الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإفلاس السياسي للقيادة الفلسطينية

خالد عبدالله

2003 / 2 / 21
القضية الفلسطينية


 

كاتب عربي يقيم في وارسو

اخترع النظام الرأسمالي قوانين الإفلاس لحماية النخبة الرأسمالية، إذ لو لم تكن هناك قوانين للإفلاس تحميها ما استطاعت أن تحفظ ثروتها، وأن تعود إلى ما اعتادت عليه من جمع الثروة، أو مراكمتها. وبطبيعة الحال الذين يدفعون ثمن الإفلاس هم عامة الناس سواء ما يخسرونه مباشرة، أي ما يمتلكونه من أسهم، أو من خلال تحمل موازنة البلد لتحمل عبء جرائر الرأسماليين وأخطائهم. بل أن البنك والصندوق الدوليين كثيرا ما يقومان بحماية النخبة من الهزات الاقتصادية بتحميل أعبائها لسكان البلدان الفقيرة أو للفقراء في البلدان الغنية. فآلياتها معروفة نقرأها يوميا في الصحافة لكن لا نلتفت إليها لكثرة مصائبنا، ثم إنها لا تهمنا هاهنا.
لكن النخبة الرأسمالية ذكية كعادتها لا تحمل الناس الأعباء السياسية والاقتصادية في آن. لأن القضية ستكون مكشوفة. فإما حماية المصالح الاقتصادية وإما حماية السياسيين. لكن المصالح الاقتصادية ثابتة، ورجال السياسة متغيرون. فالمتغير ينبغي أن يكون في خدمة الثابت. فالشركة حين تكون في أزمة يهرع لإنقاذها أو على الأقل لحماية مصالح الرأسماليين فيها. لكن حينما يماط اللثام عن فضائح سياسية فعلى من تعثر أن يدفع ثمن أخطائه السياسية. بل ويجعلون من الموضوع كرنفالا يسعدون الناس ويلهونهم به.

وتختلف الصورة في وطننا العربي فالثابت هو الحاكم والرأسمالي هو المتغير إلا إذا كان الحاكم نفسه. وذلك لأن الرأسمالي يصبح كذلك بقوة الحاكم فقرار يبقيه رأسماليا  وأخر يقصيه عن شرف اللقب. فقوانين الإفلاس السياسي هي المطلوبة في منطقتنا لحماية الثابت فيها. وقوانين حماية الحكام تتألف من كتابين. كتاب تتوجه مواده إلى الداخل، وكتاب يتعامل مع الخارج. فأما كتاب الداخل فهو تراوح بين القسوة والشدة. وهذه تحتاج إلى أدواتها، قضاء سلطاني يسمونه عسكريا حينما تكون القسوة هي الأساس، ويسمونه مدنيا حين تكون الشدة القاعدة. وهي تحتاج إلى قوات أمن يسمونها جيشا حينما تتزلزل الأرض تحت أرجلهم، ويسمونها شرطة ومخابرات  حينما تهدأ الزلازل ويراد مواصلة المألوف من طرق الحكم. وغالبا ما يختلط الأمران لأن الزلازل دائما على الأبواب. وهي تحتاج إلى موازنتين للمصروفات العادية والمصروفات السرية، وإلى استمرار القطاع العام ليس لأنه يحفظ ثروة الناس بقدر ما هو مصدر للغنى وتراكم الثروة للحكام الرأسماليين. وحينما يتخلون عن القطاع العام فإما لأنفسهم بالواسطة أو للشركات الأجنبية بالسمسرة.

أما كتاب الخارج فهو تراوح بين الإذعان والتمنع. لكن القبول هو القاسم المشترك. فالإذعان تعبير عن شراسة الخارج، والتمنع دليل رحابة صدر الخارج. أولاهما يشي بالعجلة والحسم، وثانيهما يوحي بالريث. لكن الطلب الخارجي ينفذ عاجلا أم آجلا. فكتاب الداخل نقيض كتاب الخارج لأن الأول يطلب الإذعان من الناس لأغراضه، والثاني يعرض الإذعان للخارج مقابل الرضى عن أحواله. ولأن الأول يرفض التنازل للرعية، أما الثاني فيتبرع بالخدمة قبل أن تطلب منه، ويهرع بالتنازل حين الإشارة إليه. وليس هناك حدث إلا طافح بالإمارات على هذا النزوع العربي نحو التنازلات، أحيانا بأشكال مرهفة وأحيانا بطرق فاضحة.

والسلطة الفلسطينية ليست استثناء لهذا المساق العام للسلوك الرسمي العربي، بل هي تربت في حضنه وكادت أن تسبقه في بعض أشواط السباق. ولا ندعي أن السلوك العربي نمط واحد في التفاصيل كما هو في التوجه العام، لأن الخصوصيات كثيرة، بين من يتلقى الدعم من الأمريكان وبين من يدفع الجزية لهم. لكن الخصوصية الفلسطينية أبرز الخصوصيات. فالحكومات العربية تسهر مقابل حماية وجودها على رعاية المصالح الأمريكية، فهي تستنزف مواردها الاقتصادية والبشرية، وترهن مستقبل أجيالها في مصارف الفقر والتخلف. غير أن السلطة الفلسطينية تدير عملية إنهاء شعبها بقصر نظرها عموما، وتفضيل البعض منها لمصالحه الخاصة على مصالح شعبه.

