الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أساطير اللبراليه الجديدة

قصي الصافي

2017 / 6 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


أساطير اللبر اليه الجديدة

عقب انتهاء الحرب الباردة انفردت الليبرالية الجديدة نهجاً إقتصادياً سائداً، فراجت مفاهيمها في الخصخصة والسوق الحرة رواجاً منقطع النظير، ولم يتم ذلك بحملات الدعاية والاعلام ودراسات المراكز الاقتصادية والبحوث الجامعية فحسب، بل بدعم القوة العسكرية أو التلويح بها، كما عبر عن ذلك بصراحة فجّة الكاتب الأكثر حماساً لليبرالية الجديدة توماس فريدمان بقوله: ( اليد الخفية للسوق الحرة لن تعمل دون قبضة خفية- مكدونالد لن يزدهر لولا باكدونيل دوكلاص مصمم F16 ‎، القبضة الخفية التي تجعل العالم آمناً لصناعات سيليكون فالي تتمثل بالجيش الأمريكي وقوته الجوية والبحرية)... 1
وقد كتب الاقتصادي الكينزي داني رودنك في وصف العلاقات التجارية بين دول المركز والدول النامية: ( في حال تبيّن أن السكان المحليين لا يكنون القدر الكافي من الاجلال لأفكار سميث وريكاردو، دائماً يكون بمقدور الطائرات الحربية الموجودة على أهبة الاستعداد اقناعهم بما يجب) .. . 2
مثل أيّ ايديولوجيا تعرض الليبرالية الجديدة مفاهيمها بصياغات مبسّطة وسطحية الى حد السذاجة، بعد تحميلها شحنة من الآمال الوردية والوعود بفردوس الازدهار الاقتصادي الذي سيقطع دابر الفقر وينعم فيه الجميع بالثراء، حسب التعبير المجازي المتكرر ( حين يرتفع الموج ترتفع معه القوارب الصغيرة والسفن الكبيرة معاً). الوصول الى هذا الفردوس- كما يقال لنا- تضمنه الخصخصة والسوق الحرة غير المقيدة شرط أن ترفع الدولة يدها ويقتصر دورها على حماية الملكية وتوفير الأمن وحماية التعاقدات والصفقات التجارية، وقد سادت هذه المفاهيم في اوساط المثقفين العرب حتى باتت ثوابت معفاة من الاسئلة والتمحيص،بل أن أيّ محاولة للكشف عن ملامح الشيطان في تفاصيلها ستوصم على أنها كليشيهات يسارية منغلقة أو ضيق أفق قومي مهووس بمعاداة الغرب والتطور والحداثة، والمفارقة هنا أن بعض مهندسي إجماع واشنطن انفسهم قد أدركوا فشل تجارب الدول النامية بسياسة الانفتاح اللامشروط حسب توجيهات وخطط صندوق النقد الدولي كالدول الافريقية ودول اميركا اللاتينية وغيرها، وقد وصفت آن كروجر إجماع واشنطن بقولها : ( قصد خيراً، ولم يجرب بما فيه الكفاية، وفشل كثيراً) .... 3
لتسويق خطط الاقتصاد الحر والانفتاح اللا مشروط يتغاضى الليبراليون الجدد عن التجارب الفاشلة وتبعاتها الكارثية في تلك الدول و يتم التركيز على النمور الآسيوية والصين وغيرها من التجارب التي حققت نجاحاً منقطع النظير، والحقيقة أن تلك الدول لم تحقق نجاحها باتباع الوصفة (السحرية) للبراليه الجديدة بل بالعكس لتعاملها الحذر والمرن مع توصيات و الزامات صندوق النقد الدولي واجماع واشنطن، واتخاذها الخطوات التي تناسب ظروفها المحلية ، و لم ترفع قيود وضوابط السياسة الحمائية وترشيد الدولة ودعمها إلا بالتدريج البطئ ليتسنى لها تطوير صناعاتها وتمتين بناها التحتية ليكون بمقدورها المنافسة في سوق التجارة العالمي، وقد استرشدت بتجربة اليابان التي بدأت بتعزيز قاعدتها الصناعية تحث إشراف وتوجيهات ودعم الدولة منذ مشروع الامبراطور ميجي الاصلاحي عام 1867 م ولم يزل النموذج الياباني الى اليوم متميزاً في طبيعة العلاقة التكاملية بين الدولة والقطاع الخاص.

