الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تونس :مخطط تنموي بدون رصيد

حزب الكادحين

2017 / 6 / 8
مواضيع وابحاث سياسية




صادق البرلمان التونسي يوم 12 أفريـل 2017 على مشروع المخطط التنموي الخماسي (2016-20200)، في نفس الوقت أجرى صندوق النقد الدولي مباحثات مع السلطات التونسية تواصلت عدّة أيّـام في زيارة أدّاها وفده إلى تونس استمرّت إلى 18 أفريل.

وتشهد المباحثات بين بعثة صندوق النقد الدولي والجانب التونسي تقدّما (حسب "لسان" الحكومة) قد يُفضي إلى الإفراج عن القسط الثاني من القرض للدولة التونسية قبل موفّى شهر جوان مقابل تنفيذ الدولة لتعهّداتها التي كانت إدارة الصّندوق قد اشترطتها على السلطات التونسية منذ تمّ الاتّفاق على منح هذا القرض، وهي ليست إلاّ جزءا من مجموعة من الإملاءات والتي يتوقّف إسناد القسط الثاني على مدى التقدّم في تنفيذ هذه الشروط وتتمحور هذه الشروط التي تراقب بعثات صندوق النقد الدّولي تنفيذها من وقت لآخر حـول ثلاث مسائل رئيسيّة وهي الحدّ من مصاريف الدّولـة وإنفاقها في القطاع العمومي والضّغط على الأجـور وهيكلـة قطاع البنوك.

ويشترط صندوق النقد في المسـألة الأولى على الدّولة التونسيّة التخلّي عن عدد كبير من المشتغلين في الوظيفة العموميّة بدعوى أنّ جزءا كبيرا من ميزانيّة الدّولـة يتمّ صرفه كأجور ومرتّبات الموظفين العموميين وهو ما يرهق كاهلها خاصّة وأنّ الدّيون أصبحت اليوم تمثّل المصدر الأكبر في تمويل الميزانية. وقد شرعت الدّولة التّونسيّة منذ تنصيب حكومة "الوحدة الوطنيّة" في الاشتغال على تطبيق هذا الشّرط، وتمّ لأجل ذلك إحداث وزارة كاملة أُطلق عليها اسم "وزارة الوظيفة العموميّة" واتّضح أنّ مهمّتها الرّئيسيّة تتمثّـل في البحث عن آليّات مجدية تؤدّي إلى التقليص في عدد المشتغلين في هذا القطـاع، ولم يفت وقت طويل حتّى أخرج وزير هذه الحقيبة من حقيبته مشروعا سرعان ما تهافتت وسائل الإعلام على الدّعاية له عبر استضافة الوزير المسؤول ليشرح تفاصيله التي اتّضح أنّها تستجيب بشكل كليّ لشرط صندوق النقد الدّولي. فقد أوضح الوزير (الذي سيتمّ إقالته بعد مدّة قصيرة من تلك التصريحات) بأنّه سيقع تسريح حوالي 10 آلاف موظف عمومي خلال هذه السنة وبشّر بأنّ الرقم سيرتفع خلال الأعوام القادمة.

