الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نكبتي ولجوئي:سقوط سور الدهيشه اللعين ج 1

عطا مناع

2017 / 6 / 8
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


نكبتي ولجوئي:سقوط سور الدهيشه اللعين ـ ج 1

سأنتصر للجوئي ، فاللجوء ليست قضية يتشدق بها سياسي أحمق، اللجوء ملايين السنوات التي طعمها كالعلقم، سأنتصر للجوئي ومنطلقي ليس حقي فقط، انا انتصر لذاتي اللاجئة، غير ذلك هي الخيانة التي ستلاحق المفرطين من حتى القبر.

ننتصر للجوء والمخيم بالنكران، نكران الحالة الراهنه، من حقنا ان نتمسك بتاريخنا وتراث من سبقونا، من حقنا ان ندافع عن سنوات البؤس والقمع التي عشناها، من حقنا ان نكرم من روى ارض المخيم بدمه ومضى، ومن حقنا ان نذكركم بالبطولات التي ترتقي لدرجة الاسطورة.

سأسهب فيما انا بصدده، هي صورة مشرقة عاشها المخيم، صورة من عشرات الصور شكلت اللوحة التي اردناها، لا ادعي هنا صناعتها، انقلها لكم كأنني عشت فصولها وتفاصيلها، عظمتها تكمن في روح الجماعة التي نفتقدها، عظمتها تأتي من تجسيد القيادة والروح الحرة التي سكنت المخيم، كم اشتاق للمخيم الذي كان، اشتاق للنحن التي كانت، واشتاق لروح الجماعة التي قايضناها بما اعتقدنا انها امتيازات.

لا اتذكر التواريخ بالضبط، لكنني اعيش تلك الليلة كأنها الان، انها ليلة سقوط سور الدهيشه اللعين، ولا يمكن استحضار تلك الليلة العظيمة والمشرفة بمعزل عن تفاصيل عاشها مخيم الدهيشه خلال الانتفاضة الاولى، تلك الانتفاضة التي كان لها مفعول السحر، فالمخيم تكثف ليصبح عن قلب رجل واحد، في المخيم كل البيوت بيتك، وفي المخيم كل الامهات امك، لم تكن الحالة كما نحن الان كل متقوقع في ذاته، لقد تحول المخيم لكومونة غاية في الرقي، ولذلك انتصر على ذاتة ولذاته.

لا يمكن الحديث عن ليلة سقوط سور الدهيشه العظيم بمعزل عن الواقع الامني في المخيم، واقصد بالواقع الامني تواجد فرق جيش الاحتلال الراجلة التي تجوب المخيم على مدار الساعه، كان الدور المرسوم لتلك الفرق تنغيص حياة سكان المخيم، واذكر انهم كانوا يقتحمون البيوت خلال شهر رمضان وقبيل الافطار للتنكيد على الناس لا اكثر، فكم من عائلة لم تتناول طعام الافطار لان تلك الفرق قلبت مائدة الافطار وأحدثت خراباً غير مبرر.

كانت تلك الفرق تقتحم المنازل وتقلب محتوياتها رأساً على عقب، كانت تخلط الطحين بالزيت والسكر، وكانت تخرج كبار السن وتشبحهم على الجدران بهدف التسلية فقط، وكانت اللحظات الصعبة على السكان عندما يعلق نشطاء الانتفاضة العلم الفلسطيني على اعمدة الكهرباء ليلاً، في الصباح كان فرق جيش الاحتلال تقتحم المنازل وتخرج من تجده بهدف انزال علمنا الفلسطيني، غالبية الناس كانوا يرفضوا انزال العلم رغم علمهم بما ينتظرهم من هراوات وركلات.

المهزلة التي نعيشها اليوم اننا قايضنا علمنا بالرايات الخضراء والحمراء والصفراء وغيرها الكثير، نسينا كم سقط من شهداء لأجل ان يبقى علمناً خفاقاً، كان رفع العلم شكل راقي من اشكال المقاومة الشعبيه، كان يغضب الاحتلال ان يرفرف العلم في سماء مخيماتنا وقرانا ومدننا، ولذلك كانت التنظيمات الفلسطينية تحدد ايام لرفع العلم بكثافة في كافة المواقع، كان لعلمنا قيمة بالرغم من صناعتة اليدوية البسيطة، واجزم ان قلوبنا كفلسطينيين خفقت للعلم الخفاق على عمود كهرباء اكثر من روئيتنا لعلمنا على سارية الامم المتحدة.

في جعبتي الكثير من الحديث عن علمنا الفلسطيني الحقيقي، ولماذا اقول حقيقا لأنه كان يمثلنا، كان يعكس تطلعات الفلسطينيين التواقين للحرية، هؤلاء الفلسطينيين الذين قدسوا علمهم ولم ينحنوا يوماً إلا له ولله، لكنني الان بصدد سور الدهشة اللعين، حيث اتذكر تلك الفرق الراجلة التي كانت تخرج من المعسكر الذي اوجد خصيصاً لقمع المخيم، كانت تلك الفرق كما ذكرت تجوب شوارع وأزقة المخيم على مدار الساعه، كانوا يتناوبون حتى ساعات الفجر، وكان في سماء المخيم منطاداً يتابعون من خلاله تحركات نشطاء الانتفاضة، هذا المنطاد الذي كان يرصد كل صغيره وكبيره في شوارع وحارات وأزقة المخيم.

