الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


راديكالية الجماعات الإسلامية وأساطيرها الجهادية

كرم خليل

2017 / 6 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


في بادئ الأمر، كانت القاعدة، عبارة عن تنظيم عسكري سياسي، ولد من رحم التسليح القتالي، وبإمكانات كبيرة ودعم أميركي خليجي هائل، لمواجهة المحتل السوفييتي في أفغانستان.
استقطبت الحرب الأفغانية المقاتلين من كل بقاع الأرض، وفتحت الباب للسلفية الجهادية للتحول من مجموعات صغيرة في بلدانها إلى قوة عسكرية عابرة للحدود.
ولن نكرر ما استعرضناه سابقاً في الكثير من المقالات عن نشأتها، ولكن من الضروري التذكير، بالهالة القدسية، التي أحاطت بكل من ذهب مجاهداً في سبيل الله ضد الكفار والشيوعيين والطواغيت.
الحاضنة الاجتماعية والإيديولوجية، التي أعطتهم قوة المثال والقدوة في السعودية وقطر والكويت. انتهت الحرب الأفغانية وتفتت الاتحاد السوفييتي، وصار من الضروري لكل من دعم هذه الحالة، البحث عن وسيلة يتخلص بها من تبعاتها عليه.
فقد انتهت مده صلاحية " الجهاد الأفغاني " عند صانعيه، وتحول المجاهدون من أجل الإسلام إلى منبوذين عند من أرسلهم. إلا أن هؤلاء المنبوذين كان لهم قصتهم وأساطيرهم. ولم يعد بوسع أولياء الأمر السيطرة عليهم. فهم يعتقدون بقوة بأن جهادهم هو الذي غير صورة العالم وأنهى الحرب الباردة، ووضع حداً للشيوعية في بلاد الإسلام.
وأن هذا جهاد لم ينتهِ مع رحيل القوات السوفييتية بل بدأ. وتغيرت التحالفات ودول الدعم والمأوى والجهاد. وتوزع أبناء التجربة الأفغانية بين الحرب الشيشانية والبوسنة والجزائر. في حين حاولت المخابرات الباكستانية استعادة نفوذها في أفغانستان بدعم الطالبان البشتون.
عاود أسامة بن لادن عملية تجميع السلفية الجهادية في أفغانستان، باعتبارها مركزاً للتدريب العسكري والقيادة الآمنة " المقر". كان العراقيون بكل فئاتهم أبعد الناس عن " القضية الأفغانية " فقد ورطتهم حكومتهم بحروب شغلتهم عن العقد الزمني الأفغاني. ومنعهم طلب البقاء على قيد الوجود في ظل العقوبات والدكتاتورية من ترف " السياحة الجهادية ".
ويمكن القول أن التيارات السلفية والإخوانية لم تكن موضع ملاحقة واستهداف من النظام العراقي. لذا لا يستغرب قدوم عدد من قدماء الأفغان العرب للعراق قبل 2003. ويمكن القول إن التحرك الجدي باتجاه العراق نبع من حالة الفوضى التي حملتها قوات الاحتلال والقرارات المدمرة التي اتخذها بول بريمر، الحاكم الأمريكي في العراق، بضرب بنية الدولة العراقية وحل الجيش العراقي، الامر الذي لم يجد معارضة من الطرف الكردي الذي احتفظ لنفسه بقوات البيشماركة، أو الأحزاب الإسلامية الشيعية التي وجدت في ذلك فرصة لإعادة بناء الجيش من المجموعات المسلحة التي تشكلت في إيران أثناء الحرب العراقية الإيرانية وما بعدها.
بهذا المعنى تتحمل قوات الاحتلال، المسؤولية الأولى عن خلق كل العناصر الموضوعية، لتشكيلات عسكرية واسعة خارج نطاق الاحتلال، وهنا سوف ننتقل لاحد مفرزات هذه الفوضى العارمة.
أبو بكر البغدادي إبراهيم بن عواد إبراهيم البدري السامرائي، ولد في الجلام من أعمال سامراء العراقية عام 1971، ينحدر من عائلة متدينة تأخذ بالمنهج السلفي في فهم العقيدة الإسلامية، من عشيرة البوبدري العراقية. خريج الجامعة الإسلامية في بغداد، درس فيها البكالوريوس، والماجستير وأعد أطروحة دكتوراه حول التجويد، عمل أستاذاً ومعلماً وداعية.
أنشأ أول تنظيم له أسماه " جيش أهل السنة والجماعة " بالتعاون مع بعض رفاقه في الخط والمنهج الجهادي، ونشط عملياته في بغداد وسامراء وديالى وبعض المناطق السنية الأخرى. وشغل الكثير من المناصب بتلك المناطق – عضو في مجلس الشورى في الهيئات الشرعية – والي الولاة والمشرف العام على الولايات – مشرف على إدارة العمليات – الأمير الشرعي للأنبار، أمير الفلوجة – أمير ديالى – الأمير الشرعي لسامراء – وبعد كل تلك المناصب التي تقلدها أخذ قراراً مع مجموعة من رفقاء الدرب بإعلان تأسس الدولة الإسلامية في العراق في السادس عشر من أيار - 2010 م حيث نصب أميراً للدولة الإسلامية آنذاك، ثم بدأ في بناء نواة عسكرية واقتصادية ضخمة للدولة ( داعش ) ولذلك اعتمد البغدادي على ستة عناصر أساسية لهذا الكيان، الذي يعتبر واحداً من أخطر التنظيمات الإرهابية بالعالم:
