الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علي الوردي في ملفه الأمني... هليّل يعيد للذاكرة بعض كتاباته

شكيب كاظم

2017 / 6 / 5
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


عن دار سطور للنشر والتوزيع ببغداد, وبجهد دؤوب ومشكور بذله الباحث الكاتب سعدون هليل, يعاونه عدد من أعضاء (رابطة أنصار علي الوردي) منهم الباحثان رفعة عبد الرزاق محمد وزين النقشبندي, صدر كتاب (علي الوردي في ملفه الأمني) مع ملحق بالأحداث التي مر بها الباحث الاجتماعي الرصين الدكتور علي الوردي (1913-14/تموز/1995) أو مرت به, فضلاً عن دراسات وذكريات, نشرها في مجلة (التضامن) التي كانت تصدر في لندن, نحن الذين تابعنا الكثير من ذكرياته وكتاباته ولا سيما أواخر أيامه, وقد ضُيق عليه, وكان ينشرها في جريدة (الاتحاد) الأسبوعية التي تولى إصدارها إتحاد الصناعات العراقي, يوم كانت في العراق صناعة نامية. قبل أن يضربها التأميم الأهوج الذي صدر في 14/ تموز/1964 ومن ثم ضرب تأميم أهوج آخر الصحافة العراقية, صدر في شهر كانون الأول /1967, ولتتلاشى حرية الصحافة, ولقد تولى رئاسة تحرير هذه الجريدة الأسبوعية الرصينة التي كنت أحرص على إقتنائها والكتابة فيها, الصحفي المغترب ليث الحمداني, وما زلت أحتفظ بصفحات تأريخ العراق القريب التي كان يحررها الصحفي المهني, رشيد الرماحي – رحمه الله-.

الوردي في مذكراته وإنطباعاته, كان كما عودنا, جريئاً مخلصاً ونزيهاً, لا يخشى في قول الحق لومة لائم, وظل يؤكد ما سبق ان تحدث عنه في كتبه عن التناشز الاجتماعي, وازدواج شخصية الفرد العراقي, وهو ما سبقه في سبر غوره واكتناهه الملك فيصل الأول, الذي كان يعمل على تكوين شعب عراقي من هذا الخليط المتنافر غير المتجانس, والمتخندق في العشيرة والدين والمذهب والمحلة, يوم كانت المحلات في المدن, ولاسيما بغداد كانتونات معزولة, وسيادة مفهوم ابن الطرف الذي يقوده غالباً (الشقاوة) الذي يطلق عليهم في مصر (الفتوة) وفي بلاد الشام (القبضاي).

حرية وافرة وأمن اجتماعي

تقرأ في الكتاب, المذكرات التي كان يرفعها قادة الرأي وأساتذة الجامعة والأدباء والكتاب إلى رئاسة الوزراء, الدكتور محمد فاضل الجمالي مثلاً, أو إلى الملك فيصل الثاني فتجد النقاش الرصين, والمطالب, التي لو قارناها بمطالب عقود تلت بعد تصدع الدولة العراقية, بسبب سلسلة الانقلابات منذ تموز/1958. ومن ثم الحروب والحصار, والحرب الأهلية, لو قارناها بمطالب هذه الأيام لوجدناها مطاب أناس مترفين بطرين, لكنها الحياة يوم ذاك, كانت راقية وباحثة عن الرقي فكانوا يطالبون بحرية الصحافة, وإسباغ الحرية اللازمة على المعاهد العالية والإسراع في تنفيذ قانون الجامعة وتحقيق الحياة الجامعية, وقد بوشر بإنشاء جامعة بغداد, وظلت الكثير من الجهات تتجاوز هذه الحقيقة العلمية, وهي أن أول جامعة في تأريخ العراق الحديث, جامعة بغداد, قد أنشئت في عام 1957, وأول رئيس لها هو العالم الأستاذ الدكتور متي عقراوي, الذي أحيل إلى التقاعد في تموز /1958, ما اعترضت الحكومة العراقية على ترشيح متي عقراوي المسيحي العراقي, يوم كان المجتمع العراقي متماسكاً ويغذ السير نحو الرقي والتقدم, وظل متي عقراوي خائفاً وجلاً يترقب بعد إقالته, خائفاً على هذا الصرح العلمي الذي أنشأه, حتى إذا عرف بترشيح العالم الفيزيائي العراقي الدكتور عبد الجبار عبد الله, هدأت روحه, وأستقرت نفسه, وأطمأن إلى ديمومة الجامعة, لكن الأدبيات السياسية العراقية, تشير إلى اعتراض بعض أعضاء مجلس الوزراء الجمهوري على ترشيح المندائي عبد الجبار, وما زلنا برغم العقود نعتمد فيما يخص لواء كركوك على إحصاء النفوس الذي أجرته الدولة العراقية في السابع من تشرين الأول /1957 وأؤكد 1957, نرجع إلى هذا الإحصاء لمعرفة النسب السكانية للواء كركوك: التركمان والأكراد والعرب, قبل سياسات الصهر والتعريب والتغيير الديموغرافي لهذا اللواء العراقي المهم الذي تحول إلى قنبلة متفجرة في الحياة السياسية العراقية.

تقرأ المذكرات فتلمس حرية الرأي والمعتقد, وتوقيع الذوات بأسمائهم الصريحة, وعناوين أعمالهم ووظائفهم, ولا يخافون زائر الفجر, أو زائر الليل, أو كسر باب الدار واقتحام البيوت ولاسيما أيام انتشار قوات الاحتلال الأمريكي في العراق.

