الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخرافة في جامعات العراق

احمد حمادي

2017 / 6 / 10
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


الحديث عن الجامعات في العراق والوضع فيها حديث فيه الكثير من الشجن والالم ويحتاج للكثير من الكلام من اجل الإحاطة بالمشكلات الكبيرة والكثيرة التي جعلت هذه الجامعات وعلى رأسها جامعة بغداد تحتل مراكز متأخرة في التصنيف العالمي ، هبوط المستوى العلمي في هذه الجامعات لم يأت من فراغ انما هو انعكاس الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي المضطرب بفعل سياسات الحكومات الهدمية التي تمارسها على مختلف القطاعات بضمنها التربية والتعليم العالي الذي بات مكانا يذكرك ببيوت العرافات وتكايا المتصوفين وجوامع وحسينيات رجال الدين، فبدلا من مشاهدة جداريات وتماثيل لدارون او بيكون او علي الوردي او نوري جعفر او زها حديد تجد جداريات كبيرة وصور لرجال دين عند دخولك لجامعات مثل المستنصرية او العراقية او بغداد او البصرة وما ان تتصفح اية رسالة ماجستير او أطروحة دكتوراه سواء في الطب او الهندسة او العلوم الطبيعية كالفيزياء والكيمياء او في علم الاجتماع وعلم الآثار وعلم النفس من المستحيل ان تجد نصا لأحد مؤسسي او رواد هذه العلوم تفتتح به هذه الدراسات، إنما تجد نصا قرآنيا!، الأدهى من هذا وذاك انك ان حاولت مناقشة اي استاذ حاصل على لقب الأستاذية في اي فرع من فروع العلم والمعرفة تجده يؤمن بالأبراج والحسد ويعتقد ان حجرا معينا يلبسه في احد اصابع يده اليمنى يجلب له الراحة والطمأنينة ويبعد عنه الحسد واعين ومكائد الزملاء.
حدثني احد الأصدقاء انه سأل مجموعة اساتذة في علم الاجتماع عن العنف الممارس في البلاد ضد المرأة، وتصادف وجود اثنين منهم في ذات الغرفة فإذا بهما ينهالان على هذا الصديق بوابل من الأسئلة التي تتهمه بتمثيل أجندة غربية صهيونية هدفها النيل من الإسلام والمسلمين وتشويه صورة الواقع العراقي، بل أن احدهم عندما سمع صديقه وقد سرقت محتويات سيارته بعد كسر زجاجها علل ذلك بأنه لم يواظب على قراءة أذكار الصباح، لا بل ان رئيس جامعة الفلوجة قال في تصريحات صحفية ان الجامعة عادت الى العمل مرة اخرى بعد احتلال داعش لها بدعاء الأمهات!
عندما تجد هذا الفكر الخرافي وهو يعشش في عقول هذه الشريحة التي حصلت على تعليم من المفترض ان يسهم في تغيير أفكارها وسلوكها تصاب بإحباط وفقدان للأمل، خصوصا وأنت تشاهد عند دخولك لاي جامعة في العاصمة بغداد اثناء شهر محرم وهي ملفوفة بالسواد لا بل في ايام العاشر من محرم والأربعين تنصب المواكب داخل الكليات والأقسام وتنتشر القدور الضخمة وتبدأ (الديجيات) بتشغيل اللطميات بأعلى صوتها. لا بل ان وزراء التعليم العالي واظبوا منذ سنين على تسخير إمكانات وسيارات التعليم العالي في نقل الزوار، ليس في الأمر أية غرابة خصوصا وان رؤساء الجامعات وعمداء الكليات ورؤساء الأقسام العلمية فيها اغلبهم ان لم يكونوا جميعهم يشاركون في إحياء هذه الطقوس والتشابيه بل اجزم ان اغلب أساتذة ورؤساء أقسام الاجتماع والانثربولوجيا يشاركون طلبتهم هذه العادات البدائية! فكيف لنا بعد ألآن دراستها وتحليلها، اذا كان الباحثون والدارسون جزءا اساسيا في استمرارها والترويج لها، وأقصى ما يطالبون به هو (تشذيب) و(تهذيب) و(عقلنة) هذه الطقوس.