اولاً: الاستفادة القصوى من خبرة ضباط الجيش العراقي السابق من أجل التخطيط والتنظيم. ثانياً: تأمين موارد مالية ضخمة تسمح للتنظيم بامتلاك القدرة على تحقيق برنامجه.
ثالثاً: اعتماد الإعلام وسيلة مركزية من وسائل النصر والتأكيد عبر الإعلام على صورة الجبروت والقسوة والرهبة لتحييد وإخضاع كل المخالفين لمشروع الخلافة.
رابعاً: إتباع سياسة المفاوضات مع العشائر والبنى الاجتماعية المحلية مستفيداً من دروس القاعدة.
خامساً: عدم التهاون مع أي تنظيم جهادي يريد التعاون مع داعش على قاعدة الندية (البيعة او القتال)
سادساً: الغلو في التعامل مع أية مجموعات سكانية غير (سنية) لتطهير أماكن وجود التنظيم ممن يمكن أن يشكل قاعدة احتجاج أو رفض لممارسات التنظيم.
وبعد وضع تلك الخطط والدراسات اعتقد هو ورفاقه إن شروط الخلافة تحققت واجتمعت فيه، بالإضافة للسيطرة على معظم أرض الرافدين والشام، قام المناوئين لمشروعه من الأحزاب والتنظيمات الإسلامية، باتهامه واتهام مشروعه، بأنه صناعة إيران، وألقوا كلامهم هذا بين عوام المسلمين، فاقتنع بعض عموم المسلمين، بما قالته التنظيمات والأحزاب والجماعات الإسلامية، فحال هذا الكلام دون بيعة عوام المسلمين في العالم الإسلامي، وإن البغدادي، يعلم من نفسه، أنه ليس صناعة الشرق ولا الغرب، ولا صناعة إيران.
ولذلك تجاهل الجميع، وهو الذي يمتلك في صفوفه أكثر من (ثلاثة آلاف محارب كل واحد فيهم مستعد لأن يفجر نفسه) حتى ولو في بيت الله الحرام، ويعتبرونها قربة لله، لاعتبارات موجودة في صلب عقيدتهم.
بالإضافة لوصول ميزانية دولته لأكثر من ستة مليارات دولار، فبدأ بالعمل سريعاً فقام بالتطهير الديني لمدينة الموصل من المسحيين، مروراً بمحاولته تنظيف العراق من الطائفة الأيزيدية. بكل أشكالها ومسببيها، تتابعت عملية تدنيس الوعي لتخلق الأرض الخصبة للعنف والتوحش والهمجية.
الدريل كان وسيلة تمزيق عظام المعتقلين في أقبية الميلشيات، وجز الرأس كان الوسيلة الأرخص عند داعش. وفي كلتا الحالتين جرى إعدام فكرة الحق في الحياة والحق في سلامة النفس والجسد في مجتمع تعايش فيه الموت مع الحياة في كل خلية وقرية وحي وقصبة.
لم يكن بإمكان التكوين الهجين لدولة العراق الإسلامية، تحقيق الانسجام الداخلي بدون تأصيل التعصب قاعدة والغلو فقهاً والصرامة والرعب منهجاً.
فليس بالإمكان ادعاء (الصفوة) وامتلاك الحقيقة المطلقة وإعطاء جواب لكل سؤال، واستباق القرارات وقتل الشك واغتيال الوعي الأخلاقي، من دون تحقيق القطعية الذهنية مع الماضي الشخصي لمكونات التنظيم ومسح قصة زيد مع صيرورته أبو أسامة.
وكون عملية غسل الدماغ لم تحدث قط، صار من الضروري التمسك بكل المظاهر، التي تعطي الجماعة، صفة النقاء من البدع، وإغلاق باب الفتن، وسد الذرائع وتهذيب الشعائر، مع استعراضات إعلامية مبالغ فيها لتحطيم المزارات والمساجد والكنائس والتماثيل وحرق محال السجائر والجلد الميداني والرجم والصلب وقطع الرؤوس وأخذ الصور مع الرؤوس.
وهنا يبرز الطابع الفصامي لداعش. فهي تمارس كل أشكال استبدال القيم والمثل بالمقايضات النرجسية (تعسف السلطة، الانتهازية، السرقة، القتل، الخطف، الخوات، الانتقام، الثأر، الاعتداء على المحرمات ..) وتعلن جهرة كفر أو ردة كل من يعترض طريقها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Ynewsarab19E


.. وسط توتر بين موسكو وواشنطن.. قوات روسية وأميركية في قاعدة وا




.. أنفاق الحوثي تتوسع .. وتهديدات الجماعة تصل إلى البحر المتوسط


.. نشرة إيجاز - جماعة أنصار الله تعلن بدء مرحلة رابعة من التصعي




.. وقفة طلابية بجامعة صفاقس في تونس تندد بجرائم الاحتلال على غز