وحتّى وإن ادّعى الوزير أنّ هذا التسريح طوعيّ، فإنّ جميع المبرّرات التي أوردها لا يمكنها أن تنفي هذه العلاقة المباشرة والمفضوحة بين ذلك الشرط وهذا المشروع. ويرتكز هذا المشروع على إغراء الموظفين العموميين ببعض التمويلات المقدّمة إليهم في شكل قروض ليقوموا من خلالها ببعث بعض المشاريع الخاصة وبالتالي يغادرون قطاع الوظيفة ليتحوّلوا حسب هذا البرنامج إلى "مستثمرين".
و لا نعتقد بعد أن تمّ الاستغناء عن خدمات هذا الوزير والتخلّي عن الوزارة المذكورة، أنّ الدّولة ستتخلّى عن هذا المشروع ذلك أنّـه يمثّل بالنسبة لها ورقة رابحة في إطار تفاوضها ومناقشتها مع بعثات صندوق النقد الدّولي من اجل الظّفر بالقسط الثاني من القرض المذكور.
و يتمثل الشرط الثاني المقدّم من قبل الصندوق في الضغط على الأجور، وهو شرط يستهدف شرائح واسعة من المجتمع التونسي، وقد شرعت الدّولـة وخاصة الحكومة الأخيرة منذ بدايات تشكّلها في تنفيذه عبر تأجيل المفاوضات الاجتماعيّة وربطها بمدى تطوّر نسبة النموّ الاقتصادي مستغلّة بذلك إمضاء الاتحاد العام التونسي للشغل على "وثيقة قـرطاج" التي هيّأت لتشكيل حكومة "الوحدة الوطنية" المزعومة. ويأتي هذا التأجيل وهذا الاشتراط في الـوقت الذي تدهورت فيه المقدرة الشرائيّة للطّبقات الشعبيّة الفقيرة والمتوسطة في ظلّ الارتفاع المشطّ في الأسعار لمختلف المواد الاستهلاكية وللخدمات بمختلف أصنافها. وهذا لا يعني سوى مزيد الضغط على الجماهير الشعبية ومزيد خنقها من أجل إرضاء كريستين لاغارد (مديرة الصندوق) وفريقها.

أمّا بخصوص الشرط الثّالث، فإنّ الحكومة الحالية بدأت تتهيّأ لتنفيذه من خــلال صيحة الفزع التي أطلقتها حول الوضعية الماليّة للبنوك العموميّة الثلاثة حيث أعلنت أنّها في حالة عجز وأنّ هناك حلّين وحيديْن لهذا العجز وهما إمّا ضخّ مزيد من الأمـوال لخزينة هذه البنوك وإمّا التفويت فيها لفائدة الخـواصّ. وقـد أطلقت الدّولـة لخبرائها الضّوء الأخضر ليشرحوا هذه الوضعيّة ولوجّهوا الرّأي العـام نحو الحلّ الثّـاني واستبعاد الحلّ الأوّل، ولم يدّخر هؤلاء جهدا في إبراز الانعكاسات السلبية والخطيرة إذا ما تمّ اعتماد الحلّ الحلّ بما أنّ عمليّة الضخ ستكلّف ميزانيّة الدّولـة أموالا طائلة لا قدرة لها عليها في ظلّ وضع اقتصادي متدهور ووضع ماليّ متأزّم. لكن هؤلاء المطبّلون للحلّ الثاني ومن ورائهم الدّولة بحكومتها الحالية، وكذلك حكوماتها السابقة، كلّهم تناسوا أنّ المتسبّب في الأزمة المالية لهذه البنوك هي تلك الإدارة الفاسدة التي تشرف عليها والتي حوّلت أموال الشعب إلى جيوب عصابات لا تطالها قوانين هذه الدّولـة دون أيّ ضمانات.

و هكذا، فإنّ كلّ المؤشّرات توحي بأنّ ما قدّمته الدّولة وما اطّلعت عليه بعثة صندوق النقد الدّولي ستضمن نيل رضاء كريستين لاغارد وفريقها وبالتالي سيتمّ الإفراج عن القسط الثاني من القرض، لذلك تعالت تصريحات الابتهاج والفرح لدى بعض المسؤولين الحكوميين، مثل وزيرة المالية (المقالة لاحقا)، بما أنّ بشائر "النصر العظيم" بدت تلوح أمامهم.

