الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كم أتمنى أن أموت

عبد الرحمن جاسم

2006 / 1 / 31
الادب والفن


كم أحب لو أموتُ قليلاً، أرقد قليلاً فأستريح، تسكت تلك الشياطين التي تصرخ في رأسي، افعل كذا ولا تفعل كذا. يرتاح كل شيءٍ حولي، وتصمت كل الكائنات بداخلي. ياه كم يبدو الموتُ صورة مشرقة، اللافت في الأمر، أنني لا أريده انتحاراً، كي لا أشعر أنا بالجبن، فأنا –وإن كنت عاجزاً الآن- لا أريد أن أسمح للجبن كذلك باقتحامي، فيكفيني ما اقتحمت خلال هذا الوقت القليل.
كم أتمنى لو أغرق في بحرٍ هادئٍ نسبياً، أو متصببٍ عرقاً، أغرق دونما أي رجفات، أو تأوهات، هكذا بهدوء، لا أقول شيئاً ولا أتحدث كثيراً فقط أغرق. أصاب بلوثة موت رقيقة، بلا ارهاصات ولا صراخ، فقط هدوء يجتاحني، فأعرف ولو لمرة الاتجاهات حولي، فأصغي لنفسي أكثر، لربما في العالم الآخر.
كم أتمنى أن أموت، واشبع موتاً، لأستيقظ بعد موتي، مولوداً من جديد، طفلاً بريئاً، بلا خطايا، بلا ألوان مسبقة، بلا أحزان، ويولد الحب معي من جديد، رقيقاً، خفيفاً، كأجنحة ملاك. وأعرف أنني أستطيع أن أحب كثيراً، وأفرح كثيراً، دونما أن أفكر في الحزن كباب ثانٍ لأي حلم؛ كي لا أسلكه من جديد.
كم أريد أن أموت ولو قليلاً، لربما أنا "أتدلع" كما لو كنت طفلاً صغيراً، يانعاً غضاً، لا يريد من هذه الدنيا إلا أن يمسك بلعبته ليداعبها بيديه الصغيرتين، ويتأملها بعينيه المدورتين، لكي يحدثها قليلاً ويهجرها كثيراً، ويبكي إذا ما أخذها منه أيٌ كان. وأنظر بصمتٍ، بعيونٍ مغمضة لأين الذهاب، ويبدو الرحيل مشرقاً كاختيار.
لا أتمنى أن أسبب الألم لأحد عند رحيلي، لا ألم أبداً، كل ما أريده أن يقدِّروا أنني بكامل قواي العقلية، أردت أن أهدء، أن أبتعد، أن آخذ فترة راحة من دنيا لا تشبه إلا نفسها، ومن وقتٍ يأخذني ويملأني بأشياء لا أريد أن أنتهي مثلها. وأحب أن أجلس بهدوء، أتأمل بصمت، كل شيء أفعله أثناء رحيلي. آخر مرة أقرأ كتاب، آخر مرة أرى وجه الصباح، آخر مرة أسلم على الناس، آخر مرةٍ أتابع تنفس أخي، آخر مرة أتأمل الصمت في مكان، آخر مرة أتابع نشرة أخبار، تأرجح كرة. كلها مراتٌ أخيرة، أعرف فيها أنني أرى أن هذه الأشياء هي مراتِ الأخيرة، ولكن لا أحد يعرف!
أموت؟ الأمر ليس مجرد انتقاءٍ فحسب، بل يبدو مشعاً كألوان قوس قزح، كأرجحة مطرٍ جميل على شاطئ أزرق اللون، سماوي البهجة، ولا أحاول ابراز صورة الموت كحلمٍ مدهش، ربما هو شيء بشع، ولكن فليخبرني أحدٌ إن كان الموت يؤلم الميت حقاً؟ الموت لا يؤلم إلا أحبة الميت، الموت لا يضايق إلا من كانوا يحبوننا (وكانوا أقصد بها أننا لم نعد معهم). لكن هل سيظلون يحبوننا؟ هذا ما سوف نعرفه، لكن فيما بعد.
هناك عند ذلك الباب، تقف ملائكةٌ كثيرة، وألوانٌ كثيرة، وبشري يتمنى أن يرحل، يتمنى لو أن الموت يسعه، كحلم! بشريٌ عاجز عن أن يموت أو أن يعيش... لربما هذا هو قدره؛ لربما هي لعنته، أن يبقى حياً لكي يرى أكثر فأكثر. لربما.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب