الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


احمد خلف يعبر حده الفاصل ليتنبا بموت ابيه

توفيق التميمي
كاتب وباحث في شؤون التاريخ والذاكرة العراقية

(Tawfiktemimy)

2006 / 2 / 1
الادب والفن


انا افترض بالروائي الفذ ان يمتلك قدرات سحرية هذه الايام حتى لا نصدق دعوى”موت الرواية الطويلة في عصر التقنية والعولمة..
ولربما من هذه القدرات الانتقاء الغرائبي لموضوعاتها .. والاسلوبية الخارقة التي تنسف موروثنا الذوقي في قراءة الرواية.. ومع ذلك كله مخيلة خاصة.. وخصبة ..تستطيع ان تحافظ على جذب القارئ.. حتى النهايات الاخيرة.. بذلك كله يحقق الروائي حضورا ومجدا لنفسه ولادب الرواية المهدد بالزوال.. وجدت بعضا من هذه القدرات السحرية التي اغوتني لمواصلة رواية احمد خلف” موت الاب “ المنشورة عام 2002 من دار الشؤون الثقافية” مع سبق الاصرار والترصد “ ليس هذا فقط.. بل ان اهداءً كريما وخاصا من الروائي احمد خلف لنسخة من روايته.. كان يستبطن انتظارا لموقف شخصي لابد منه..لا يتعلق بقراءة الرواية نفسها وتأويل رموزها الصارحة.. بل بمراجعة الرأي التقييمي باحمد خلف “ الانسان وليس المبدع فحسب .
فاحمد خلف ..قاص وروائي ستيني قضى شطرا كبيرا من حياته الابداعية في ظل الدكتاتورية وانجز اغلب اعماله في هذا السقف الزمني المقيت كما كان موظفا في مؤسساتها الثقافية ومن هنا اثار محمد خلف جدلا نقديا في تصنيفه الابداعي.. ومواقفه من هذه السلطات الدكتاتورية تجاذبا وتباعدا.. مماهاة أو رفضاً.
لكن قراءة منصفة لرواية” موت الاب “ .. والتذكير بزمن صدورها.. ومكان النشر ..كلها مؤشرات من الشجاعة والجرأة والاقدام تحسب تأريخيا لاحمد خلف وتستطيع ان تقرر بالمعنى النقدي التاريخي بان احمد خلف لم يكن كاتبا تعبوياً بمعنى الكلمة .. لا قبل الدكتاتورية ولا اثناءها ..
فالاستثناء الوحيد لمنجزه الروائي والقصصي هو” الحد الفاصل “ الصادرة من الشؤون الثقافية - بغداد عام 1986” عام ذروة الحرب والقمع على حد سواء “ التي يتحاشى احمد خلف نفسه الحديث عنها حياء او بما لا يتشرف بانتسابها لمنجزه الروائي المتميز بخصال منفردة عن زملائه الستينيين من كتاب القصة والرواية وكانت الركيزة الوحيدة التي اتكأ عليها الناقد” سلام عبود “ في كتابه المعروف” ثقافة العنف في العراق “ التي وجه من خلالها سهامه الى احمد خلف.. ليضيفه الى القائمة السوداء من كتاب ثقافة العنف في العراق بمعيار نقدي صارم يفتقد الى الموازنة بين ما هو موضوعي وبين ماهو انفعالي وليس هذا فقط..بل ارتكب سلام عبود مغالطة تاريخية.. حينما نسب”الخراب الجميل“ لزمن دراسته النقدية.. وكان واهما في ذلك. وباستثناء ذلك فنحن ليس امامنا سوى ان نؤشر الشجاعة والجرأة الواضحة في رواية”موت الاب“.. فأنا لا ارد جميل الاهداء الكريم.. ولا ارد الاعتبار المعنوي لكاتب موظف في مؤسسة الدولة الدكتاتورية. التي لم تفلح كثيرا في تحويل وظيفته الى غواية الادب التعبوي والطموح بجوائز حروبها التي ربما كان فاحصا ومقيماً في بعض هذه الجوائز ولا لنؤكد محنة الانشطار والتشظي الذي كان يعانيه الاديب العراقي.. عما يريد كتابته وعما مطلوب منه اتقاءً لشر او مطلبا او سعيا لمجد او مال.. لكن نريد من النقد القادم.. ان يتريث قليلا في احكامه..