كان مخيم الدهيشه محاصراً بالكامل، كافة مداخله التي قد تصل لثلاثة عشرة مدخلاً اغلقت بالباطون المسلح، ولمراقبة حركة السكان وضعوا بوابة على مدخل المخيم، وقد صممت هذه البوابة ليمر منها شخص واحد فقط، المشكله كانت تكمن اذا اراد كان يحمل احد المواطنين خضار او ما شابه، فهو مضطر للمشي حوالي 2 كم للوصول الى بيته الذي لا يبعد عن البواب بضعة امتار، مع دخول السلطة اقتلعت البوابة من جذورها، من اقتلعها ؟؟؟ نحن لا نعرف كيف نحافظ على اسباب وجعنا ، لقد بقي منها هيكل صغير.

هذه الاجواء والأداء الوطني الصادق للحركة الوطنية اوجد حاضنة لا يمكن اختراقها، الحاضنه كانت الجماهير التي تحملت الكثير من القمع والعنف خلال الانتفاضة الاولى، الجماهير التي لها الفضل الكبير في كل بصمة وطنية عاشها المخيم، الجماهير التي قدرت المجهود الجمعي للمجموع الوطني الذي جسد ابجديات العمل الجماهيري والمقاومة الشعبيه ليس فقط ضد الاحتلال وإنما في الوقوف لجانب الناس والشد من ازرهم ومساعدتهم والاهم من ذلك ترسيخ ثقافة الاحترام التي كان لها الاثر الاكبر في الارتقاء بالوعي الجمعي الذي شكل سداً منيعاً في مقاومة الاحتلال.

كان المخيم لا ينام، والاهم وكانت كل نساء المخيم ام سعد التي حدثنا عنها غسان كنفاني، للنساء في المخيم دور بحاجة لمكسيم غوركي فلسطيني لنفض الغبار عنه، ولو عاش مكسيم غوركي في المخيم ووثق نضال المرأة والأم لتفوق على نفسه.

كان المخيم كما خلية النحل، لقد شكل قلقاً للمستوطنين ومقر الحكم العسكري الكائن في بيت لحم، كان نشطاء الانتفاضة لا يسمحوا بمرور سيارة او باص اسرائيلي دون وضع بصماتهم عليه، في اليوم الواحد كانوا يعطبوا عشرات السيارات، هذا الوضع اقلق مقر الحاكم العسكري بالرغم من ان المواجهة في مخيم الدهيشه سبقت الانتفاضة، لكن عمليات رشق الحجارة لسيارات المستوطنين تضاعفت، ولا زلت اذكر كيف كان المستوطنون يسيرون حافلات للهجوم على مخيم اللدهيشه وكيف كان يخرج الناس كل الناس عن بكرة ابيهم لمواجهتم، كان ذلك قبيل الانتفاضة الاولى ، كانوا يفشلوا دائماً ولذلك اعتصم الحاخام العنصري لفينغر امام المخيم لأشهر احتجاجاً على رشق سباب المخيم باصات شركة ايغد الاسرائيلية وسيارات المستوطنين بالحجارة لكنها كانت تتعرض للرشق بالرغم من وجوده والحراسة الدائمة والمكثفة له، وقد تسعفني الذاكرة للحديث عن مرحلة الحاخام ليفنغر، تلك المرحله التي ارتبطت بإحداث عصفت في المخيم، احداث علينا الوقوف امامها لأنها شكلت منعطفا خطيراً.

كل ما سبق احدث تراكمات عززت الفكر والممارسة الثورية التي دفعت بالمخيم للنهوض، كان هذا طبيعياً، فمخيم الدهيشه شكل حاله على مستوى الوطن، تلك الحاله حمت المخيم من الامراض التي عصفت بمخيمات اخرى، لكن علينا ان نعترف بان مخيم اليوم يختلف عن مخيم الامس، ويعود ذلك لتأئره بالحالة العامة، لقد تأئرنا بالأمراض التي جلبتها لنا ثقافة اوسلو، هي امراض خطيرة تتجسد في الفساد والاستقطاب وشراء الذمم والاستزلام والاستقواء وفقدان البوصلة وتقوقع النخب التي ذهب بعضها للتفتيش عن مصالحه لاعتقاده ان الوطن كما المسبحه وان القضية فرطت ولا بأس من الاستفادة من الوضع القائم، هذا ادى لاختلاط الحابل بالنابل لدرجة انك لم تعد تفرق بين اليمين واليسار.

كان سور الدهيشه اللعين او الشيك كما يسميه السكان يشكل حالة فلق وتضييق على الناس، كان هذا السور يمتد على الشارع الرئيس للمخيم، أي بطول كلم، وكان ارتفاعه يصل لحوالي سته امتار، وكان عبارة عن مواسير حجمها اربعة او خمسة انشات، وكانوا أي جيش الاحتلال قد زرعوا في كل مترين او ثلاثة امتار ماسوره، ومن ثم وضعوا الشيك على الهيكل الحديد المدعم بمواسير جانبيه، كان هدفهم منع رشق سيارات المستوطنين بالحجارة او الحد من ظاهرة رشق الحجارة.

تؤكد الرواية على لسان صاحبها، ان الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين قررت القيام بعمل انتفاضي يوجع الاحتلال، وبعد التداول تقرر اسقاط سور الدهيشه الذي يربض على صدور الناس، تم الاتصال والتوجه للقوه الاخرى، كان نقاشاً مطولاً لحساسية العمل وخطورته، يقول الراوي ان الحزب الشيوعي رفض المشاركة في هدم السور اللعين .... اكتفي هنا وسأستكمل كيف اسقط الدهيشيون اصحاب الارواح الحرة سور الدهيشة اللعين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تصريح الأمين العام عقب المجلس الوطني الثاني لحزب النهج الديم


.. رسالة بيرني ساندرز لمعارضي هاريس بسبب موقفها حول غزة




.. نقاش فلسفي حول فيلم المعطي The Giver - نور شبيطة.


.. ندوة تحت عنوان: اليسار ومهام المرحلة




.. كلمة الأمين العام لحزب النهج الديمقراطي العمالي الرفيق جمال