الفكرة القائلة - ان للسوق قدرة على ادارة نفسه ذاتياً و بحرية مطلقة دون إشراف وتخطيط الدولة ومراقبة عثراته وتصحيح مساره من قبل مؤسساتها - ليست سوى ادعاءات نظرية لم يشهدها واقع الرأسمالية على مرّ تأريخها. منذ بدايات الثورة الصناعية الى الان ، منذ شركة الهند الشرقية حتى شركة آبل ومايكروسوفت كانت العلاقة بين الدولة ورأس المال علاقة تكافلية، إذ ترعى الدولة رأس المال وتحميه عبر التشريعات والضوابط والدعم المالي وتطوير البنى التحتية، وتقضم بالمقابل نسبة من أرباحه على هيئة ضرائب ورسوم لتسديد مصاريفها في بناء الجيش والشرطة وما تقدمه لمواطنيها من خدمات وبرامج تعليم وصحة وبرامج اعانه الفقراء لتأمين الاستقرار وتجنب الثورات والعنف. سيكون موضوع الحلقة القادمة إستعراضاً تأريخياً للعلاقة بين الدولة ورأس المال، وفي خاتمة المقال علينا الاجابة على التساؤل التالي: لماذا يصر الليبراليون الجدد على ضرورة تحرير رأس المال من الضوابط المفروضة عليه من قبل الدولة وتحجيم دورها وتحرير التجارة من الضرائب والتعريفات الجمركية وغيرها؟. الشركات العابرة للقارات ودعامتها صندوق النقد الدولي يرحبون بتدخل الدولة في دعم الشركات بتمويل البحوث لتطوير الصناعة مثلاً، أو دعم اصحاب الاراضي الزراعية بالمليارات من دافعي الضرائب لتمكين المنتجات الزراعية من التنافس في السوق العالمية، كما لا يرون مانعاً من ان تتدخل الدولة في انقاذ البنوك عند الأزمات وتعزيزها بالاموال، إلا أنهم يحذرون من تدخل الدولة فيما اذا قررت زيادة الضرائب على أرباحهم للصرف على ما تقدمه لمواطنيها من خدمات، ويرون في ذلك ما لا يشجع على الاستثمار ويعرقل النمو الاقتصادي، اي انهم يرحبون بانتقال الثروة من القاع الى القمة وليس العكس ، أي من دافعي الضرائب ذوي الدخل المحدود والمتوسط إلى حيتان المال. أما فيما يخص الدول النامية فالخصخصة تعني إستحواذ تلك الشركات على القطاع العام بأبخس الاثمان وتسريح العاملين فيها ، الغاء الضرائب والتعريفات الجمركية على رؤوس الأموال والسلع الداخلة مما يؤدي الى إفراغ خزائن الدولة التي لم تعد قادرة على توفير احتياجات مواطنيها، فتضطر للاستدانة من المصارف الاجنبية بنسبة أرباح عالية، كما أن الصناعات المحلية وأدوات الانتاح والآليات الزراعية التي لم يجري تحديثها بعد، لم يشتد عودها بعد لتنافس البضائع المستوردة، مما يؤدي إلى تدميرها والاعتماد على البضائع الاجنبية، أضف الى ذلك أن إلغاء دعم الدولة سيرفع أسعار الخدمات والطاقة والسلع مما يضاعف نسبة الفقر، وهكذا فأن مشروع الليبرالية الجديدة يقود الى إثراء الشركات المستثمرة وإغراق البلدان المضيفة بالديون والفقر، ناهيك عن الآثار الاجتماعية الناتجة عن الفقر كالأمراض والعنف والجريمة ، و هذا الوصف لم يكن سيناريو إفتراضياً بل هو ما جنته فعلا الكثير من الدول النامية التي فتحت أسواقها على مصاريعها واتبعت وصفة صندوق النقد الدولي قبل أن تمتلك القاعدة الصناعية والبناء المؤسساتي الذي يؤهل اقتصادها للتنافس مع الاستثمارات الاجنبيه الواردة، علاوة على ذلك فان نسبة النمو الاقتصادي فيها قد إنخفضت بدل ان ترتفع كما تعد برامج الصندوق الدولي، ففي دول اميركا اللاتينية إنخفضت من 2.5 % إلى 1.9 %، وفي الدول الافريقية لم تتعدّ ال 1% .