على شواخصنا الادبية واعلامنا الابداعية ..ويرى الصورة من وجوهها الكاملة.. قبل اطلاق الاحكام وتثبيت التوصيفات.. وعدم التردد في انصاف كل ذي حق حقه.. وكل منجز ابداعي قيمته الابداعية والتاريخية والفنية .
فكما كانت” الحد الفاصل “ هي كبوة ابداعية في مسيرة احمد خلف القصصية فأن”موت الاب “ هي محطة متألقة في هذا المنجز ووسام من البطولة تقلده الروائي وهو يؤشر دون غموض او لبس الى النبوءة المحتمة بسقوط الدكتاتور ورمزيته الصارخة في” شخص الاب المتسلط “ كما كان شجاعا في تحليل تفسخ هذا الاب وانحلاله القيمي والاخلاقي .
ولا يمكن ان يغيب عن بال من اجاز هذه الرواية مثل هذه الاستعارة وغيرها من الاستعارات المباشرة الاخرى كغياب الشقيق اسماعيل الذي يختصر بفنية عالية غياب العراقيين الذي اتخذ لها الاف الصورة المبتكرة ولا يمكن ان اتجاوز قراءاتي لهذه الرواية ..دون ان اشيد بهذه الالتقاطة الفنية لتجربة” شارع المتنبي “ التي شاطرت فيها الصديق احمد خلف مكابدات سنوات الجوع والحصار ..التي كانت رمزا لايقبل التأويل لفترة تاريخية من الضلال والتيه واهدار قيمة الثقافة واذلال المثقفين ولربما كان”خلف “ في هذه الفصول معنيا بأرشفة محنة جيل بكامله .. كان هو من ابرز ضحاياه .. لايمكن ان اذهب ابعد من ذلك في قراءتي لهذه الرواية وانا في صدد الاشارة فقط لجرأة الكاتب وشجاعته واقتحامه لاسوار رقابة يدرك احمد خلف طبيعتها ومزاجها والمعايير التعسفية التي تحكم وتتحكم بها .
ومع هذا فاقدامه على مغامرة من هذا النوع هو نقطة من الضوء في سجله الابداعي تدعو للاشادة بمنجز عراقي ادبي كامل.. كان يتواصل في ابداعه ويتواصل في تداعياته ومماهاته لواقع يتهشم تحت ضربات القمع والجوع والابادة ليكون المبدع وحده قادرا على الشهادة ولو بعد حين .. مرة اخرى اقول .. ليس ما اكتب هو ما ينتظره احمد خلف مني رد الوفاء لإهدائه الكريم للرواية..بل دعوة لمراجعة كل ما كتبه مبدعينا.. وتحليل ثيماتها الابداعية الثاوية تحت طيات من القهر والتهديد والاستعارات المفروضة..بانتظار.. رقابة مؤدلجة لا ترحم.. وانتظار مصير غامض..ارحمه القتل غدرا..او الغياب المحتمل ..الذي طال مبدعين وكتابا عراقيين كعزيز السيد جاسم وحسن مطلك..وضرغام هاشم وآخرين.
توفيق التميمي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - الناقد الرياضي فتحي سند : فرص الأهلي في الفوز بالبط


.. كل يوم - الناقد الرياضي فتحي سند : لو السوبر الأفريقي مصري خ




.. مهرجان كان السينمائي: آراء متباينة حول فيلم كوبولا الجديد وم


.. أون سيت - من نجوم شهر مايو الزعيم عادل إمام.. ومن أبرز أفلام




.. عمر عبدالحليم: نجاح «السرب» فاق توقعاتي ورأيت الجمهور يبكي ف