ليست مشكلة التفكير الخرافي والطقوس البدائية التي أضحت الجامعة واحدة من أماكن الترويج لها هي السبب الوحيد في انحطاط العلم بل المشاكل عديدة وكبيرة، فبعد سيطرة العقليات المليشياوية والطائفية والدينية والعشائرية على مراكز السلطة في عموم البلاد وبضمنها الجامعات، بات كل سلوك اكان فرديا او اجتماعيا او سياسيا داخل الجامعة له هدف يحاول من خلفه القائمون عليه استمرار هذا الحال، لان أقوى أعدائهم والذي ينسف فكرهم من جذوره هو الفكر والوعي العلمي البعيد عن الخرافة وهذا الفكر من المفترض أن ينمو في البيئات الجامعية والأكاديمية ان كان لهذه البيئات بقية احترام لذاتها.
من اجل إبقاء هذه الجامعات تحت فكر التجهيل والغيب، نجد المرجعيات الدينية والسياسية والمليشاوية تتسابق لعقد مؤتمراتها وندواتها في هذه الجامعات، ولا يذهب تفكيركم بعيدا فليس لهذه المؤتمرات والندوات إي محتوى علمي بل جلها لترسيخ قيم الطائفية والعشائرية أو ترويج ودعم لسلطة المليشيات او منابر لرجال الدين من اجل الترويج لخرافاتهم وسياساتهم أو وهذا بأحسن الأحوال تخصص هذه المؤتمرات والندوات للشعر الشعبي.
واحدة من دعوات المرجعيات الدينية هي محاربة الأفكار الإلحادية التي انتشرت حسب قولهم بشكل كبير داخل الجامعات ومن اجل ذلك خصصت المرجعية رجال دين يلقون المحاضرات على الطلبة في سبيل ابقاء الجامعات تحت سيطرتهم، ولست ادري كيف يقبل رئيس علم الاجتماع على سبيل المثال اقامة مثل هكذا محاضرات لطلبته وهو يعلم تمام العلم ان مؤسسي علم الاجتماع الذي يرأسه، من كارل ماركس الى دوركهايم الى منهايم إلى هربت سبنسر كلهم درسوا هذه الظواهر وفق اعتبارات العلم حالها حال أية ظاهرة أخرى وكيف لرئيس قسم علم النفس ان يقبل بها وهو يعلم ان أول من اعتبر الدين طقوس وسواسيه هو فرويد، احد أقطاب التحليل النفسي، وكذلك بافلوف مؤسس المدرسة المادية في علم النفس، الذي اعتبر اي سلوك هو نتيجة لتأثير البيئة وليست الأفكار اللاعقلانية سوى تعزيز المجتمع ودعمه لها، وما هي علاقة نيوتن واينشتاين بالتشابيه التي تقيمها كليات العلوم وأقسام الرياضيات في مختلف الجامعات.
كانت الجامعات العراقية منارا لعموم المنطقة فقد استطاعت ان تؤسس لتقاليد علمية رصينة ومناهج بحث دفعت طلبة المنطقة النظر بعين الحسد لما تنتجه جامعات بغداد والبصرة والموصل والمستنصرية، وخرجت هذه الجامعات أسماء علماء في شتى الاختصاصات والمجالات ولم يقتصر دور الجامعة في العراق على الدراسة والعلم فقط إنما امتد إلى العمل السياسي والاجتماعي ، حينها لم تكن مشاكل المجتمع معزولة هذا العزل المصطنع عن مشاكل الجامعات فكل نشاط سياسي أنما ينطلق من داخل القاعات الدراسية وأروقة الكليات واتحادات الطلبة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وزارة الدفاع الروسية تعلن إحباط هجوم جوي أوكراني كان يستهدف


.. قنابل دخان واشتباكات.. الشرطة تقتحم جامعة كاليفورنيا لفض اعت




.. مراسل الجزيرة: الشرطة تقتحم جامعة كاليفورنيا وتعتقل عددا من


.. شاحنات المساعدات تدخل غزة عبر معبر إيرز للمرة الأولى منذ الـ




.. مراسل الجزيرة: اشتباكات بين الشرطة وطلاب معتصمين في جامعة كا