الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بريطانيا تبحث عن زعيم حكيم ام عن امرأة حديدية؟

ماجد عبد الحميد الكعبي

2017 / 6 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


في ظــــل تزايد الاعمال الارهابية والتراجع الكبير لسعر صرف الباوند وفي اجواء ظروف صعبة لمفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الاوربي ، يعود جيرمي كوربـــن مرة اخــــــرى الى الساحـــــة السياسة البريطانية بقــــوة في انتخابات مبكرة جاءت تلبية للضغط الكبير الذي يمارسه كوربن. كل ذلك ياتي مقرونا بتحولات سياسية عالمـــية واوضاع متقلـــبة ومخالـــفة للتوقــــعات. في يــوم 9/5/ 2017اعلـــن كوربــن رسمـــيا بدء حملته الانتخابية تــحـت شعــــــار: ( FOR THE MANY NOT THE FEW) . هذا الشعار يجلب انتباه كثير من الناس خارج بريطانيا فضلا عن الداخل ، لانه يعيد الى الاذهان قضية الصراع الازلي الطبقي والتفاوت المعيشي بين طبقات المجتمع البريطاني . وليس خافيا ان المجتمع البريطاني يتكون من اغلبية العمال والفلاحين الذين تشاركهم الطبقة الوسطى بازاء اصحاب رؤوس الاموال المتنفذين الذين يشكلون الطبقة الارستقراطية والتي يمثلها اصحاب البنوك والصناعات والاستثمارات الكبيرة فضلا عن الطبقة السياسية الداعمة لها.
لقد فاز كوربن مرتين بانتخابات لزعامة الحزب في اقل من سنتين معتمدا على شعبيته المتزايدة بوصفه مخلصا ومنقذا للمحرومين والمهمشين. ومما زاد من شعبيته انه كان يلتقي بهؤلاء الناس في اماكن عملهم فيسمع منهم ويسمعوا منه في حوار مباشر وجها لوجه فينقل معاناتهم الى ساحــــة البرلمـــــــان السياســــــية وهوالقائل: (This is what me and my team love doing: going out and meeting people and having real conversations. ). وهذا الامر ليس غريبا على ناشط حقوقي مخضرم مثل كوربن الذي تمرس على فن الخطابة بين الجماهير في حـــــــــملات المعارضة للحـكومة. لقد برز كوربن اليوم بوصفه زعيما شعبيا ومصلحا ومنقذا بل انه المخلص الذي يظهر في خضم الازمات الصعبة في نظر كثير من البريطانيين. زعيم لم يصنعه الاعلام الرسمي بل صنعه تاريخه السياسي وحراكه الاجتماعي على مدى سنوات طويلة في المعارضة. ويرافق هذا الظهور انكماش وانحسار واضحين لخصومه السياسيين مثل رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون وتيريزا ماي رئيسة الوزراء الحالية التي رفضت ان تجري مناظرة علنية معه. هذا الوضع السياسي الداخلي محاط بوضع سياسي خارجي يتمثل بصعود ترامب في اميركا الذي خالف كل التوقعات والذي شجع بريطانيا في سعيها للانسحاب من الاتحاد الاوربي متزامنا تقريبا بفوز ماكرون الشاب الفرنسي رئيسا لفرنسا والمؤيد الداعم لبقاء فرنسا في الاتحاد الاوربي.
البريطانيون بحاجة ماسة - اليوم - الى شخصية كارزمية مثل كوربن بسبب الوضع الاقتصادي المتازم نتيجة خروج بريطانيا من الاتحاد الاوربي والاختلاف الحاد بين البريطانيين الذين انقسموا بين وضعين - مناصفة تقريبا - بين المؤيد للخروج والرافض له. يضاف الى ذلك ان كوربن قادم وهو يحمل مشروعا اقتصاديا للاصلاح متمثلا باعادة شركات المواصلات – بما فيها سكك الحديد- وقطاعات الطاقة للقطاع العام، مؤكدا على ضرورة دعم الخدمة الصحية الوطنية وقطاع التعليم معطيا وعدا بجعل التعليم مجانا اسوة بالصحة. كل تلك المؤشرات والاوضاع السياسية في الداخل والخارج فضلا عن الحراك الاجتماعي تؤشر ان ارجحية الفوز ستكون من نصيب كوربن وحزبه ، لكن لا احد يستطيع الجزم بذلك لعدم توفر استطلاعات دقيقة لاراء الناس في الخصمين اللدودين. وفي الوقت نفسه هناك احداث ومؤشرات ودلائل ربما تقف في صالح كوربن لتعطيه الارجحية في الفوز ومنها:
ان ارتباط بريطانيا ثقافيا ووجدانيا بفرنسا اكبر من ارتباطها بامريكا وشخصية ماكرون الشاب الفرنسي صاحب الاخلاق الرفيعة والمؤيد القوي للاتحاد الاوربي احب الى نفوسهم من شخصية ترامب رجل الاعمال الباحث عن السلطة والشهرة. ولا يخفى ان ماي قد رحبت بترامب وسياسته بينما انتقدها كوربن ووعد ناخبيه بان سياسته الخارجية لن تكون تابعة للولايات المتحدة.
عرف كوربن بنشاطه المؤيد لاتفاقية المناخ والسعي للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري ، بينما حليف ماي (ترامب ) قد اعلن انه سينسحب من اتفاقية باريس حول المناخ التي تؤيدها وتدعمها الحكومات الاوربية بما فيها الحكومة البريطانية برئاسة ماي التي عبرت عن خيبتها لسماع هذا الاعلان باتصال مع ترامب. وهذه نقطة اخرى لصالح كوربن.
يضاف الى تلك النقطتين ان الثقافة البريطانية والبنية الفكرية للنظام السياسي قد ساعدا على بروز شخصية سياسية مثل كوربن. وليس سهلا ان تبني او تصنع شخصية كارزمية بين ليلة وضحاها فكوربن الشيخ الحكيم قد نضج في معترك السياسة ودهاليزها حيث تم بناء شخصيته بناء جيدا على مدى فترة طويلة في تاريخ طويل من النضال والحراك الاجتماعي وقد حان الوقت للاستفادة من تلك الخبرة وجني ثمار السنين لكي يعوضهم عن اخفاقات الشابين بلير وكاميرون. البريطانيون بحاجة الى الحكمة والتاني المتمثلة بشخصية كوربن اكثر من حاجتهم الى قوة المرأة الحديدية التي تبديها ماي واندفاع الشاب التابع لامريكا التي كانت سمة بارزة لسياسة بلير وكاميرون السابقة.
سقوط مرشحتين في امريكا وفرنسا سيلقي بظلاله على الناخب البريطاني فضلا عن ان شخصية ماي تذكر البريطانيين بشخصية مارغريت تاتشر المرأة الحديدية التي قامت باكبر عملية خصصة للقطاع العام في الثمانينات والتي اسهمت بظهور الفارق الكبير بين طبقات المجتمع البريطاني
في حال ان فاز كوربن فانه سيتحول الى زعيم سياسي و روحي وحينها ستجد بريطانيا نفسها مع رئيس وزراء مختلف عن كل الذين سبقوه بفكره وتطلعاته وبالمشروع الذي يحمله فيعيد للمواطن ثقته ويردم الفجوة الكبيرة بين الطبقات الاجتماعية ، ولكن يبقى السؤال الذي يمثل وجهة النظر الاخرى مطروحا: ماذا لو لم يفز كوربن؟
اذا لم يفز كوربن وحزبه فان الشعب البريطاني حينها قد اختار المحافظين بقيادة المرأة الحديدية حيث العودة الى زمن تاتشرلكي يحافظوا على نمطية الحياة في المجتمع البريطاني. يومان فقط يفصلان بريطانيا عن امرين : اما وضع سياسي ثوري مختلف تماما بقيادة شيخ حكيم يحسن الخطابة والتاثير بالجمهور واما تصويت لاستمرارية حكم المرأة الحديدية التي ستحافظ على الوضع الحالي ثم التحسن التدريجي للظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والامنية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استشهاد فلسطينيين اثنين برصاص الاحتلال غرب جنين بالضفة الغرب


.. إدارة جامعة جورج واشنطن الأمريكية تهدد بفض الاعتصام المؤيد ل




.. صحيفة تلغراف: الهجوم على رفح سيضغط على حماس لكنه لن يقضي علي


.. الجيش الروسي يستهدف قطارا في -دونيتسك- ينقل أسلحة غربية




.. جامعة نورث إيسترن في بوسطن الأمريكية تغلق أبوابها ونائب رئيس