و بهكذا تصرّفات وسياسات تحاول الحكومة الحالية كما حاولت سابقاتها أن تقدّم لصندوق النقد الدّولي جميع الضّمــانات حتّى تتمكّن من ضخّ أموال هذا القرض في ميزانيّتها لتموّل بذلك مشاريع مخطّطها التنموي الذي بقي إلى حدّ الآن مجرّد حبر على ورق، ولذلك فهي مرغمة على توفير مختلف هذه الضّمـانات بما أنّها أوّل من يعلم أنّ رفض إدارة الصندوق منحها هذه الأمـوال سيسقط جميع مشاريعها في الماء وبالتالي ستلحق بها فضيحة مدوّية. وهكذا إذن، فإنّ التنمية في هذه البلاد تتوقّف على مدى رضا صناديق النهب العالمية وهو ما يؤكّد عجز هذا النظام القائم على إيجاد أيّة حلول للمشاكل والأزمات الدّاخليّة دون اللّجوء إلى تلك المؤسسات التي ستزيد في تشديد الهيمنة الاستعمارية على الوطن وفي مزيد خنق الشعب.
و في صورة موافقة الصندوق على منح هذا القسط للدولة التونسية وصرفه ستشرع الدولة في تطبيق مخططها التنموي 2016-2020 الذي تمت المصادقة عليه يوم 12 أفريـل، وهو مخطط تنموي ضاع من المدة التي يخصها حوالي سنة ونصف.
و تتوقّع الحكومة الحاليّة أنّ هذا المخطّط سيضمن تحقيق نسبة نموّ تقدّر بـ3.5% أو حتّى 4% حسب ما صرّح به وزير الاستثمــار.

غير أنّ المؤشرات الاقتصادية الحالية لا تشير إلى إمكانيّة وقوع أيّ تحوّلات إيجابيّة على المستوى الاقتصادي، وتبقى مثل هذه التصريحات مجرّد محاولة من قبل الحكومة لبث التفاؤل في صفوف شرائح واسعة من المجتمع وخصوصا الطبقات الاجتماعية المحرومـة التي يزيد يوما بعد يوم أنينها من ثقل الأزمة الاقتصادية.
و حتّى إن افترضنا أنّ نسبة النمو الاقتصادي ستبلغ التوقّعات التي أعلنتها الحكومة فإنّ ذلك لن يؤثّر إيجابا على الطّبقات الاجتماعيّة الكادحة بما أنّ عائدات هذا النمو لن ينتفع بها المنتجون وإنّما ستوزّع على كمشة من كبار الملاكين والمضاربين والمتحكّمين في الأربـاح، ولا يمكن هنا أن ننسى نسب النمو العالية للاقتصاد في عهد بن علي وكذلك نسب الفقر العالية.
فإذا كان الحكّام يرون أنّ حلّ الأزمة الاقتصاديّة يتوقّف على القروض الخارجية المتأتية من المؤسسات المالية النهّابة، فإنّ هذه الصناديق لا تقدر على حلّ الأزمة الاجتماعيّة بل إنّها تعمّقها أو تؤجّلها في أحسن الحالات. لذلك يبقى الحلّ بيد هذا الشعب وليس بيد الحكومة بما انّه هو من يتحمّل تبعات الأزمات المتفاقمة والدّيون المتراكمة، وهذا الحلّ لن يخرج عن طريق الثّورة الـوطنية الديمقراطية وإقـامة نظام ديمقراطي شعبي يسمح للطبقات الشعبيّة بالتحكّم في ثروات البلاد واستغلالها والانتفـاع من ثمـار عرقهم وتوزيعها بالمساواة فيما بينهم.

-----------------------------------

طريق الثورة، مارس-أفريل 2017








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس: انتخابات رئاسية -على مقاس الرئيس-؟ • فرانس 24


.. الشرطة التونسية تعتقل مرشحا محتملا للانتخابات الرئاسية بشبهة




.. الرئيس التونسي الأسبق منصف المرزوقي يدعو إلى توفير أربعة شرو


.. وزير إسباني يدعو من جيب مليلية إلى فتح الجمارك التجارية مع ا




.. صورة تجمع نائبة أوروبية بقائد حماس. ما القصة؟ • فرانس 24