الهوامش :
ا- من مقال بعنوان ( بيان في عالم السرعة)... نيويورك تايمز28-3-1999 .
2- معضلة العولمة ص 56 .
3- تقرير الصندوق الدولي لعام 2004 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كنت أظن
فاخر فاخر ( 2017 / 6 / 5 - 11:42 )
كنت أظن أن الماركسية تحول دون الإفلاس السياسي
لكن لأسفي الشديد تبينت من خطأ ظنوني بعد قراءة المقال أعلاه

أتحدى الكاتب كما سائر الليبراليين أن يثبتوا بحال من الأحوال أن ميكانزمات السوق الرأسمالية ما زالت تعمل كما في السابق وأن ما يسمى باقتصاد السوق هو فعلاً اقتصاد سوق


2 - الأستاذ فاخر فاخر
قصي الصافي ( 2017 / 6 / 5 - 17:43 )
نقدي لنهج اللبرالية الجديدة يعني الإفلاس السياسي؟؟؟ ما معنى هذا إذا كان له أي معنى ؟؟؟ ثم ما هو موضوع تحديك؟ المقال لم يقل أن السوق يعمل كما كان في السابق بل العكس.


3 - الإفلاس السياسي
فاخر فاخر ( 2017 / 6 / 5 - 20:21 )
الماركسيون الذين يجهلون ويتجاهلون انهيار النظام الرأسمالي في سبعينيات القرن الماضي إنما هم ماركسيون مفلسون ماركسياً ويبدو لأسفي أنك منهم فتكتب عن الرأسمالية الإمبريالية والليبرالية الجديدة


4 - قال صد ا م ان النصر ليس مهم بل روح النصر
علاء الصفار ( 2017 / 6 / 6 - 14:41 )
تحية طيبة
ان الدولة في الدول الراسمالية هي دولة طبقية تخدم الشركات العملاقة.حدث في الكثير من الدول الغربية,مما جاء في المقال. أن الشركات بدأت تستجدي دعم السلطة في وقت الأزمة, فقدمت الدولة دعم للشركات على حساب العمال. ففي الوقت الذي كانت تتبجح به الشركات بعدم تدخل الدولة في حرية التجارة و شكل العمل و الاسواق!فهو شأن الشركات وطرق نهبها لعمال البلد أم في العالم عبر شركات عابرة للقارات.فالعامل والموظف يدفع ضرائبه صاغراً فهي تستقطع من راتبه, لكن يتملص اصحاب الشركات بطرق ملتوية من الضرائب. ففي بعض الدول تم دعم الشركات عبر سن قوانين بأن يدخل العمال للشركات كمتدربين, وتدفع الدولة نقود للشركة على كل رأس متدرب, أي ان المتدرب ينتج أضافة لذلك فائض قيمة للشركة وبعدها يسرح ليجلب مكانه آخر.فالدولة تمارس زيف الحياد المبطن كي تبقى تخدع العمال بزيادة الرواتب ليتم بعدها زيادة الضرائب والاسعار. وليقال لك أن لا وجود للرأسمالية وانها ماتت في رامبوية في 70 القرن الماضي. أي انك تحارب شيء لا يوجد له,وهذه اكبر خدمة للغزو الاقتصادي عبر الشركات العملاقة وحرب العولمة.أي تناسآ روح غزو ونهب الرأسمالية المرحومة!ن


5 - الأستاذ فاخر فاخر
قصي الصافي ( 2017 / 6 / 6 - 18:46 )
يبدو أنك و معلمك الذي اتخذته نبياً للماركسية غير قادرين على التحرر من كهف افلاطون.


6 - رمتني بدائها وانسلت
فاخر فاخر ( 2017 / 6 / 6 - 23:10 )
دونكيشوت لم يجد فرساناً يحاربهم فحارب طواحين الهواء
وها هو قصي الصافي يحارب الرأسمالية الإمبريالية !! التي لم يعد لها وجود حتى في سبعينيات القرن الماضي
أنا كماركسي أتحداك أن تثبت بالتحليل الماركسي المعروف أن الولايات المتحدة ما زالت دولة رأسمالية إمبريالية
وإلا فعليك أن تعترف بأن قصي الصافي لم يعد ماركسيا

اخر الافلام

.. مخاوف من استخدامه كـ-سلاح حرب-.. أول كلب آلي في العالم ينفث


.. تراجع شعبية حماس لدى سكان غزة والضفة الغربية.. صحيفة فايننشا




.. نشاط دبلوماسي مصري مكثف في ظل تراجع الدور القطري في الوساطة


.. كيف يمكن توصيف واقع جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة؟




.. زيلنسكي يشكر أمير دولة قطر على الوساطة الناجحة بين روسيا وأو