الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هانسغروهي

علي دريوسي

2017 / 6 / 7
الادب والفن


كان زوجها السيد عصفور يمتلك مطعماً شهيراً، سمّاه مقصف العصافير، كل من عاش في تلك المدينة البحرية يعرفه ويشهد بالمذاق الطيب لمأكولاته ومشروباته، وكانت زوجته تعمل في إحدى مُسْتشفَيَات المدينة الجديدة بصفة عاملة تنظيف، كان لسانها وخفة يدها هما ما يميزانها، كانت تسرق كل ما يقع في طريقها دون أن يتمكَّن أي ممن شم رائحة سرقاتها من إثبات التهمة عليها، مضت الأسابيع وبدأت النواقص بالظهور، بدءاً من المواد الطبية والأدوية مروراً بالمرايا في دورات المياه وانتهاءً بمقابض الأبواب وأقفالها…

ذات يوم قرَّر المدير التقني للمُسْتشفَى استثمار زيارة وزير الصحة للمُسْتشفَيَات بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين للثورة المجيدة، كتبَ تقريراً بشأن المفقودات المتتالية دون التمكُّن من السيطرة على الأمر، وصرَّح في التقرير حول شكوكه بالسيدة عصفور عاملة التنظيف. في يوم الاحتفال المحدَّد وصل السيد الوزير نَقَّار الخشب بكامل هيبته التي تعلَّم اِرتِداءها، وفي الوقت النظامي لاِنصراف العمال من الباب الخلفي كما العادة كان الوزير يقف للسيدة عصفور بالمِرْصاد، كل من مرّ بجواره حيّاه باحترامٍ كبير.
آخيراً وصلت المُتَّهَمة بلباسها المتواضع الأنيق وحقيبتها الجلدية الواسعة، حيّته قائلة: بارك الله بمجيئكم إلينا يا سيادة الوزير، كل عام وقائد الوطن وثورتنا وحضرتكم بألف خير.

سألها أحد مرافقي الوزير بحذرٍ ولطفٍ: هل تتفضلين با سيدة عصفور بفتح حقيبتك؟
أجابته بثقةٍ: بالتأكيد أفتحها لكم، أفهمكم جيداً، كلنا فدى القائد والوطن، لقد سبق أن حكى لي زوجي عن تحضيرات لعمليات تهريب أسلحة وتخطيط لاغتيالات وتفجيرات وأعمال شغب.

فتحت الحقيبة، فتحت جيوبها الداخلية، باعدت بيديها بين جوانبها لتفسح المجال للفضوليين بإمعان النظر، نظر المرافقون إلى محتوياتها، جَحَظَتْ عيونهم، نظر المدير التقني إلى وجه سيادة الوزير نظرة انتصارٍ في معركة، أدخل النَّقَّارُ رأسه في الحقيبة وكأنَّه يرغب بشم الرائحة الغريبة لحقيبةٍ أنثوية غامضة، مدَّ يده وأمسك بها، كانت ملساء، مُتقَنة الصنع، باردة، رطبة قليلاً، تناول من جيب سترته نظارته الثانية، وضعها على عينيه بينما أصابع يده اليسرى تحتضنها وتداعب ملمسها بشوقٍ، قرَّبها من أنفه ثم من عينيه وقرأ الأحرف الأجنبية المحفورة عليها: هانسغروهي!

نظر النَّقَّارُ إلى وجه عصفور بعبوسٍ وصرخ بها: ما الذي تفعله هذه الحنفية الثمينة في حقيبتك؟ أليست من ممتلكات المُستَشفى؟
شدَّ المدير التقني ربطة عنقه بفرحٍ ممزوجٍ برغبة الانتقام.
أجابت السيدة عصفور: بالتأكيد، لكنها تنقط منذ شهر يا دكتور، تزعجني في فترة استراحتي، تعذبني بصوتها، الماء يتسرب منها قَطْرَةً قَطْرَةً، في الوقت الذي لا نجد فيه الماء الكافي للشرب في بيوتنا، الماء ثروة وطنية يا دكتور، لقد أخبرت ورشة الصيانة مرتين لإصلاحها، وهم أجابوا أنَّهم لم يتلقوا من المدير الموافقة على طلب الإصلاح بعد...
قاطعها الوزير: ولماذا فككتها وسرقتها إذنْ؟

أجابته: الله وكيلك لم أسرقها، مَعَاذَ الله أَنْ أسرق شيئاً، الحالة مستورة والحمد لله، كل ما في الأمر هو أنني تكلمت بالموضوع مع زوجي، وهو وعدني بدوره أن يقوم أحد عماله بإصلاحها كرمى للمُستَشفى الذي لحم أكتافنا من خيرها، ثم إعادتها إلى مكانها.
نظر الوزير نظرة تهديدٍ إلى وجه المدير الذي بدأ بالتعرق وظهرت عليه معالم الاضطراب، ثم حدَّق بوجه السيدة الطيب الصادق وقال: بِاسْمِي كوزير وبِاسْمِ وزارتي أتقدّم لحضرتك بأسمى آيات الشكر والتقدير والعرفان لقلبك النقي ولخدماتك للمُستَشفى وخوفك على أثاثها. ثم أمر المدير بصَرْف مكافأة تشجيعيّة للعاملة على أمانتها.

أشرقت عينا السيدة، شكرته ثم دعته بِاسْمِ زوجها لزيارة مطعهم المشهور، وتمنت له كما عادتها مع كل شخصٍ قائلة: فليحالفك الحظ والتوفيق، كما يحالفنا، في كل مكانٍ تكون فيه وفي كل جهةٍ تدير إليها وجهك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الكينج وكاظم الساهر وتامر حسني نجوم حفلات مهرجان العلمين فى


.. عوام في بحر الكلام - الشاعر جمال بخيت يتحدث عن كلمات أغنية ع




.. عوام في بحر الكلام - الشاعرة كوثر مصطفى تتحدث عن أعمالها مع


.. عوام في بحر الكلام | الشاعر جمال بخيت - الإثنين 8 يوليو 2024




.. الفنانة نادين الراسي توبخ أما تعنف طفلها وتضربه