الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هزيمة الهزيمة

فريدة النقاش

2017 / 6 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


قضية للمناقشة: هزيمة الهزيمة


كانت الهزيمة القاسية التي تلقاها العرب قبل خمسين عاما امام العدو الصهيوني متحالفا مع الامبريالية الأمريكية في الخامس من يونيه عام 1967 .. كانت إيذانا بدخول العرب كافة مرحلة ظلام طويلة من تاريخهم الحديث بعد أن ثبت المشروع الصهيوني والاستعماري أقدامهما على الأرض المغتصبة في فلسطين وصولا إلى انتزاع الاعتراف بشرعية اسرائيل . وتفتت المشروع القومي العربي بعد أن وقعت مصر اتفاقيات كامب دافيد ومعاهدة الصلح مع إسرائيل .

كان الحصاد الثقافي لنصف قرن من الهزيمة نتاجا مباشرا للسياسات الاقتصادية والاجتماعية الجديدة التي فرضتها على البلاد المؤسسات المالية الدولية ، ولقيت هذه السياسات هوى لدى الطبقة الجديدة الشامتة في التجربة الناصرية رغم أنها تربت في أحضانها ، وراكمت ثرواتها في ظلها .

أصبحت الثقافة التجارية الاستهلاكية هي العنوان الأبرز في هذه الأعوام السوداء حين جرى التخريب المنظم للمؤسسات العامة ، والبدء في تصفية القطاع العام تحت عنوان الانفتاح الاقتصادي ، وافتعال الازمات مع الاتحاد السوفيتي ، والارتماء في أحضان الولايات المتحدة الأمريكية التي رأى ” السادات ” أن 99 في المائة من أوراق الحل في يديها ، وحتى يواجه ” الرئيس المؤمن ” ـ كما أطلق على نفسه ـ قوى اليسار التي قاومت هذه السياسات تحالف مع الجماعات الإسلامية وأسهم رجاله في تسليمها خاصة في الجامعات ، وأنطلقت منذ ذلك الحين أوسع حملة لترويج الفكر الخرافي اللازم لتغييب وعي الجماهير المجروحة بعار الهزيمة ، وهي تئن تحت وطأة صعوبات العيش بسبب السياسات الاقتصادية والاجتماعية الجديدة ، وانتشر الفكر الديني التكفيري الوهابي .

وبدأت هذه الاستراتيجية بإدعاء ظهور السيدة العذراء في كنيسة بحي الزيتون بعد عام من الهزيمة ، وأخذ التعساء والبؤساء يتكدسون أمام الكنيسة ، ويقدمون للسيدة “مريم ” مطالبهم ، في الوقت الذي كانت حرب الاستنزاف على أشدها ضد العدو الصهيوني ، إذ حرصت القيادات في ذلك الحين على حجب المعاني والقيم التي مثلتها هذه الحرب ، وهي تمهد الطريق لحرب اكتوبر عام 1973 ، لان نظام يوليو رغم الانجازات الإيجابية حرص عبر مسيرته كلها على استبعاد الجماهير بل والخوف منها ، وتعامل بقسوة بالغة مع محاولات تنظيمها خارج الاطر السلطوية ، فارضا التنظيم الواحد والصوت الواحد ، وهي السياسة التي أدت لإحداث فراغ في الحياة العامة والسياسية تقدمت الجماعات الدينية وملأته بمهارة فائقة ، وبدعم واسع من النظام الرأسمالي العالمي الذي أعد العدة لإطلاق سياسات الليبرالية الجديدة ، ومحورها سيادة الحلول الفردية ومخاصمة العمل الجماعي ، وفي سبيلها لتحويل البلدان إلى أسواق والشعوب إلى زبائن من المستهلكين غير المنتمين لأي مبدأ أو قيمة وشعارهم ” أنا ومن بعدي الطوفان ” أسهمت في تدمير القيم الإيجابية باسم المنافسة وهو ما أدى ـ ضمن عوامل أخرى ـ لإحداث تشوهات في الشخصية الوطنية.

وسجل الأدب والفن المصريان السمات الموجعة لهذه المرحلة التي طبعتها الهزيمة ، جنبا إلى جنب الانقسام الاجتماعي المتسارع الإيقاع الذي حول البلاد إلى بلدين بينهما فجوة واسعة ، وأخذ المصريون يهاجرون بالآلاف لأول مرة في تاريخهم، وعاد ـ من عاد منهم ـ مشبعا بالأفكار الوهابية البدوية المعادية للتقدم وللحداثة وللنساء ، وأخذ هؤلاء العائدون يصبون المزيد من المياه في طاحونة اليمين الديني إلى أن نجح هذا اليمين في مرحلة لاحقة في حكم البلاد وحملته ثقافة المرحلة إلى كراسى السلطة ، إذ عجز المصريون عن اكتشاف مخارج من الأزمات المستحكمة بعد أن انتشر الفقر والفساد في حماية الاستبداد السياسي والتحلل القيمي .

ولكن هذا كله لم يحدث دون مقاومة باسلة من قبل المجتمع وطلائعه من المثقفين الذين حافظوا على رؤيتهم النقدية وثباتهم الأخلاقي في وجه الموجات العاتية من العولمة الرأسمالية التي أخذت تجتاح العالم بعد سقوط المنظومة الاشتراكية ، وانحسار التحرر الوطني ، وتفكك دولة الرفاه الاجتماعي في البلدان الرأسمالية ، وتغول القيم الطفيلية في نسيج العالم ، ونجاح المشروع الامبريالي في تفتيت الدول وإشعال الحروب الطائفية والإثنية بديلا للتحرر الوطني والعدالة الاجتماعية .

تعلمنا من الجراح العميقة دروساً ثمينة ، منها أن البكاء على اللبن المسكوب عبث ، وأن الحزن يبدد الطاقات وأن معرفة الحقيقة مهما كانت مؤلمة هي أول الطريق لبناء البدائل ، وهو ما نحن مطالبون الآن بفعله سيرا على هذا الطريق الطويل لهزيمة الهزيمة ، ألم يتقدم المصريون في الخامس والعشرين من يناير 2011 والثلاثين من يونيه 2013 خطوات حاسمة على هذا الطريق ، وألم يتعلم المثقفون الطليعيون أن العمل الفردي حتى لو كان إيجابيا حصاده قليل ، هم يعرفون ذلك الآن معرفة شاملة وهم يدافعهون بكل قوة عن الحريات العامة حتى يتسع الطريق الذي يعرف الجميع أنه طويل وملئ بالتعرجات والمطبات .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مخاوف من استخدامه كـ-سلاح حرب-.. أول كلب آلي في العالم ينفث


.. تراجع شعبية حماس لدى سكان غزة والضفة الغربية.. صحيفة فايننشا




.. نشاط دبلوماسي مصري مكثف في ظل تراجع الدور القطري في الوساطة


.. كيف يمكن توصيف واقع جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة؟




.. زيلنسكي يشكر أمير دولة قطر على الوساطة الناجحة بين روسيا وأو