ما أعتقل هؤلاء ولا فصلوا, وحتى وأنت تطالع تقارير مديرية الأمن العامة, التي كان يطلق عليها اسم (مديرية التحقيقات الجنائية) وكان من أشهر من تولاها بهجت العطية الذي أعدم مع وجبة من ضباط جحفل لواء المشاة الخامس في الموصل الذي كان آمره العقيد الركن عبد الوهاب عبد الملك الشواف, الذين أعلنوا التمرد يوم 8/3/1959 اعدم بهجت العطية ووزير الداخلية سعيد القزاز, ومتصرف لواء بغداد أيام تظاهرات خريف 1956 عبد الجبار فهمي, ومدير سجن بغداد, إبان تمرد السجناء سنة 1953 عبد الجبار أيوب, أعدموا في 20/ أيلول/1959, أقول حتى وأنت تطالع تقارير الأمن تجد الدقة والمهنية.

فتجد تصنيف الأفراد إلى (الخطرين) أو (غير الخطرين) وقد كتبوها (الغير خطرين)!!

يوم كنا صغاراً وطلاباً في الدراسة الابتدائية, كنا نشاهد رجال الشرطة, إذا صدر امر قضائي باعتقال فرد وتفتيش بيته, يصطحبون معهم مختار المحلة, يوم كان وجيهاً محترماً, بعد ان تحول في عقود تلت إلى واشٍ وكاتب تقارير على الناس, أقول يأتي معهم المختار, ويدقون باب الدار, وإعلام ذويه بالغاية التي جاءوا من أجلها, ومنحهم وقتاً كي تلبس النسوة عباءاتهن, وهذا ما قرأته في مذكرات الدكتور علي الوردي, وهو يسرد علينا عملية القاء القبض على عالم الدين المعروف في مدينة الكاظمية الشيخ مهدي الخالصي, الذي كان يجاهر بعدائه للحكومة الملكية الجديدة, وأفتى بحرمة المشاركة في إنتخاب المجلس التأسيسي, أي مجلس النواب الأول الذي سيتولى سن وتشريع أسس الدولة الوليدة, وما أكتفى الشيخ الخالصي بذلك بل أعلن خلعه الملك فيصل الأول, متهماً إياه بالتعاون مع الإنكليز مصرحاً جهاراً نهاراً في مدرسته الدينية (( بايعنا فيصلاً ليكون ملكاً على العراق بشروط, وقد اخل بتلك الشروط فلم تعد له في أعناقنا وأعناق الشعب العراقي اية بيعة)) تراجع ص 42.

كيف أعتقل الشيخ مهدي الخالصي؟

فضلاً عن ان أولاده وأقرباءه كانوا يلصقون المنشور هذا على أبواب الصحن الكاظمي, فتولى معاون شرطة الكاظمية عبد الرزاق الفضلي اعتقال الشيخ مهدي الخالصي, مع ثلة من رجاله, ولندع الوردي يسرد علينا وقائع العملية ولنقف عند حضارية العملية, واحترام الناس وآدميتهم, يقول الوردي : (( في ساعة متأخرة من مساء 26/حزيران (يونيو) 1926جاء عبد الرزاق الفضلي إلى دار الخالصي, وبصحبته مختار محلة الشيوخ مع مفوض واحد وخمسة من أفراد الشرطة فألقى القبض على الخالصي بهدوء وحمله بسيارة كانت معه إلى محطة القطار في بغداد (…) كما أعد فيها قطار خاص مؤلف من ثلاث عربات, إحداها من الدرجة الأولى لتقل الخالصي والأخريان لتقل القوة المكلفة بحراسة القطار في الطريق (…) وسار القطار بهم إلى البصرة, ومن هناك ركبوا باخرة حملتهم إلى الحجاز)) تراجع ص44.قطار الدرجة الأولى يذكرني بقطار الموت, عربات الحمل الحديدية التي حشر فيها الناس كي يموتوا وهم ينقلون من بغداد إلى محطة قطار السماوة ومنها إلى سجن نكرة السلمان في ذلك اليوم التموزي القـــــــــــائظ من عام 1963 لولا شهامة سائقه عبد عباس المفرجي – رحمه الله- الذي انطلق بالقطار بسرعته القصوى, وأنقذ الناس المساكين. كثيراً ما قلت ان كل كتب الوردي, صدرت بعد عودته من الدراسة في الولايات المتحدة الأمريكية أخريات العهد الملكي, لكن مع صعود الراديكاليين سكت الرجل, بل أسكت, أسكته الخوف, وتأكد لي هذا وانا أجوس خلل هذا الكتاب الوثائقي المهم وقراءة التقارير الأمنية عن كتبه ومحاضراته, التي كانت تثير العوام والجهال, وظل يكتب ولا ينشر ما يكتب, بعد صدور كتابه المهم بأجزائه الستة (لمحات اجتماعية من تأريخ العراق الحديث) وما منعوه في ذلك الوقت من الكتابة والقاء المحاضرات في الندوات, والسفر إلى خارج العراق, ولكنه في عقود تلت كان يحضر المجالس الثقافية, هو الشغوف بحضورها, لكن لا ينبس ببنت شفة, لعلمه ان حركاته وسكناته تحت مجهر الأخ الأكبر والمخبر السري, فصمت الرجل وطال صمته.وما أشد قسوة الصمت على أصحاب العقل والقلم والضمير…؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما هي صلاحيات رئيس الجمهورية في إيران؟ • فرانس 24 / FRANCE 2


.. هيئة الانتخابات الإيرانية تعلن عن جولة إعادة بين بزشكيان وجل




.. الداخلية الإيرانية: تقدم بزشكيان مؤقتا يليه جليلي


.. الداخلية الإيرانية: تقدم بزشكيان على جليلي بعد فرز 19 مليون




.. مقتل عشرات الفلسطينيين وإصابة آخرين في قصف إسرائيلي على مناط