الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحكواتي والروائي

عامر حميو

2017 / 6 / 4
الادب والفن


(الحكواتي والروائي)
===========
كلنا يعرف الفرق بين الحكواتي والروائي، ففي الوقت الذي يعرض فيه الحكواتي لسيرة شخصية تاريخية، أو اجتماعية، أو سياسية، أو علمية، أو أدبية ويبين مواقفها، معتمدا على مصادر وفرها له من كتب قبله عن شخصيته، أو شهود عاصروا الشخصية واحتكوا معها، هو في الوقت عينه لا يستطيع أن يحلل مواقفها تلك لان الموقف الذي سلكت فيه الشخصية تصرفها ذاك لا يحتمل التأويل، وإذا عرفنا أن فن السيرة وهو ما يصطلح عليه فن البيوغرافيا ينقسم لبيوغرافيا ذاتية يحكي فيها الشخص سيرته الذاتية وبيوغرافيا غيرية وهي أن يحكي كاتب ما عن شخصية ما، يتطوع الكاتب ويتابع مسيرتها في الحياة (أما تزلفا أو إعجابا بها) أو أن يُكلف الكاتب من قبل الشخصية لان يكتب عن حياتها. وقليلا ما تسلم البيوغرافيا الذاتية والغيرية سوية مما يصطلح عليه اليوم ب(فن الفتوشوب)، وهذا الأمر يعتمد بالدرجة الأساس على مدى قرب كاتب البيوغرافيا من الشخصية التي يتكلم عنها، ومدى اتفاق أو اختلاف كاتبها مع آراء ومواقف المعني بالسيرة، أو مقدار الأموال التي يغدقها صاحب السيرة على من سيكتب له، أما إذا كانت السيرة ذاتية(تكتبها الشخصية ذاتها) فان الأمر منوط بكاتبها، وقد افرز لنا النتاج العربي بيوغرافيا ذاتية واحدة فقط لم تخضع لفن الفتوشوب(على الأقل في حدود ما قرأت) حتى أن كاتبها وصل اسمه للبلاد العربية قبل أن يصل الكتاب ويمنع تداوله في المكتبات العربية أصلا، وأنا اقصد بذلك كتاب(الخبز الحافي) لمحمد شكري، أما البقية فاعتقد أن غالبيتهم كُتبت سيرهم الذاتية والغيرية من خلال نافذة العيب والممنوع والحرام.
يبقى علينا أن لا نبخس حق كاتب السيرة بنوعيها حق إضفاء خياله الشخصي على شكل المحيط، والبيئة التي أراد له مخزونه اللاواعي أن يهيئ شكلها للقارئ.
بينما الروائي يفترض شخوصا معينين سيوصلون أفكاره التي تعتلج في مخيلته لتصور حياة، يرى صياغتها أو (افتراض صياغتها) سيكون بالشكل الذي سيعالجه الحدث، الذي لملمه داخل قحفته ليخدم الرسالة التي يريد إيصالها لقرائه، وفي الوقت الذي يكون فيه الباعث الأساسي لقارئ البيوغرافيا هو الفضول لمعرفة الشخصية التي يحكي عنها كاتب السيرة، فأن الفضول لمعرفة كيف عولجت الأحداث في الرواية هو الباعث الذي يدفع القارئ لان يطلع على تلك الرواية، مضافا له الرغبة لان يستطلع رأي الروائي فيما يتخيله لشكل الحياة وقيمتها، فنحن لهذا اليوم لازلنا نعرف أن رجب في شرق المتوسط اعتقل ثم خرج مفقوء العينين، ونعرف إن زوربا اليوناني إنسان يعيش لحظته ولا يفكر في الغد أبدا، ونعرف إن صاحبه أعطاه أمواله وضيعها زوربا على نزواته وطيشه، ونعرف كيف قتل راسكولينوف المرابية العجوز ببلطته وعاش تأنيب الضمير، حتى انه تقدم بملء إرادته واعترف بجريمته لينال عقابه عليها، لكننا دائما ما نرجع لهذه الروايات وغيرها لنرى كيف إن عبد الرحمن منيف، ونيكوس كزنتزاكيس، ودستويفسكي عالجوا الأحداث داخل رواياتهم؟ وكيف صاغوا شخوصها وعبروا عما يختلج داخل نفوسهم قبل أفكارهم؟ فالروائي عدسة المكرسكوب التي تُكبر لنا نقاط الضعف والخلل، وكذلك تُكبر لنا نقاط القوة والصمود، وكل مشاعر الخطيئة والغفران التي تضطرب داخلنا، ولا نستطيع البوح بها لأحد غير ذواتنا، لكن عندما نشتاق لان يشاركنا أحدهم هذا البوح دون أن يسخر منا، أو يستهزأ ويحتقرنا، ودون أن يبجلنا لصمودنا كرموز أسطورية، فأننا نركض حفاة بعرينا كله، ودون خجل، لعالم الرواية والروائيين لنرتمي بأحضان كتاباتهم، دون أن نشعر بالخوف والرهبة من الممنوع والمعيب والمحرّم علينا.
لكل هذه الأسباب فليس من الجائز لنا أن نقول عن رواية ما نعرف أحداثها، أنها رواية محروقة، ففي الرواية يجب علينا أن نغادر طفولتنا وننسى قولنا لجداتنا:
- تلك حكاية سمعتها منك سابقا..احكِ لي غيرها يا جدتي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عاجل.. الفنان محمد عبده يعلن إصابته بمرض السرطان في رسالة صو


.. انتظرونا غداً..في كلمة أخيرة والفنانة ياسمين علي والفنان صدق




.. جولة في عاصمة الثقافة الأوروبية لعام 2024 | يوروماكس


.. المخرج كريم السبكي- جمعتني كمياء بالمو?لف وسام صبري في فيلم




.. صباح العربية | بمشاركة نجوم عالميين.. زرقاء اليمامة: أول أوب