فما الذي يجري على الأرض الفلسطينية؟ أمران. قتل وسجن وتدمير للشعب الفلسطيني متواصل ليل نهار، وقضم وضم للأرض الفلسطينية. فما الذي تفعله السلطة الفلسطينية؟ مسجونة فعلا في بيوتها، وأسيرة لا تملك أن تفعل شيئا في الحياة الفلسطينية اليومية. هذا على صعيد ما تعمله لنفسها وما تستطيع أن تفعله لشعبها. أما ما تفعله لقضيتها فهو الأخطر. فهي تقوم بأمرين. بوجودها استطاعت أن تجعل سلوكها أو بالأحرى سوئه مدار النظر، ثم إنها أصبحت قيدا على مقاومة الشعب الفلسطيني. فقد قوت الحجة الإسرائيلية بأن المشكلة في القيادة الفلسطينية الفاسدة. وأتاحت لإسرائيل كي تطلب مع الأمريكان إصلاح السلطة. فما الذي تعمله السلطة الفلسطينية؟ تقول للعالم أنهما على حق. وآخر مثل على ذلك من بين أمثلة كثيرة  سبقته وستليه قبولها بتعيين رئيس وزراء. المشكلة أن التبرير الفلسطيني كالعادة هو العذر الأقبح من الذنب. وهو يمثل عقلية تريد السلطة بأي ثمن. فالتبرير هو إزاحة عقبة تتعلل بها الولايات المتحدة من أجل بدء المفاوضات. فكم يبدو سخيفا هذا التبرير. لكن أولا هذا الإذعان مثل كل التنازلات الفلسطينية تقوى الدعوى الأمريكية الإسرائيلية. لكن الأخطر في هذا التفكير كونه يريد إقناعنا أن الولايات المتحدة بقضها وقضيها تمتنع عن الحوار مع الفلسطينيين لأنها تريد أن ترى رئيس وزراء فلسطيني! بل أن السلطة حصرت الحوار لأشهر طويلة بين فوائد وجود رئيس وزراء وأضراره، أو هل يسمح الدستور الفلسطيني بمثل هذا الإجراء أم لا يسمح. وفي هذا تضليل للشعب الفلسطيني. ولو كانت السلطة تريد حقا أن تشارك شعبها بما يخطط له لجعلت النقاش علنا حول ماهية الطلب الأمريكي. فالأمريكان لا يعرفون أصلا منصب رئيس وزراء ولا يهمهم من قبل أو بعد إن كان لفلسطين رئيس وزراء أم لا. فكل المطالب الأمريكية الإسرائيلية هي ضرورة تنفيذ السلطة لرؤيتهم للحل. وبدءوا بتنفيذ الاستراتيجية من خلال محورين، عسكري إسرائيلي يجمد امتيازات القيادة الفلسطينية ويهدد وجودها باستمرار، ومحور سياسي تقوم به الولايات المتحدة بطرق مختلفة. ومن بين هذه الطرق مطالب الإصلاح، وتكليف الدول العربية بالضغط الاقتصادي أو السياسي أو كلاهما على السلطة، ومن خلال الرباعية. فالعسكري والسياسي ليسا إلا كماشتان حتى ترضخ السلطة الفلسطينية.

وحينما تأتينا السلطة لتقول أن تنازلاتها الشكلية ستأتي بأمريكا إلى غرفة المفاوضات فإما إنها جاهلة وهو أمر مستحيل، وإما أنها تضلل الشعب الفلسطيني. والسؤال هو ما هي التنازلات الحقيقية التي تسير نحوها القيادة الفلسطينية. أما إذا كانت القيادة تتصور أنها تدفع بذلك شرا عن نفسها في الأجل القصير فربما هذا صحيح من حيث أنها كالمريض الباقي على قيد الحياة بالأجهزة الطبية، لكنها تلحق كل الأضرار بشعبها. فهي تقف حائلا دون أن يرى العالم ما يجري حقيقة في فلسطين، لأنها أصبحت موضوع النقاش. لقد آن الآوان لكي تتخلى كل أطياف أوسلو عن المسؤولية وتمهد الطريق للقوى المقاومة لكي تشكل سلطة شعبية حقيقية. 

فالسلطة لا تدفع ضرا وتلحق ضررا، والمفاوضات غير موجودة على الإطلاق ولن توجد. الموجود هو
استراتيجية أمريكية إسرائيلية لإحكام القبضة على القرار الفلسطيني حتى ينفذ ما تريده. فما يجري في فلسطين ليس إلا سياسة أمريكية ينفذها شارون. وما تقوم به السلطة الآن لا يخرج عن إما أنها تعد العدة للحل النهائي الأمريكي بعد ضرب العراق، أو أنها تضرب خبط عشواء لعل وعسى يصيب فيخرجها من مأزقها. وكل واحد منهما لا يعدو أن يكون إفلاسا سياسيا.

************

كنعان








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البريك العنابي.. طبق شعبي من رموز مدينة عنَّابة الجزائرية |


.. بايدن يعلن عن خطة إسرائيلية في إطار المساعي الأميركية لوقف ا




.. ارتفاع حصيلة الضحايا الفلسطينيين إثر العمليات الإسرائيلية في


.. مراسل الجزيرة يرصد آخر التطورات بالمحافظة الوسطى بقطاع غزة




.. توسيع عمليات القصف الإسرائيلي على مناطق مختلفة برفح