماتي أربع مرات عما كان عليه من قبل ، ما أدى إلى أن يبلغ عدد العاملين لدى الدولة في القطاع الصناعي والإداري مليون عامل وفي القطاع الخاص ما يقارب الثلاثة ملايين ، وأصبحت الطبقة العاملة هي الأهم والأكبر في الخريطة الطبقية في البلاد ، وبصيغة أخرى ، إن عدد الطبقة العاملة الآن يتجاوز عدد سكان سوريا في أواسط الخمسينات ، كما تتجاوز نسبتها في بنية المجتمع 30% من القوى العاملة على اعتبار أن عدد سكان سوريا حالياً يبلغ 18 مليوناً ونسبة القادرين على العمل هي 60% من العدد الاجمالي

وقد تحقق ، منذ الربع الأخير للقرن العشرين على الأقل ، إلى جانب التحول الكمي في حجم الطبقة العاملة السورية تحول نوعي يشمل مستويات عدة ، أهمها أنه لم يعد هناك من نسبة تذكر في بنية الطبقة العاملة السورية فيما يتعلق بازدواجية الماهية الطبقية للعامل السوري ، التي كانت تشيب وعيه الطبقي بتوزعه بين مالك أرض أو مزارع في الريف وبين عامل يبيع قوة عمله في الصناعة في المدينة . فالبنية المجتمعية السورية أصبحت متمركزة في المدن الكبرى بالدرجة الأولى ، إذ يبلغ عدد سكان دمشق وحلب فقط نحو نصف سكان سوريا ، ناهيك عن مدن أخرى كحمص وحماة واللاذقية ... ألخ . والأرض في الريف بحد ذاتها لم تعد تسد الرمق ولم تعد تكفي فروع العائلة من الأبناء والأحفاد، الذين باتوا ، مع فقدان الرجاء في الأرض والريف لاملاذ لهم سوى الهجرة إلى المدن والاستقرار فيها ، أو الهجرة إلى خارج البلاد إذا أتيح لهم ذلك . وفوق ذلك وهو الأهم أن أجيالاً متوالية تأصلت طبقياً في المعامل الصناعية الكبرى من الجدود إلى الأحفاد . ومع ضخامة الرأسمال العضوي في عملية الإنتاج ، حيث بات أي مشروع صناعي ناجح يحتاج إلى رأسمال لاطاقة للعمال على توفيره ، فإن العمل المأجور أصبح لافكاك منه ، بل ويستدعي المزيد من العمل المأجور لساعات أكثر من المدة المحددة إنسانياً وقانونياً لتأمين رغيف الخبز وحبة الدواء وقطرة الماء

وعلى الرغم من النمو المتزايد للطبقة العاملة واحتلالها المكانة الهامة في الخريطة الطبقية للمجتمع ، فإن واقعها المعاشي ، نتيجة الإنحسار الكبير لدور التنظيم النقابي والنضال المطلبي ، وتبعيث النقابات وارتباطها بآليات السلطة تطبيقاً لمنهجية حزبية أمنية ولما أطلق عليه ب " النقابية السياسية بديلاً للنضال المطلبي " ، ونتيجة تخلي الأحزاب الاشتراكية عن دورها في دعم النضال العمالي والإنضواء تحت قيادة حزب النظام أو بالإنسحاب من العمل الاشتراكي ، ونتيجة القمع المنفلت من أي قانون أو رادع ، الذي طاول المناضلين النقابيين والملتزمين بالنضال العمالي ، يزداد سوءاً وهو مرشح نحو الأسوأ مع إمعان النظام في تطبيق الخطة الخمسية العاشرة ، المرتبطة باقتصاد السوق " الاجتماعي " المجهول النسب وبالشراكة الأوربية ومنظمة التجارة الحرة ، الأمر الذي سيفاقم البؤس الاجتماعي الراهن ويزيد من حدة الصراعات الطبقية إلى مستويات بالغة الشدة والعسف

ومن المفارقات المؤلمة ، أن الطبقة العاملة السورية رغم أهميتها من حيث حجمها ومن حيث دورها الاجتماعي - السياسي ، فإن المعارضة لاتوليها الأهمية التي تستحقها ، لامن حيث واجبها الوطني والإنساني بدعم مطالبها المشروعة ، ولامن حيث توظيف طاقاتها في معركة التغيير الديمقراطي . وهذا ما يشكل عجزاً وجموداً غير مفهومين ، إن على مستوى هذه الطبقة الاجتماعية الأكبر في الخريطة الاجتماعية أو على مستوى قوى التغيير التي تتنطع لاسقاط الاستبداد


------------------------------
القسم الثالث : لماذا حزب عمالي من طراز جديد .. ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفراح أنصار الجبهة الشعبية اليسارية بعد تصدرها نتائج الانتخا


.. اليمين المتطرف الفرنسي ثالثا.. -خيبة أمل- بارديلا وأنصاره




.. بارديلا: نتائج الانتخابات ترمي فرنسا في حضن أقصى اليسار|#عاج


.. الزعيم اليساري ميلونشون: على الرئيس ماكرون أن يعترف بهذه اله




.. بالأرقام.. النتائج الأولية تشير إلى تصدر تحالف اليسار في انت